أكد الباحث رشدي راشد عدم صحة ماتردده بعض الدوائر الغربية من أن دور المسلمين كان مقصورا على ترجمة التراث الفلسفي اليوناني بدون أي إبداع علمي أو حضاري. وأشار إلى أن المسلمين ترجموا التراث اليوناني، وأضافوا إليه وأنتجوا علوما في الفلك وعلم الهيئة والفلسفة والرياضيات والزراعة وغيرها. وشدد في كلمته أمام مؤتمر »التواصل التراثي« بأنه لولا جهود علماء المسلمين لما تم نقل الأصول اليونانية إلى العربية ومنها إلى العالم وتجديدها. وإضافة وإنتاج علوم جديدة في مجالات العلم والمعرفة المختلفة كانت الأساس الذي بنى عليه الأوربيون حضارتهم المعاصرة لافتاً إلى أنه لولا المسلمين لظلت الفلسفة اليونانية جامدة ولامعنى أو فائدة منها. وأشار الدكتور عبد الله الغنيم الأستاذ بجامعة الكويت إلى أن علم الجغرافيا عند العرب لم يكن منفصلاً أو منبت الصلة عن تطوُّر ذلك العلم عند الأمم القديمة السابقة عليهم. فقد ترجم العرب أعمال علماء اليونان والرومان والفرس والهنود، وامتحنوا أفكارهم ونظرياتهم، وأخضعوها للتجربة وبرز ذلك في إثبات العرب فكرة كروية الأرض. وإعادتهم النظر في حساب درجة العرضية، وتطوير صناعة الخرائط، مستفيدين من فكرة الأقاليم السبعة التي قسَّم إليها القدماءُ الأرض. كما نظروا فيما قدمه أرسطو وغيره من العلماء في مجال الآثار العُلويَّة واستعرضوا رؤيتهم لأسباب حدوث الزلازل والبراكين والظواهر الجوية المختلفة. وقدموا مجموعة من الإضافات الجوهرية في هذا المجال مما أدي إلى تحريك عجلة التطور العلمي في مجال الجغرافيا في عصر النهضة العربية. ولفت الدكتور أيمن فؤاد سيد أستاذ المخطوطات في كلمته حول (أصول ومقدمات التراث العربي من خلال كتاب »الفهرست« للنديم إلى أن كتاب »الفهرست« لمحمد بن إسحاق النديم يقدم أشمل عرض لأصول الثقافة العربية الإسلامية ومناهلها المختلفة. واشار إلى أن هذا الكتاب يعرض لنا الأصول الأولى للتأليف والتصنيف عند المحدثين والإخباريين ونشأة علمي النحو واللغة وتطورهما حتى قرب نهاية القرن الرابع الهجري. كما أن العرض الذي يقدمه لتعرُّف الحضارة الإسلامية إلى الفكر اليوناني وأخذها عنه نقلاً وترجمةً ثم استيعاباً وإبداعاً، لا نجده بهذا التفصيل عند مؤلِّف آخر. وأضاف بأن الكتاب يقدم أيضاً عرضاً للأعمال الأولى للمؤلفين والمبدعين العرب والمسلمين في مجالات العلوم المختلفة، التي لم يصل إلينا أغلبُها والتي كانت أساساً للمؤلفات الإبداعية التي أنتجها العلماء المسلمين خلال القرنين الثالث والرابع للهجرة، بحيث يعدُّ كتاب »الفهرست« للنديم كتاباً مؤسساً في حركة الإنتاج الفكري العربي الإسلامي وتأثيرها في الفكر الإنساني. وفي كلمته حول »حماماتُ السوق تراثٌ إسلاميٌّ متوارث« أوضح الباحث في المخطوطات الدكتور عادل محمد زيادة أن فكرة بناء الحمَّامات العامة في كثير من المجتمعات على مرِّ العصور وُلدت بسبب ما أوجبته العقائد الدينية وطقوسها منذ القدم في استخدام الماء للنظافة والطهارة. ولفت إلى أن بعض المدن العربية التي أُنشئت قبل الإسلام احتفظت ببقايا حمَّامات إغريقية ورومانية أمدتنا بمعلومات مستوفاة عن تخطيط تلك الحمَّامات وطرق تسخينها. وكان لوجود مثل هذه الحمَّامات أثرٌ كبير في عمارة الحمَّامات العامة في العصر الإسلامي بالمدن السورية بصفة خاصة والمدن الإسلامية بصفة عامة باعتبار النظافة الشخصية أحد موجبات الطهارة اللازمة لأداء العبادات. وهو ما يتميز به الإسلام عن الأديان الأخرى، وكذلك طريقة التسخين التي طوَّرها المعماريون فيما بعد خلال العصر الإسلامي. ولفت إلى أن المعماريين المسلمين حققوا إنجازات حضارية في تطوير العناصر المعمارية والزخرفية للحمامات، مشيرا إلى أنه من الثابت تاريخياً أن قدماء اليونانيين قد عرفوا حمَّامات البخار الساخن منذ القرن الخامس قبل الميلاد. وازداد إقبال اليونانيين عليها حتى أصبحت بديلة عن الميادين الرياضية، وكان يُطلق على حمَّام البخار هذا لفظة Tholos. وأضاف بأن الرومان ورثوا الحمَّام الإغريقي كمنشأة عامة وأخذوا في تطويره وزيادة ملحقاته، ثم ورثت الحضارة الإسلامية الحمَّامات العامة ضمن ما ورثته من منجزات الحضارات السابقة عليها. ولفت إلى أن كثرة إنشاء الحمَّامات العامة في المدن الإسلامية يرجع لارتباطها بدعوة الإسلام للنظافة والتطهر. وأن إنشاءَها لم يكن دليل حضارة أو ترف وغنى فحسب بل لضرورات اجتماعية لا غنى عنها بالنسبة للرجال والنساء على السواء. وأشار إلى أن دور الحمَّامات العامة لم يقتصر في المدن الإسلامية على وظيفتها الأساسية وحدها بل تعداها إلى أبعد من ذلك بكثير لتحتل مركزاً رئيسياً على الأصعدة الدينية والاجتماعية والأدبية. وشدد على أن المسلمين طوروا وقدموا الكثير في مجال فن تخطيط الحمَّامات في بعض أقاليمهم بما يتوافق مع طبيعة المناخ، وبما يتوافق أيضاً مع عاداتهم وتقاليدهم. وتناولت الباحثة د. ماجدة محمد أنور قضية (النَّقْط وضبط الكلام من اليونانية والسريانية إلى اللغة العربية)، وأوضحت أن التراث الفكري للغة اليونانية يعد من أهم المصادر التي يتعين الرجوع إليها بحثاً عن العناصر التي أثرت في اللغتين السريانية والعربية معاً. ولفتت إلى أن الفلاسفة اليونانيين بحثوا نظام ضبط الكلام أو النبرات المميزة للكلام، وهو ما أُطلق عليه مصطلح »التنغيم«، ضمن مباحثهم الفلسفية، فأبرزوا أهمية التنغيم في الأسلوب الخطابي لما له من تأثير قوي في نفس السامع. ومن ثم ارتبطت دراسة هذه الظاهرة بمباحثهم في الخطابة، حيث اتخذها السفسطائيون وسيلة من وسائل التأثير في الجماهير. واعتمدت دراسة الخطابة عندهم على تلقين مبادئ اللغة والأسلوب والموضوع وكيفية استخراج البراهين وحقائق الأشياء من الألفاظ نفسها. وأشارت إلى أن أرسطو قد استفاد من مباحث السفسطائيين في فن الخطابة، وحاول أن يضع لهذا الفن أسساً وقواعد فيما يُسمى بفن الخطابة (الريطوريقا)، مركِّزاً على دور التنغيم في تعزيز قدرة الخطيب على الإقناع المنطقي. ونبهت إلى أن السريان عرفوا التنغيم من خلال ترجماتهم للتراث اليوناني، وبدأوا في دراسته وتطبيقه على قراءة النصوص الدينية بغرض فهم تلك النصوص وتوضيح معانيها، وضبط الكتاب المقدس وقراءته قراءةً صحيحة، مما أدى إلى نشأة علم التشكيل والنَّقْط، أو ما يُسمى بعلامات تمييز ضبط قراءة الكتاب المقدس مؤكدة أن التراث العربي القديم شاهد على وجود ظاهرة النَّقْط وضبط الكلام والتنغيم في البحث الديني واللغوي والفلسفي.