في خضّم ساعات التعاسة ولحظات المرارة التي يحياها الطغاة من أمثال زين العابدين بن علي وحسني مبارك بعد الرّحيل، دقائق من الانتشاء والسرور التي لا تنسيهم سوء المصير الذي آلوا إليه لكنها قد تجعلهم يشعرون بأن شعوبهم الثائرة عليهم لم تحقّق أهدافها ولم تحصل على "السعادة" المنشودة· وربما نسي رئيس مصر المخلوع مبارك بعض أحزانه ووضع كآبته جانبا وهو يقرأ على شاشات القنوات الفضائية خبرا يؤكّد سقوط 12 قتيلا وأكثر من مائتي جريح في اشتباكات بين المسلمين والأقباط، في القاهرة وإحالة ما لا يقلّ عن 190 متّهم بإذكاء الفتنة الطائفية على القضاء العسكري، فمبارك حصل أخيرا على دليل يثبت أنه على كلّ مساوئه ورغم كلّ شروره وآثام نظامه لم يكن السبب الوحيد ف جميع معضلات مصر، وأن غيابه عن صناعة القرار في القاهرة لم يُغيّب مشاهد الموت والخراب عن شوارعها· وفي المقابل، يشعر الذين تصوّروا أن رحيل أو بالأحرى ترحيل آل مبارك من حكم مصر سيكون كافيا ليخرج هذا البلد من الظلمات إلى النّور بكثير من الإحباط وهم يتابعون مشاهد الفوضى المتكرّرة في مختلف أنحاء مصر التي مازالت تحاول تخطّي المرحلة الصعبة التي أفرزتها محاولات بقايا النّظام البائد ضرب استقرار البلاد لمنع أو تأجيل محاكمة رموز النّظام المباركي غير المبارك· وما يقال عن مصر مبارك يقال أيضا عن تونس بن علي، فربما شعر "زين الهاربين" ببعض العزاء وهو يشاهد كيف اقتحم العشرات من أنصار النّادي الإفريقي أرضية الملعب خلال مباراة لحساب دوري أبطال إفريقيا ليوقفوا أطوارها وليعتدوا على طاقم تحكيمها بطريقة همجية لم نشاهد لها مثيلا في الملاعب التونسية حتى في زمن بن علي الموسوم بالتخلّف· وطبعا لن تسرّ مثل تلك المشاهد ومشاهد الفوضى التي شهدها بعض الشوارع التونسية في الأيّام الأخيرة أيا من الذين أسعدتهم صور التلاحم الشعبي التونسي خلال الثورة على نظام بن علي الذي رحل بطغيانه، ولم ترحل كلّ المشاكل والمآسي معه· وبعد أن نجح الشعبان التونسي والمصري في ترحيل نظامي بن علي ومبارك بثورتين تاريخيتين، يبدوان مطالبين اليوم بثورتين أخريين لإرساء دعائم الاستقرار وفرض النّظام العام وتكريس سلطة القانون الذي يحترمه الجميع ويضع حدّا للعبث والفوضى·