فقدت الجزائر أمس واحدا من أبرز رجالات العلم والدين والدعوة إلى الحق بها، حين سلّم الشيخ عبد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ووزير الشؤون الدينية الأسبق، روحه إلى بارئها، صبيحة الجمعة الرمضانية 12 رمضان/ أوت، بعد عمر يناهز 93 سنة قضى شطره الأكبر في طلب العلم ونشره والدعوة إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة· كان المشهد غير مألوف بساحة مقر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، قرب الرويسو بالجزائر العاصمة، صبيحة أمس، فالمقر الهادئ عادة تحول إلى مقصد لمئات، وربما آلاف الجزائريين، من مختلف الشرائح والمستويات الاجتماعية، وزراء، رؤساء أحزاب، إطارات سامية، إعلاميون، مشايخ وأئمة ودعاة·· كلهم جاءوا لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الشيخ عبد الرحمن شيبان، الذي كشف رفيقه الأستاذ عبد الحميد عبدوس مدير تحرير جريدة البصائر لسان حال الجمعية أن المنية قد وافته في حدود الساعة السادسة من صبيحة الجمعة، مؤكدا ل(أخبار اليوم) أن الشيخ الراحل قد قضى آخر يومين في حياته بعيادة الشفاء بحيدرة، ورغم الرعاية الصحية التي يكون قد حظي بها، إلا أن سيف الأجل كان أسبق إلى روحه، فسلّمها إلى بارئها ليرقد في سكينة واطمئنان، حيث يكون من ألقوا نظرة على وجهه قد لاحظوا ذلك الهدوء المرتسم على تقاسيمه· وقد شوهدت شخصيات سياسية مختلفة في مشهد إلقاء النظرة الأخيرة على شيبان، يتقدمها الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية والأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم، وكذا (رفيقه) في التحالف الرئاسي بوجرة سلطاني زعيم حركة مجتمع السلم، إضافة إلى عبد الله جاب الله رئيس حزب العدالة والتنمية غير المعتمد وأحمد طالب الإبراهيمي، مرشح الرئاسيات الأسبق، وعدد آخر من السياسيين، مع حضور قوي لمشايخ جمعية العلماء، ورفاق الشيخ الراحل، منهم الشيخ عبد الرزاق قسوم، وقد كان (اللقاء) فرصة لاستذكار مناقب الشيخ شيبان الذي أكد لنا الأستاذ عبدوس أنه ظل يقاوم مجموعة من الأمراض، ويصّر على الصوم لولا تحذير الطبيب رغم تقدمه في السن وضعف البدن· وقد تأخرت عملية نقل جثمان الشيخ الراحل من العاصمة إلى قرية الشرفة بدائرة مشدالة في ولاية البويرة عن موعدها المحدد مسبقا، بسبب استمرار توافد المعزين، حيث امتلأت جوانب المقر والطرقات المحيطة به والمحاذية لمقر مجلس قضاء الجزائر بمئات السيارات القادمة من مختلف الجهات· وعلمنا من محيط الشيخ شيبان أن قرار دفنه بمقبرة الشرفة في البويرة، رغم كثرة الراغبين في حضور جنازته بالعاصمة، جاء تنفيذا لوصيته، علما أن الشرفة هي مسقط رأسه قبل 93 سنة، وها هو يعود من حيث أتى·· من تراب إلى تراب، مخلفا رصيدا علميا ودعويا كبيرا، وتاركا صيتا رائعا، داخل وخارج الوطن، وقد كان مجلس العزاء خلال إلقاء النظرة الأخيرة عليه كفيلا بإبراز مكانة وقيمة الرجل· وقد كان رحيله في يوم جمعة رمضانية بمثابة بيان على حسن الخاتمة، فقد رحل في شهر القرآن، وفي يوم من الأيام العشر الوسطى·· أيام المغفرة·· وهو الذي لم يكن يغفل عن كتاب الله القرآن، وكثيرا ما يستفتح مقالاته في أسبوعية البصائر بآيات بينات من الذكر الحكيم·· رحمك الله يا شيخنا الجليل·· وعظم الله أجرنا فيك··