بقلم: أحمد القديدي* الوضع الذي تمر به البشرية وضع إستثنائي بل غير مسبوق والجميع يدرك أن على الدول غنية وفقيرة واجب التضامن لا بمفهوم الصدقة والزكاة بل بمفهوم المصلحة المشتركة والتكاتف من أجل الحماية الجماعية لأن العصر الحديث أثبت بما لا يدعو للشك أن بعض المعضلات كونية وبلا حدود مثل انهيار البيئة الطبيعية والاحتباس الحراري وظاهرة الإرهاب واليوم الجائحة الوبائية. هذه المصائب لا تعرف حدود الدول السياسية ولا الجغرافية ولا تحتاج لتأشيرة لتعبر الجبال والبحار والصحاري وتنتقل من شعب إلى شعب. ولكل وضع إستثنائي خطير حلول إستثنائية سريعة أولها اليوم تأجيل تسديد الديون المتخلدة لدى الدول المستضعفة لفائدة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والإتحاد الأوروبي وكل المؤسسات المالية الدولية. وكنت نصحت السيد رئيس جمهورية تونس أن يطالب رسميا بتأجيل تسديد المليارين من الدولارات التي على خزينة الدولة التونسية أن تسددهما خلال شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس) 2021 وتونس في حالة وبائية كارثية إلى درجة أن منظمة الصحة العالمية صنفت تونس الأولى عالميا من حيث عدد الوفيات للأسبوع الثاني. ثم إذا كانت جائحة فيروس كورونا قد ألحقت بالعالم خسائر بشرية ومادية باهظة وأودت بحياة الملايين من الناس فإن تداعياتها سوف تستمر لسنوات طويلة قادمة وبخاصة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي حتى في الدول التي كانت أقل تضررا من آثارها الصحية. وإذا كانت برامج التطعيم والإجراءات الاحترازية التي تم تطبيقها ساعدت في السيطرة النسبية على الجائحة فإن المحللين والخبراء يؤكدون أن العديد من دول العالم وبخاصة الفقيرة منها ستواجه جائحة ربما تكون أشد خطورة من جائحة الفيروس بسبب تراكم الديون على تلك الدول بحسب صحيفة الاقتصادية . وتقول (سيدني ماكي) محررة الشؤون الاقتصادية في تقرير نشرته بلومبرغ إن الجائحة تسببت في خسائر صحية واقتصادية فادحة في أفقر دول العالم وأنفقت الحكومات المثقلة بالديون على امتداد العالم من أمريكا اللاتينية إلى إفريقيا أموالًا لم تكن تمتلكها لدعم الأنظمة الصحية المتهالكة وتوفير شبكة أمان للمواطنين مما أدى إلى تدهور مواردها المالية وذكرت في ظل مؤشرات على أن الضغوط المالية تؤجج الاضطرابات السياسية وتنشر القلاقل والدعوات إلى العصيان المدني وتجاوز القوانين أمام الموت الزاحف بسرعة ويحصد أرواح الأقارب والجيران . إن ارتفاع أعباء الديون وتزايد السخط الشعبي نتيجة الأزمة الصحية يعني احتمال حدوث اضطرابات سياسية في 88 دولة على الأقل من بين 130 دولة تتابع الشركة أوضاعها وربما انتشر الإرهاب بصفة سريعة لأنه ينشأ في البيئات المتوترة ولدى الشباب اليائس من الحلول والشعوب المهددة بالجوع مثل اليمن وتونس وبلدان إفريقية عديدة.
