في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء التاسع والثلاثون- بقلم: الطيب بن إبراهيم تعليق الصورة: شارل دي فوكو ب أداة فعله *شارل دي فوكو وسبحة الصدقة السُّبْحة بضم السين وإسكان الباء أو المِسبحة جمعها سُبَح وسبحات والكلمة مشتقة من التسبيح في القرآن الكريم في قوله تعالى: تُسبِّح له السماوات السبع والارض ومن فيهن وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا 44 الإسراء والسُّبْحة هي عبارة عن خرزات منظومة في خيط يستعملها المُسبِّح في عدِّ عدد تسبيحاته وقد استخدمت السبحة لدى رجال الدين في كل الديانات السماوية وغير السماوية. لقد أصبحت السبحة رمزا للتدين والوقار وأصبحت تحتل مكانة محترمة في الممارسات الروحانية المعتمدة من قبل غالبية الفرق الصوفية في العالم الإسلامي خاصة بين سكان الصحراء الذين وصفهم دي فوكو بفقراء الصحراء فقرّر أن يعيش بينهم فقيرا بلباسه متصوفا بسبحته ؟؟ !. أما السُّبحة عند المسلمين فتستعمل على وجه الخصوص لدى بالطرق الصوفية حيث لكل طريقة صوفية نوعا من الأوراد والأذكار التي يرددها أتباعها ونوعية وتسلسل الأدعية المذكورة وعدد التسبيحات يكون حسب الاوراد والأدعية كما تتميز كل طريقة صوفية بعدد وترتيب حبات السُّبح وكل فرقة تتميز بنوع من الأذكار يتوافق مع عدد من التسبيحات. عاش شارل دي فوكو 1858- 1916 بصحراء الجزائر من بني عباس غربا إلى تامراست شرقا ما يقرب من عقدين من الزمن وقد سبق له أن زار عدة مدن وقصور بصحراء الجزائر ما بين 1901- 1905 منها : تاغيت- بني عباس- أدرار - أولف عين صالح- المنيعة- غرداية- البيض- وفي مدينة بني عباس اشترى دي فوكو قطعة أرضية سنة 1901 بمبلغ 1170 فرنك وشغّل بها عاملين وفي سنة 1904 قام بأول دورة له في منطقة الطوارق بأقصى الجنوب الجزائري الشرقي قبل ان يستقر به المقام بجوار تامراست وكانت زيارته للأبيض سيدي الشيخ بتاريخ 18 مارس سنة 1909. خلال إقامة شارل دي فوكو الطويلة بالصحراء وتردده عليها خَبِرها وخبر سكانها خاصة أن الرجل كان متعدِّد المهام وكان صاحب تضحية وتفان من اجل تأدية مهامه وتبليغ رسالته وكانت غايته الاختراق الثقافي للثقافة الاسلامية والاقتراب أكثر من المسلين وإزالة أي حاجز يباعد بينهما واهم ما لفت انتباهه أن قصور ومدن الصحراء لا تخلو من الزوايا والطرق الصوفية التي تقدم الرعاية والخدمات الروحية والاجتماعية للسكان ولها تأثير قوي عليهم أوقات الحرب والسلم. خلاصة إقامة دي فوكو بين مسلمي الصحراء أوصلته إلى قناعة مفادها أنْ أوصى أحد أصدقائه المقربين منه وهو Hénri de castrie في رسالة له بتاريخ 8 جويلية سنة 1901 قائلا له : يجب أن تفهموا أنني أريد تأسيس زاوية للصلاة وللضيافة ما بين مدينة العين الصفراء وإقليم قورارة ( منطقة أدرار وقصورها الغنية بالزوايا ) من اجل إشعاع الإنجيل الحقيقة المحبة ويسوع وبعدما يقرب من عشر سنوات من تاريخ وصاية دي فوكو ببناء زوايا بالصحراء اقتنع بفكرة الخطوة الثانية وهي مشروع توظيف السبحة في استمالة التعامل مع المسلمين فارسل رسالة وهو مقيم بتامراست بصحراء الجزائر إلى قريبته السيدة دي بوندي بفرنسا بتاريخ 11 ماي سنة 1909 يقول لها : أريد منك حوالي عشرين سبحة عادية جدا من الخشب المُمَتّنة بالحديد أو النحاس من أجل المسلمين الذين أعلمهم الصلاة وهم يردِّدون على الحبات الصغيرة : يا إلهي أحبك من كل قلبي !. هكذا كان شارل دي فوكو المرابط المسيحي على حد تعبير الدكتور علي مراد يتدرج خطوة خطوة من الزاوية الى السبحة ونحن نعلم ان السبحة هي أداة التسبيح والاذكار والاوراد لاتباع الطرق الصوفية ورغم الحذر الذي كان يتميز به دي فوكو كعسكري سابق وكمخبر كان يشك ويتساءل: هل المسلمون يعرفون كيف يفرقون بين الجنود والكهنة ؟ هل يرون فينا خدمة الله ورسل السلام والإخوة العالميين؟ ورغم حذره تجرأ وأدخل سبحة جديدة للسكان حتى ولو من منطلق إسلامي فالأمر يمكن أن يُؤوّل كحركة عدائية خاصة اذا كان ذلك من مسيحي ومن أجنبي. انها محاولة حمقاء من دي فوكو حسب وصف صاحب كتاب: شارل دي فوكو في نطر الاسلام علي مراد محاولة من شأنها أن تحرمه ثقة الكثيرين وان تهدم كل عمله التأليفي ( التآلف ) فبدلا من كسب الصداقة زرع الشك والتحفظ بين اوساط جيرانه المسلمين ماذا تعني رغبته تعليم المسلمين تسبيحة غريبة تماما عن تراثهم الثقافي؟: يا إلهي أحبك من كل قلبي!. وبعد شهرين من رسالته الاولى لقريبته السيدة دي بوندي بإرسال عشرين سبحة له يقدمها للمسلمين اقتنع بمشروعه وجهر بالقول وبعث بتاريخ 29 جوان 1909 رسالة للأسقف غيرين بفرنسا يطلعه فيها عن مشروعه الذي سماه سبحة الصدقة وذلك من أجل ترسيم الكفار؟! وطبعا الكفار هنا هم المسلمون!!. هكذا كان يتم التعامل مع المسلمين والتسلل بينهم لاستدراجهم واختراق تحصيناتهم. فالزاوية والسبحة والصلاة والإله فهذه الأسماء والرموز كلها محببة للمسلمين في مناطق الجنوب وبين أتباع الزوايا والطرق الصوفية وقريبة من عواطفهم وقلوبهم ولكن أي زاوية وأي سبحة وأي إله!؟ إنها زاوية وسبحة وصلاة وإله لافيجري وشارل دي فوكو؟. ورغم جهود وخبث الجاسوس دي فوكو يقول عنه مواطنه الأب أنطوان جياكوبتي لم ينصر إلا شخصا واحدا فمن قال أن سكان الصحراء لا يميزون بين هديل الحمام وفحيح الافاعي؟؟!.