كورونا يثير جدلاً فقهياً.. هكذا يحاصر الإسلام الوباء والمرض مساهمة: الشيخ أبو إسماعيل خليفة تتوالى على البشر في هذه الأزمنة المتأخرة أمراض وأوبئة من حيث لم يكونوا يحتسبون يخشون فتكها ويحاذرون ضرها. عرف الناس من الأمراض الكوارثية: السيدا ثم حمى الوادي المتصدّع التي أصابت الأغنام ثم جنون البقر ثم أنفلونزا الطيور ثم أنفلونزا الخنازير ليظهر في هذه الأيام فيروس كورونا.. الجندي المتوّج والخطر الأكبر الذي يخشاه العالم الآن؟. أعاذنا الله وإياكم وجميع المسلمين من الأمراض والأوبئة. لقد دقّت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر وأعلنت حالة الطوارئ فيروسات دقيقة وكائنات عجيبة وحالات تحوّل وبائي من هذه الفيروسات حيّر البشر وأقلق الباحثين هلعٌ ورعبٌ إغلاقٌ للمدارس وفحصٌ في المطارات. وتوقّف للرحلات.. والله المستعان.. وللأسف.. يواصل فيروس كورونا الانتشار سريعا ممّا سبب قلقًا في جميع أنحاء العالم حيث تحذر البلدان من السفر إلى الصين وتحذر منظمة الصحة العالمية من أن العالم بأسره يجب أن يكون في حالة تأهب . ومن المهمّ عافاني الله وإياكم عليكم أن تتجنّبوا ذلكم الجدل الفقهي الذي أثير في العالم العربي حيث اعتبر بعضهم أنه عقاب من الله ضد السلطات الصينية بسبب اضطهادها لأقلية مسلمي الإيغور في إقليم تركستان الشرقية (تشنجيانغ) وهو ما رفضه البعض الآخر مشيرين إلى أن الفيروس انتقل إلى الإقليم الصيني المذكور كما أصاب دولا إسلامية كماليزيا. كما أن هناك الكثير من الأمراض التي تنتشر في البلدان الإسلامية وهذا لا يعني أنها غضب من الله.. بل اعلموا أن هذه الأمراض التي يرسلها الله على عباده إنما هي رحمة بعباده ليرجعوا إليه وليعرفوا أنه المتصرف بعباده كما يشاء فلا اعتراض عليه له الملك وله الحمد وله الخلق والأمر وهو على كل شيء قدير كان الفضيل رحمه الله يقول: إنما جعلت العلل ليؤدب بها العباد ليس كل من مرض مات . ثمّ إن الله -تعالى- بين أنه سيُري الناسَ آياته في الآفاقِ والأنفسِ حتى يتحقّق لهم اليقينُ بأن رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- حق فقال _تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء شَهِيدٌ . فصلت:53. وقد أخبرنا سبحانه بأنه سيبتلينا وذلك حتى نهيئ أنفسنا لاستقبال ما قضى به تعالى ونكون من الراضين بهذا القضاء. قال تعالى: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون . البقرة:155157. ولذا فالإسلام يعترف بالأسباب المادية المعتادة للأمراض وفقا لسنن الله الجارية في الخلق فهو يقرّ العدوى بوصفها سببا من أسباب نقل المرض قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: فرّ من المجذوم فرارك من الأسد . بل إن من روائع ما جاء به الإسلام وسبق به فكرة العزل والحجر الصحي في حالة انتشار الأمراض المعدية. فقد جاء في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا كان الطاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه . وقد فهم هذا المعنى أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما أراد دخول الشام ومعه كبار الصحابة وقد استشرى الطاعون فيها ومات الآلاف فأخذ بالأسباب والحذرِ والحيطةِ ورجع ومن معه إلى المدينة وهذا هو الحَجرُ الصحي بعينه بلغة اليوم. بهذا يحاصر الإسلام الوباء والمرض في أضيق نطاق ويحال بينه وبين الإنتشار فحتى السليم بمقتضى هذا الحديث لا يجوز له الخروج من البلد الموبوء خشية أن يكون حاملا لمكروب المرض وهو لا يدري.. فالله.. الله في صحتكم فلا تهملوها وفي صحة الناس فاحفظوها وفي نصائح أهل الذكر والمتخصصين فنفذوها. وإذا كان المرض قدرا من الله للمعرّضين للإصابة والعدوى من جرّاء المحيط أو طبيعة العمل أو إهمال شروط الوقاية فالتداوي قدرٌ مثله. فقد جعل الله لكل شيء سببا ولكل داء دواء والله على كل شيء قدير. جاء في الحديث: ما أنزل الله داءً إلا أنزل شفاء . رواه البخاري ومسلم. وروى الترمذي: يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له دواء . نسأل الله أن يحفظنا وإياكم بحفظه وأن يكلأنا برعايته وأن يدفع عنا وعن المسلمين الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.