بقلم: عميرة أيسر* تعيش الأمة الإسلامية والعربية حروباً طاحنة وخلافات مذهبية وطائفية حادة منذ أكثر من 1400 سنة ومنذ وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ولأن الدين وقيمه ومبادئه من أهم الركائز الرئيسية في العالم الإسلامي والعربي منه على وجه التحديد فإن هذا ما زاد من حدَّة تلك الخلافات التي أحدثت ولا تزال حالة من الانشقاقات المجتمعية والخلافات التي عطلت الأمة وأعادتها إلى الوراء عدة قرون لأن الدين الإسلامي الذي هو أخر الأديان السماوية وأكثرها تسامحاً ومحبة وقبولاً للأخر أصبح الكثير من أتباعه يصورونه ويفسرون آياته وأحاديثه بطريقة مغلوطة مشوهة تجعل أبنائه ينفرون منه في المقام الأول وهذا ما يفسر التَّزايد الرهيب لنسب الملحدين كل يوم فالنسق المجتمعي العام الذي يجب أن يكون موحداً تحت إطار ديني متفق عليه قد اختل توازنه وتم إضعافه عن طريق طوائف ومذاهب مختلفة تعتبر نفسها هي المسئولة عن تفسير الدين والحفاظ عليه وتقصي من يخالف وجهة نظرتها أو أطروحاتها الغائية بل إنها تكفره وتزندقه وتبدِّعه وتجعل من الدين وكأنه سفينة نوح عليه السَّلام الخاصة بأنصارها فقط فهم الذين سوف تشملهم رحمة الله وسيدخلون بالتالي جنته لوحدهم دون إخوتهم في الدين من أهل المذاهب والممل والطوائف الأخرى وهذا ما خلف تشوهاً فكرياً عميقاً في الشخصية المسلمة عبر الأزمة والعصور ولم تستطع الشعوب والأمم التي تبنت تلك الطوائف والمذاهب الإسلامية والأفكار أن تخرج من نظرتها الغائية والإقصائية بل إن منهم من أصبح يدعي العصمة له ولأتباعه ويميزون أنفسهم عن غيرهم من المجموعات البشرية الدينية بألبسة وطقوس وأذكار خاصة وتسميات خاصة. فالدين الذي كان يجب أن يكون رحمة لأتباعه لأن الحق وجلا قال مخاطباً رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام وما أرسلناك إلاَّ رحمة للعالمين فإذ بالنعمة حسب هؤلاء تتحول إلى نقمة والمرجعية الدينية لهذه المذاهب تتحول إلى أدوات لبث الفتة والفرقة والحقد بين أبناء الدين والمجتمع الواحد وأصبحت عوامل تفرقة بدل أن تكون عوامل تجميع وألفة والأنكى من ذلك بأن كل الأصوات العاقلة على مر التاريخ التي حاولت أن تجد تفسيرات للنصوص الدينية تعيد لها الحياة وتجعلها في تناسق مع روح العصر الذي عاشوا فيه حيث تعرضوا للتهميش والإقصاء والتبديع والتفسيق من رؤساء هذه الطوائف والمذاهب وتم إحراق كتبهم وإعدامهم أو التضييق عليهم وإعدامهم في السَّاحات العامة بعد أن أوغروا صدور الخلفاء والحاكم ضدَّهم وكان من الضحايا الكبار لهذه السِّياسة الفكرية والأيديولوجية الدينية المتطرفة عظماء كالفرابي وابن سينا وابن رشد ووالخوارزمي والكندي والرازي والفارابي والحلاج وابن عربي وابن طفيل والطبراني وابن ماجد وغيرهم كثير. فالتكفير الذي أصبح لغة التخاطب الوحيدة عند أهل الطوائف الإسلامية ومذاهبها وذلك بسبب غياب مفاهيم الاختلاف البنيوي المحمود في فهم القضايا والفروع بل وحتى في الأصول الدينية سواء في العقيدة أو التفسيرات القرآنية أو الاستدلال العقلي والمنطقي على مواضع الآيات والأحاديث ودلالاتها السِّياقية العامة واستعمال علم الكلام والمذاهب الفلسفية اليونانية والهندوسية والهندية في فهمها ومحاولة استيعاب مضامينها الفلسفية أو التعاملية المجتمعية أو العقلية أو النقلية. فغياب التفاعل الإيجابي بين الأنماط الفكرية والتحليلية والمعرفية والمذهبية في فهم الظواهر الإنسانية المتعلقة بالدين الإسلامي وتميزها في مضامينها عن غيرها من الديانات السماوية أو الوضعية الأخرى ومن الأشياء التي أغفلها الدارسون لهذه الأنماط هو غياب الرؤية الكلية لتصور المنظومة القيمية الأخلاقية التي تبني عليها هذه المذاهب والطوائف الإسلامية تصورها للآخر المختلف عنها والذي كان أحد أبنائها ذات يوم إذا قرر أن ينقدها نقداً يبيّن أوجه القصور والضعف في بنيتها الفكرية هل ستعامله وكأنه عدو يجب الانقضاض عليه أو إسكاته أو كشخص يريد الحق والحقيقة وصلاحها وصلاح المهذب ككل يا ترى؟ وخاصة إذا كان أحد أساطينها وجهابذتها الكبار وممن أخذت عنهم تصوراتها وبنت عليه بنيانها المرصوص. فالدين الإسلامي كأحد الركائز الرئيسية للحضارة الإسلامية التي علَّمت العالم أجمع معنى التسامح وتقبل الآخر واحترامه كانت تعاني من عدَّة نقاط ضعف قاتلة تراكمت مع الوقت لتؤدي إلى انهيارها قيمياً وأخلاقياً وعلمياً وفنياً وثقافياً وجمالياً وأصبحت الآفات الفكرية تنخرها نخراً وأضحت المجتمعات العربية والإسلامية تعاني من تحوَّل المذاهب من نقاط قوة إلى أهم نقاط ضعفها التي قسّمتها وشتًّتها وأدت إلى مقتل مئات الآلاف من أبنائها في العصر الحديث في حروب عبثية دمرت الدول والمجتمعات وجعلتها ضعيفة هشَّة قابلة للاختراق والاستعمار والاستهداف وجعلت خيرة شبابها عبارة عن آلات للقتل والذبح والإرهاب وبالتالي فعلى كل المفكرين وعلماء الأمة أن يعقدوا مؤتمر عالمي إسلامي من أجل معالجة هذه الإختلالات الهدامة في أقرب ووقت ممكن وجعل خلافاتهم الدينية والمذهبية والشخصية جانباً لأن الأمة تعيش أسوء أوقاتها ومجتمعاتها تتعرض للتدمير الذاتي الواحدة تلوى الأخرى عاماً بعد عام فإلي متى سيستمر هذا الوضع يا ترى؟