إنه من كرم الله تعالى على أمة المصطفى حبيبه وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه يفتح دائما وباستمرار وعلى مدار الأيام والشهور والأزمان بفواتح كلها خير ومعها الخير وفى جملتها السعادة والقرب من رب كريم لا يرضى لعباده إلا أن يتفضل عليهم دائما بكرمٍ منه وزيادة·· فالحمد لله الذي جعل لنا نفحات نتعرض لها من الجود والمكرمات من رب العطاء والخيرات· فصلوات خمس على مدار اليوم كفارة لما بينهن·· ونوافل اثنتي عشرة نبنى بها في الجنة قصرا·· وصيام نوافل من الأسبوع تقي حرارة جهنم وظمأها·· وحج ليس له جزاء إلا الجنة·· وصيام رمضان شهرا به تكون الرحمة في أوله ثم المغفرة في أوسطه ثم جائزة كبرى لايمنحها الا الكريم الجواد جائزة العتق من النيران بخلاف مايكون من عتق كل يوم من أيام رمضان·· ولم لا؟ وهو الذى خلق فسوى وقدّر فهدى وأعطى ورزق وشرَفنا بأن جعلنا له عِبادا ولجلاله عُبَادا· فالحمد لله الذي به وبنعمته تتم الصالحات والذي تفضَل علينا بكثير النفحات اللهم بلغَنا رمضان اللهم بلغَنا رمضان اللهم بلغَنا رمضان· استعداد يليق بالمقام ولعل شهرا كرمضان بعظمته وخيراته لفرصة كبيرة تتطلب من العاقل أن يستعد له قبل هلاله وتشريفه، فنعم الضيف هو· فهو يستحق من الآن شحذا للهمم فهو الذي خصَصه المولى بقوله: (الصوم لي وأنا أجزي به)· استعدادٌ بالتعرُّف على الله ومن مظاهر الاستعداد للشهر الكريم حسن التعرف على الله ومعرفته حق المعرفة وعقد النية وتجديدها باستمرار لله وحده لا شريك له في كل الأعمال صغيرها وكبيرها ظاهرها وباطنها· فالقلب الذي يعرف صاحبهُ اللهَ هو قلبُ يحمل نورا يشع به عليه· ويدفعه لكل خير وفائدة·· فصلاح قلب العبد يجعل الصلاح العام ثمرة حتمية لسائر جسده, فتتجمل الأخلاق وتنهض السلوكيات فيكون المرء مميزا متميزا· فتجد مطعمه ومشربه لايأكل ولا يشرب الا الحلال الطيب، ويده لا تمتد إلى الرشوة ولا الاختلاس ولا السرقة ولا النهب، لإيمانه بأنه من نبت لحمه من حرام فإن النار أولى به· كما أن لرجله خاصيَة الصالحين فلا يمشى بها لمنكر ولايسعى بها لشر ولايحركها إلا لإرضاء خالقه ومولاه·· فمعرفته لله معرفة حقة جعلته ربانيا، لله ينتسب، ولله يعمل، ولمرضاته يسعى ولوجهته وحده يُولىَ· استعداد باتباع الرسول ومحبته واتباع الرسول ومحبته أيضا هي من وسائل الاستعداد لرمضان الخير·· وذلك بمذاكرة ماكان يفعله في رمضان وقبل رمضان· فنتخلق بخلقه ونتأدب بأدبه ونتعلم بعلمه وننتهج بنهجه ونعمل لدينه ودعوته ونبذل الخير للناس كما كان يبذله صلى الله عليه وسلم بنفسه ونحب الأوطان كما كان يُحب صلى الله عليه وسلم ويَحنَ لوطنه ونكثر من الصلاة عليه طمعا فى شفاعته صلىَ عليه ربي·· محمدا وآله وصحبه· استعداد بالمحاسبة فرمضان الخير يتطلب من الآن جلسات للمحاسبة قبل أن يأتي ويرحل· فالمسلم إذا أراد أن يحيا حياة الصالحين الربانيين، وجب عليه دائما محاسبة نفسه حسابا شديدا، ليجعل من المحاسبة الدواء من كل داء، والشفاء من كل سقم وبلاء، ويطهر بها بدنه، ويرفع بها قدره وشأنه، ويسعد بها نفسه وغيره· فليكن كلنا محاسباً لنفسه نهاية يومه، ولتكن لنا ساعة نحاسب أنفسنا فيها على ما أحسنت فيه طوال يومها وعلى ما فرطت فيه· فإن وجدناها أحسنت سجدنا لربنا شاكرين، حسنا وإحسانا زائدا منه طالبين· وإن وجدناها قصَرت ً أنبنا لربنا بذل وسؤال، راجين منه عفوا وسماحا، وله مستغفرين منيبين وراجعين· روى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- أنه قال: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم· وتجهزوا للعرض الأكبر {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} ونقل ابن القيم عن الحسن أنه قال: (المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله· وإنما خفَ الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا· وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة)· وقال وهب فيما ذكره الإمام أحمد -رحمه الله-: (مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يتخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن في هذه الساعة عوناً على تلك الساعات وإجماماً للقلوب· o وهناك بعض الثمار العظيمة التي يقطفها المحاسب نفسه منها: 1- التعرف على عيوب النفس مما يساعد في تلافيها· 2- المساعدة على الخوف والمراقبة لله بصدق· 3- الوصول الحي إلى الله بذل وإنكار وانكسار · 4- الفوز بجنات الله· يُتبع