مراصد إعداد: جمال بوزيان من مقالات أهل القلم تواصل أخبار اليوم رصد مقالات الكُتّاب في مجالات الفكر والفلسفة والدِّين والتاريخ والاستشراف والقانون والنشر والإعلام والصحافة والتربية والتعليم والأدب والترجمة والنقد والثقافة والفن وغيرها وتنشرها تكريما لهم وبهدف متابعة النقاد لها وقراءتها ثانية بأدواتهم ولاطلاع القراء الكرام على ما تجود به العقول من فكر متوازن ذي متعة ومنفعة. الأدب في ظل التطبيع مع الكيان الصهيوني بقلم: الأستاذة الدكتورة اسمهان ميزاب يعد الأدب في شتى صوره الكوة التي نطل بها على الحياة يؤثر فيها ويتأثر بها وهو ليس بمعزل عن المستجدات والمتغيرات ولعل أبرزها التطبيع مع الكيان الصهيوني. والتطبيع هو بناء علاقات متنوعة سياسية واقتصادية وثقافية مع إسرائيل ومنه فهو يقتضي الاعتراف للكيان الصهيوني بحقه في الأرض العربية بفلسطين والتغاضي على جرائمه البشعة والتعامل معه بمنطق المصلحة دون اعتبار لكل القيم. ويعرفه الكاتب زياد منى:(.. هو أي تصرف أو عمل ماديا كان أو معنويا فرديا كان أم جماعيا من شأنه جعل وجود العدو الإسرائيلي في بلادنا وفي عقلنا وتفكيرنا أمرا طبيعيا بما يعني ذلك من تخلّ نهائي عن حقوق أمتنا في بلادنا وأوطاننا وما فيها وعليها.). ويعد التطبيع الثقافي أخطر أشكال التطبيع حيث يتم من خلال بوابة الدولة العبرية مع ضرورة ترجمة أعمال كتابها من اللغة العبرية إلى اللغة العربية وهنا مكمن الخطر لأن أعمالهم مغلفة بسموم أفكارهم مبطنة بحقدهم الدفين للإسلام بصفته دينا وللعرب بصفة قومية. لقد ظل الأدباء العرب ممانعين لأي نوع من أنواع التطبيع والقلة التي صفقت له ولو مواربة نبذت واضمحلت ولم تفلح في التأثير كالروائي أمين الزاوي الذي ينادي بضرورة ترجمة الأعمال الأدبية الإسرائيلية إلى اللغة العربية بناء على واقع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني. إن فعل الكتابة في ظل التطبيع يحتاج إلى جرأة أكبر ومجاهرة بالرأي للدفاع عن الهوية الثقافية العربية وهذا يعني الحفر العميق في الفكر الصهيوني بغية فضحه وكسب الرأي العام سواء في الداخل أم الخارج. وقد عبّر عن الرفض الشاعر أمل دنقل في قصيدته لا تصالح : لا تصالح ولو منحوك الذهب أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما هل ترى؟ هي أشياء لا تشترى. كما دعت مجموعة من الكتاب والفنانين العرب والفلسطينيين إلى مقاطعة أي فعاليات مرتبطة بالإمارات العربية المتحدة بعد موافقتها على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل . ومن بين الكتاب والفنانين المشاركين في حملة المقاطعة الشاعر الفلسطيني أحمد أبو سليم الذي سحب روايته من التنافس على الجائزة العالمية للرواية العربية المعروفة في الأوساط العربية باسم بوكر العربية . وكذلك سحبت الكاتبة المغربية الزهراء رميج روايتها قاعة الانتظار من التنافس على جائزة الشيخ زايد. ولذا يظل الأدب خيارا راقيا للدفاع عن هوية الشعوب العربية ومقوماتها في ظل المقاربة الصهيونية الإيديولوجية وتبقى الكلمة سيفا بتّارا يقض مضجع دعاة التطبيع. قراءة في نص هايكو من ديوان صدأ البقايا للشاعرة إيناس الزهرة بدادرة بقلم: الكاتبة فاطمة الزهراء كامل خلف اللوحة خدوش رسمها الدهر جدران مُهترئة!. حينما يغدو المكان ذكرى تسبح وتغرق في سلطة الأحداث ولما تكون فترة الود والوجد الكره والخيانة زمن ولهان بخطيئة ممثليه نستطيع التسليم أن الحياة مسرحية هزلية يُبرع فيها المخرج المُسمى بالزمن باختيار