للفساد في العالم العربي دور محوري في نشوب الثورات، وهذه حقيقة لا تحتاج إلى برهان، ولذلك فليس من المستغرب أن تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الأنظمة الفاسدة في الدول النامية تسرق سنويا ما بين 20 إلى 40 مليار دولار، وأنه تم إرجاع 5 مليارات فقط خلال ال15 عاما الماضية. وعلى سبيل المثال يواجه الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي وعائلته اتهامات بالفساد عن قضايا يُحاكم عليها غيابياً ارتكبها إبان احتكاره الحكم طيلة 23 عاماً، وهو الأمر الذي تكرر مع الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وعائلته، حيث يحقق جهاز الكسب غير المشروع في مصادر أموال العائلة بعد تضخم ثروتها بشكل غير قانوني. يأتي ذلك في ظل حكم غيابي صدر ضد وزير المالية المصري السابق يوسف بطرس غالي، بالسجن لمدة 30 عاماً، بسبب تلاعبه بالمال العام. علاوة على حكم بحبس وزير التجارة والصناعة المصري رشيد محمد رشيد لمدة 5 سنوات في قضايا فساد أيضًا. وقد تم إلقاء القبض على رجل الأعمال المصري الهارب حسين سالم، الذي يصفه البعض بأنه صندوق أسرار مبارك والرجل الأول المقرب منه، وصاحب أشهر قضية فساد في مصر وهي ملف تصدير الغاز لإسرائيل. وعلى الرغم من أن سويسرا تبنت في شهر أكتوبر الماضي قانوناً يعتبر الأكثر صرامة من نوعه بالنسبة لاستعادة الأموال التي سرقها السياسيون الفاسدون، وأصبح من السهل على الدولة أن تستعيد أموالها التي سرقها الحاكم الفاسد، لكن الثورات العربية لفتت إلى عدم كفاية الجهود الدولية لمحاربة الفساد. وكانت المصارف السويسرية الخيار الأمثل للدكتاتوريين الفاسدين للاحتفاظ فيها بحسابات سرية تقدر بملايين الدولارات، أمثال حاكم نيجيريا السابق اني اباشان، ورئيس الفلبين السابق فرديناند ماركوس، ورئيس هايتي السابق جين كلود دوفالير. وقد اتخذت سويسرا إجراءات تجميد أموال العديد من القادة، من ضمنهم بن علي ومبارك ورئيس ساحل العاج السابق لورينت غباغبو، بسبب الخشية على سمعتها من ناحية كونها ملاذاً آمناً للأموال غير الشرعية، وهو الأمر الذي من الممكن أن يفقدها القدرة على جذب الأموال الشرعية. وبسبب إبعاد هؤلاء الفاسدين الأموال التي جمعوها عن طريق الفساد إلى خارج بلدانهم، أكد الربيع العربي أن الجهود الدولية الحالية لمكافحة الفساد غير كافية، بالرغم من الالتزامات الدولية التي تمنع مثل أعمال النهب هذه. وحسب رأي محللين فإنه من الصعب جداً إعادة الأموال المنهوبة إلى الدولة التي تم تهريبها منها، لأسباب عديدة، أهمها أن تلك الأنظمة الفاسدة تبقى في الحكم طوال حياتها، وإذا قدر لها أن تخلع من الحكم أو تتنحى وتم العثور على الأموال المنهوبة، فإن ثمة عقبات قضائية تمنع عودتها، بالإضافة إلى أنه من الممكن أن تكون القيادة الجديدة للدولة لها علاقات خفية مع القيادة الفاسدة التي سبقتها، أو أنها غير قادرة على تقديم الأدلة الكافية لإثبات أن الأموال المطلوب إرجاعها إلى الدولة تمَّ نهبها من المال العام، ولذلك فإن المتوقع أن جزءاً ضئيلا جدا من أموال الفساد يمكن إرجاعُها إلى الدولة المنهوبة. وعلى الرغم من أن 140 دولة وافقت على التوقيع على اتفاقية تابعة للأمم المتحدة لمكافحة الفساد تدعى (يونكاك) عام 2005، وتعهد الدول الموقعة بتبني إجراءات حقيقية لمنع الفساد، مثل تشكيل هيئات لمكافحة الفساد، والحفاظ على هيئات قضائية مستقلة وتأسيس أنظمة تحصيل شفافة وتجريم الرشاوى والاختلاس من المال العام، والتعاون مع الدول الأخرى لتجميد ومصادرة أموال هذه الجرائم، وإعادة الأموال المنهوبة إلى الدول التي سُرقت منها؛ لكن لسوء الحظ، فإنه ليس هناك آلية تتمتع بالمصداقية لضمان تنفيذ هذه الدول لاتفاقية «يونكاك»؛ إذ إن زيارة المفتشين عن الفساد المالي لأي دولة لا تتم إلا بموافقة الدولة المستهدفة، كما أن التحقيقات المتعلقة بأي دولة تظل سرية إلا إذا وافقت الدولة المعنية على نشرها. إضافة إلى أن الدورة الأولى- استنادا إلى وتيرة العمل الحالية من التقييم-تستغرق 15 عاماً حتى تكتمل.