يعتبر طبق الكسكسي المصنف منذ 2020 ضمن التراث غير مادي للبشرية ارثا مشتركا لدول المغرب العربي ويُرجح أن يكون قد ظهر لأول مرة بالجزائر أكثر من غيرها حيث يُقدم بطرق شتى تجمع بين المذاق الراقي والأصالة مما أكسبه شهرة عالمية لا تضاهى. وتجدر الإشارة إلى أن ملف طبق الكسكسي الذي يرمز لمنطقة شمال إفريقيا قد قُدم لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) بغرض التصنيف تحت شعار المهارات والخبرة والممارسات المتعلقة بإنتاج واستهلاك الكسكس وذلك بعد سلسلة من الاجتماعات بين خبراء مغاربة من أجل التوصل إلى مشروع مشترك جامع . في مداخلة له عقب هذا التصنيف كان المدير السابق للمركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ سليمان حاشي قد ذكّر بأن الجزائر احتضنت في 2011 أول اجتماع إقليمي ثم أول اجتماع لوزراء الثقافة المغاربة في ماي 2018 في هذا الشأن. في تصريح لوكالة الانباء الجزائرية أوضح المدير الحالي لذات المركز فريد خربوش أن زراعة الحبوب تعود إلى عصور ما قبل التاريخ (5000 سنة) مستدلا في ذلك بالمخازن الحفرية للقمح والشعير التي وجدت بمغارة قلدمان ببجاية ووجود انتاج قمح شبه صناعي خلال فترة حكم ماسينيسا كان جزء منه يصدر إلى اليونان وروما ومقدونيا...الخ . و توقع الخبير بذلك أن هناك احتمال كبير لتحضير الكسكس في تلك الفترة إذ يتعلق الأمر بتقنية جد معقدة وعريقة في نفس الوقت بل وقد يعود ظهور هذا الطبق إلى ما قبل فترة حكم ماسينيسا معتبر أنه بالنظر إلى الرهانات المالية التي يمثلها هذا المكون الغذائي اليوم فان فكرة تصنيفه باليونسكو قد راودت فرنسا وإيطاليا قبل أن تعمد اليها دول المغرب العربي. كما تطرق العديد من الكتاب الأجانب على غرار المختص في الثقافتين التركية والمغاربية ألان مودلي والمؤرخ اليوناني بوليب إلى الازدهار التجاري لهذا النوع من الحبوب بدعم من الملك الأمازيغي. بالنسبة للمؤرخ والمختص في علم الآثار عبد الرحمان خليفة فان الانتشار الجغرافي لهذا الطبق العريق يمتد من منطقة سيوة في مصر إلى طرابلس في ليبيا مرورا بتونس والجزائر والمغرب أي من غرب النيل إلى ضفاف المحيط الأطلسي مستدلا بمقولة لابن خلدون في رده عن سؤال عن أصوله إذ قائل نحن قوم نحلق الرؤوس ونلبس البرنوس ونأكل الكسكس . وأضاف ذات المتحدث أنه منذ عهد ماسينيسا جاء ذكر الكسكس في مؤلفات العديد من أدباء الأندلس وذلك منذ القرن العاشر موضحا أنه إلى غاية القرن السادس عشر كان الكسكس يحضر بمرق أبيض وهي الفترة التي شهدت وصول الطمام من البيرو إلى المغرب العربي. وبدوره وصف الباحث في التراث اللامادي عبد الحميد بورايو التصنيف الإقليمي لهذه المهارة في فن الطهي ب المنطقي لكنه يرى أنه من الصعب التحديد الدقيق لميلاد هذا الطبق في الفضاء الشمال إفريقي. أول كسكسي تم تصديره إلى أوروبا جزائري أجرت الشيف المولعة بفن الطبخ ياسمينة سلام بحثا معمقا حول هذا التراث الذي لا يزال موضوع مزايدة فيما يتعلق بأصوله على الرغم من تصنيف الأممالمتحدة وتذكر أنه خلال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر كان الصناعي دانيال ريتشي الإيطالي الأصل أول مُصدر للكسكس الجزائري إلى فرنسا وذلك بفضل إنشاء نظام تجفيف الكسكس بالتهوية الاصطناعية سنة 1853 في ولاية البليدة قبل أن تشهد هذه المدينة ولادة أول آلة ميكانيكية لفتل الكسكس في العالم وقالت بفخر هذا يدل على المساهمة الهائلة للجزائر في هذا التراث والتي بفضلها غزا الكسكس العالم وهو اليوم يتمتع بالسمعة الدولية التي نعرفها مؤكدة من جهة اخرى أنها وجدت في أرشيف القسم الفرنسي للحرب تسجيل أول ميدالية دولية مُنحت عام 1849 لكسكس جزائري في ختام مسابقة نُظمت في باريس وتطرقت مديرة المطعم التقليدي دار جدي وأصلها من ولاية ميلة في إشارة إلى عراقة الأطباق المقدمة إلى الكسكس المميز لمنطقتها الأصلية وهو مطهي على نار خفيفة باللحم المجفف ومرفوق بالخضر الطازجة أو ذلك المنقوع في ماء الورد والذي يُقدم لعائلة العروس في اليوم التالي للزفاف. و قالت ان شيف إسباني مبهور بالكسكس طلب مني الإذن بتقديم هذا الطبق عند عودته إلى إسبانيا مشيرة إلى أن الكسكس بالسمك لا يقتصر على منطقة الشرق الجزائري على عكس ما هو متداول مذكرة ببعض الأطباق الاخرى للكسكس منها بلحم الإبل الذي بمجرد طهيه يتم تفتيته وتقديمه فوق طبق التقديم. من جهة اخرى علينا التأكيد أن كل منطقة من البلاد تقدم أكثر من نوع واحد من أنواع الكسكس بحيث يصعب سردها جميعا كما هو الحال بالنسبة للكسكس القبائلي الذي تختلف طرق تحضيره ومكوناته سواء في منطقة القبائل العليا أو السفلى أو حتى من مقاطعة إدارية إلى أخرى. هذا مع العلم أن الكسكس مع الصلصة البيضاء والخضر الطازجة يحظى بتقدير خاص في منطقة الجزائر العاصمة (الوسط) وأنه في الغرب يمكن أن يُثير الفضول في الطبخ على سبيل المثال الكسكس معمر الذي يكون مرفوقا باللحم والخضر ونقانق مصنوعة من الاحشاء ومن السميد الناعم المطبوخ مسبقا سواء كان مصنوعا انطلاقا من القمح أو الشعير أو البلوط باللحم وأو خال من اللحم بالصلصة مع جميع الخضر المجففة أو الموسمية أو يقدم بكل بساطة مطهو على البخار (مسفوف أفورو او غيرهم) ويُرش بزيت الزيتون فان سجل الكسكس الجزائري بكل بساطة لا ينضب وغالبا ما يكون مصدر إلهام.