الممثلين بعمق على أنهم أفراد يُؤمنون له قداسة الخشبة فن العرض طقوسه وخباياه يُجيدون أسرار التخفي التقمص الإغراء ولما يُتقنون أدوارهم الغارقة في إيماءات الجسد مع أسرار السينوغرافيا يتشكل بما يُعرف الإيهام المسرحي .. وحينما يتلبس التشويق بالمتفرج إزاء طبيعة نهاية هول المشهد على أنه اختيار يُرضي فضوله المشغوف بالتفاصيل تُفردُ المأساة جناحيها ويطير شغف المشاهد وينتهي المشهدُ بمأساة كوميدية ويبكي مُرهفي العواطف والغارقين في سلطة التفاصيل والخضوع لهاجس التطهير ينحني الزمن أعني الممثلين البارعين أو كليهما للجمهور ويكتفي المتفرج المسكين بلعنة التصفيق على الأكاذيب. تستهل الشاعرة نصها بعبارة خلف اللوحة فخلف ظرف مكان يُحيل إلى لعبة الاختباء والتستر المشوهة لعُري الحقيقة أما اللوحة تُشيد بفكرة الرسم وبالتالي فهي مشهد خلفي لمشهد أمامي يكون للفن دور في الارتقاء بالحساسية الجمالية لدى الفنان والمتلقي على حد سواء فالإحساس بالجَمال قيمة أخلاقية إيجابية تدعم التوافق بين الفرد وبيئته الاجتماعية والثقافية من خلال التربية الجمالية التي عمادها الفن فيُصبح السلوك الفردي أميل للخير.. كاختيار فردي دون إجبار أو كبت.. هكذا يقول أفلاطون في جمهوريته الفاضلة:(.. وإذ يقوم المجتمع بوظيفتين الأولى سلسلة رقابية لكبت أعضائه -بالسيطرة على دوافعها وكبح جماح حاجاتها الغريزية- والثانية إيجابية يحقق بها التصالح بين الفرد والجماعة ويجعل الدوافع سلوكا مشروعا يؤمن إشباع الحاجات الغريزية للفرد ويدرجه في المجموع..هنا..يلعب الفن دورا مهما في تحقيق الاتزان العاطفي والعقلي بين الإنسان والعالم..)1. فالإنسان ينقسم سلوكه إلى أعمال خيِّرة وأعمال سيئة وعندما يُمارس خاصية الفن هذا ما يسمح بتدفق مشاعره وأحاسيسه وبالتالي فهو يُشبِع حاجاته الغريزية ويُقلل من عُقده النفسية وتُمارسُ ساحة الهُو نوعاً من التملُص والانفلات وتفرضُ سُلطةً على الضمير والمجتمع وفي الكثير من المرات على قداسة الدين وما دام تذوق الفن يرتبطُ ارتباطا وثيقا بالحس الجَمالي لذلك فهو يساهم في تنمية القدرات الفنية المتعددة ودفع الأفراد لاكتساب الإبداع وانتقال عدوَى الفن بينهم أو الاكتفاء بالتذوق ومن ثم يُصبح الإنسان خيِّرا في أفعاله وهُنا يتحقق مكسب أخلاقي بالدرجة الأولى. ففن الرسم يُحيل إلى دغدغة الريشة لِخليط من الألوان بِدقة وتركيز ورسم قالب من الأشكال ذات حقول سيميائية رمزية دلالات فكرية وفي أحايين أخرى فلسفية أو انصباب لطاقة لا شعورية وشعورية معا فهي تعكس تقاسيم وجه الشخص بكافة انفعالاته وخباياه (سعادة حزن غضب انزعاج..) ولكن المطلوب هنا هو خلف اللوحة أي الجانب الخفي الباطني والمتستر بِعكس الجانب المادي الظاهري الغارق في الزيف والتشويه فكثيرا من الأفراد يُبرعون في إبداء مشاعر المحبة لنا ولكن هذه الانفعالات لا تُوافِقُ بواطنهم ونجدهم فنانين في التقمص والتمثيل لذلك اختارت الشاعرة عبارة خلف اللوحة للتعبير عن أن الحدث الظاهري والباطني في علاقة غير إلزامية وكثيرا ما يكونان مُفارقين لِبعضهما.