وهنا تصاعدت الدعوات الدولية لتخفيف الضغط على تلك الدول التي تكافح لخدمة ديونها الخارجية وعن الدول الأشد عرضة للمخاطر المالية.. تقول ماكي: إن دول أمريكا اللاتينية سجلت ثلث إجمالي عدد الوفيات الناجمة عن كورونا على مستوى العالم حتى منتصف 2021 في حين أنها تمثل 8 فقط من سكان العالم . وأضافت: في الوقت نفسه فإن دول المنطقة خاصة الأرجنتين والبرازيل والإكوادور وسورينام تواجه صعوبة في سداد ديونها في ظل الجائحة مما أثار مخاوف تكرار الكارثة الاقتصادية التي شهدتها تلك الدول ثمانينيات القرن العشرين عندما توالى إفلاسها على طريقة الدومينو لتدخل مرحلة ركود اقتصادي طويلة منذ عام 2008 . وأوضحت الخبيرة الأمريكية أن الأمر لا يختلف كثيرا في دول إفريقيا جنوب الصحراء حيث يمكن أن يعود حوالي 40 مليون شخص إلى دائرة الفقر المدقع بسبب الجائحة وكانت زامبيا قد أعلنت في العام الماضي توقفها عن سداد ديونها.. والآن تحاول إثيوبيا وتشاد الوفاء بالتزاماتها بصعوبة بالغة. وهناك أيضا العديد من الدول التي يزيد العائد على سنداتها الدولارية عن 10 وهو ما يشير إلى الصعوبات الهائلة التي تواجهها في توفير احتياجاتها التمويلية. وفي ظل هذا الوضع القاتم يصبح السؤال المطروح هو: من الذي يمكنه محاولة مساعدة الدول المثقلة بالديون لتجاوز الكارثة؟ تقول سيدني ماكي إن الدول الأغنى بقيادة أمريكا ضخت في اقتصاداتها تريليونات الدولارات عبر برامج شراء السندات خلال الجائحة. وقدمت هذه الدول جزءا يسيرا للغاية من تلك الأموال إلى الدول الأفقر من خلال مؤسسات التمويل الدولية. كما أوقفت مجموعة العشرين تحصيل أقساط الديون الحكومية للدول الفقيرة ومددت تخفيف عبء الديون حتى نهاية 2021. كما وافق صندوق النقد على منح 80 دولة تمويلات طارئة. ويستعد لزيادة ما يعرف باحتياطيات حقوق السحب الخاصة بمقدار 650 مليار دولار حتى يتيح للدول الفقيرة الاقتراض بشروط ميسرة وترى سيدني ماكي أن أزمة ديون الدول الفقيرة تعتبر مشكلة ضخمة ويمكن أن تصبح أكبر. ففي حين كانت بعض الدول مثل الأرجنتين ولبنان وفنزويلا وزامبياوتونس تعاني لسداد ديونها قبل الجائحة جاءت إجراءات الإغلاق والقيود على الأنشطة الاقتصادية بسبب كورونا لتضيف المزيد من الدول إلى قائمة المتعثرين وفي أمريكا اللاتينية انكمش الاقتصاد خلال 2020 بنسبة 7 وهو ما يزيد عن معدل انكماش أي منطقة أخرى من العالم. كما أن 22 مليون شخص أصبحوا غير قادرين على توفير احتياجاتهم الأساسية فيها. وباعت حكومات الدول النامية سندات مقومة بالدولار أو باليورو خلال 2020 أكثر مما فعلت في أي عام سابق. وتتوقع شركة (فيرسك مابلكروفت للاستشارات وتقييم المخاطر) أن ارتفاع أعباء الديون وتزايد السخط الشعبي نتيجة الأزمة الصحية يعني احتمال حدوث اضطرابات سياسية في 88 دولة على الأقل من بين 130 دولة تتابع الشركة أوضاعها وربما انتشر الإرهاب بصفة سريعة لأنه ينشأ في البيئات المتوترة ولدى الشباب اليائس من الحلول والشعوب المهددة بالجوع مثل اليمن وتونس وبلدان إفريقية عديدة. ثم إن ظاهرة العنف الفوضوي إذا ما توسعت فإنها ستصيب الدول الدائنة والدول المدينة بلا تفريق بين الصنفين.