وبالتالي كان هذا مبعثاً لاستفزاز المتلقي وخرق أفق توقعه إزاء هاجس الماورائيات تارةً والوقوع في شرك التقابل والتضاد تارة أخرى. في السطر الثاني تقول خدوشٌ رسمها الدهر فالخدوش دلالة على كثرة الندوب والجروح التي أصابت الروح أتلفت كل تفاصيلها البراقة حتى غدت باهتة ومُشوهة لتكون تلك الأشكال المرسومة على اللوحة هي ذاتها الخدوش وغالت في الإشادة بالفاعل أنه لم يكن فردا بل كان دهرا وواقعا مُرا فالفنان المبدع في صلب أرواحنا هو الدهر هذا الأخير الذي أجبرنا على الانصياع لِأوامره القاسية وتقبُل شكل اللوحة بكافة تفاصيلها الضبابية وبِقدر عُمق الخدوش تكون براعة الدقة واتساع تقنية المهارة والإبداع في كمال من الوعي والاتزان. لِتختم نصها بقُفلة تُنهي به هول مشهد هذه الصورة الفوتوغرافية المهملة والهامة في الآن ذاته والمتمثلة في جدران مُهترئة فالجدران تُحيل إلى فكرة البناء وارتفاع أسقُف الذات لما لها القدرة في بعث الطاقة الإيجابية لكن هذه الجُدران مُهترئة فبدل ان تكون دافعً للتحفيز أضحت مبعثا للبُأس والقُنوط.. من زاوية تغيُر شكل المظهر من الجَمال إلى القُبح بعد أن كانت هي المثل الأعلى الذي نسير على خطواته ونتخذه قدوة للوصول إلى أهدافنا فبِقدر عُمق الخدوش التي رسمها الدهر امتدت إلى الجدار وضيعته ونتيجةً لِدِمن الدهر وطعناته المتواصلة جعلنا نؤمن حتماً بالفشل ونُصفِقُ له غير مُتفائلين بمستقبلنا وتهدمت الأحلام وراء هاجس الزيف وانطبقت علينا مقولة إن كثرة النظر إلى البُؤس تقسي القُلوب . هامش: 1 - الدكتور أحمد إبراهيم: الدراما والفُرجة المسرحية دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ط1 2006 م ص14. دراسة نقدية لقصيدة وصلة في حُبِّ الجزائر للشاعر الدكتور نبيل شريط بقلم: الناقدة الأستاذة فاكية صباحي أول ما يُلفت انتباه المتلقي في هذا النص الثائر: البيت الأول أو البوابة المنفتحة على هيكل النص إذ نلاحظ الاتكاء على الصوائت المتّسعة -المتمثلة في الياء والألفين الممدودة والمقصورة- وبالتالي فقد تواتر عدد الصوائت ليصل حدا أكبر.. والسبب الرئيس في ذلك أن الشاعر كان في أمسّ الحاجة إلى نفس أطول حتى يحتوي حجم الوطن الممتد في ذاته.. وهذا ما يدل على أن الصوائت لبنةُ أساس في السلسلة الكلامية رغم افتتاح الأبيات بأحد الحروف الاحتكاكية المهموسة (حرف الفاء) الذي عادة ما يكون أصلا كما ورد الآن.. وهذا ما يدل على أن الشاعر يردد صوتا داخليا لكم ناجاهُ في السر والعلن.. صوتا كبُر معه ويستحيل أن ينفصل عنه وقد تحولا إلى ذات واحدة. وبما أن الصوائت تحمل العديد من الخصائص أهمها أن ترد مجهورة واضحة وتُسمع بكامل صفاتها فإن الشاعر اعتمدها حتى يتحدث عن الوطن بصوت مجهور مثلته هذه الصوائت المتّسعة التي نجدها في المنحنى الدلالي للبيت قد انفجرت من الأعلى.. أي مع مطلع القصيدة وراحت تخبو شيئا فشيئا. وما دامت هذه الصوائت هوائية ولا يوقفها أي مطبّ أو مدرج تندرج إليه كاللهاة أو اللسان مثلا فإنها انطلقت من الجوف أي من بؤرة يتوهج فيها الوطن وقد اختار قلب الشاعر مسكنا له أو اختاره الشاعر نبضا لقلبه ليخرجه بهذا الاتساع المدّي الجارف الذي لا يؤمن بالحواجز.. ورغم ضعف هذه الحروف الصائتة –على حد قول الخليل بن أحمد الفراهيدي- إلا أنها توصل الصوت إلى ذروته في تواترها ضيْقًا.. واتّساعا في آن. بقي الآن الإشارة لهؤلاء البراعم وهم يرددون ما جاش في خلد الشاعر وهو يعانق عوالمهم الرحبة بمخزونه الطفولي متحدثا بلغتهم السهلة الممتنعة ليجدهم قد ارتقوا أفقا وهم يتبعون أثره مرددين ميثاقا لن يتقادم عهدُه ليتجدد نهرا خالدا-مع شروق كل شمس- كلما تقاطعت خطى الأجيال على خارطة الوطن. وفقك المولى دكتور نبيل.. وسدد خطاك بين أفياء العطاء والتميّز..وهنيئا لأبنائنا الصغار ما تحيّزوه من ألق وبهاء وهم يجمّلون هذا الركح بعبق البراءة.. وصفاء القوافي التي اختزلت بين نوتاتها أرقى ما يمكن أن يُهدى لهذا الوطن.