في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ - الجزء الرابع والثلاثون بعد المائة - بقلم: الطيب بن إبراهيم *استقالة المحافظ الرسولي غوستاف نوي المحافظ الرسولي غوستاف نوي 1878 - 1959 اسمه الكامل هو Gustave Joseph Marie Nouet ولد بقرية لاكروا موريسو لعائلة مزارعة أخذ تعليمه الابتدائي في قريته قبل أن يواصل تعليمه الثانوي ببوغني وتعليمه العالي في مدينة نانت بعد تخرجه الديني تم ترسيمه قسا سنة 1902 وفي نفس السنة وهو شاب التحق بالآباء البيض بالجزائر وبعد أن أكمل تكوينه الكنسي أُرسل إلى مدينة غرداية بالصحراء ليواصل عمله وتكوينه تحت سلطة المحافظ الرسولي آنذاك شارل جيرون وبعد عدة سنوات من العمل واكتساب الخبرة تمت ترقيته محافظا رسوليا بالصحراء بتاريخ 24 افريل سنة 1919 برتبة أسقف في ولاية الإرسالية وكانت ولاية إقليمه غرداية هي أكبر ولاية رسولية في العالم مقارنة مع أقاليم ولايات نظرائه وبقي محافظا رسوليا خلال أكثر من عقدين من الزمن من سنة 1919 إلى غاية سنة 1941 وهذا بعد أن تقدّم بطلب إعفائه من مهامه بسبب ظروفه الصحية سنة 1940 وكان له ذلك في السنة الموالية 1941 . استطاع المحافظ الرسولي بالصحراء غوستاف نوي أثناء تأدية مهامه أن يؤسس عدة مراكز كنسية في ولايته أهمها مراكز: المنيعة - العين الصفراء - البيض - الأغواط - الجلفة - توقرت- بسكرة - الأبيض سيدي الشيخ ونتيجة لجهوده التي قام بها خدمة لفرنسا ولكنيستها كرمته السلطات الفرنسية بوسام فارس جوقة الشرف وبعد عشرين سنة عقب إعفائه من مهامه كانت وافته بمسقط رأسه سنة 1959 *أربعون سنة في صحراء الجزائر المحافظ الرسولي غوستاف نوي له ما يقرب من أربعين سنة خبرة وتجربة قضاها كلها في الصحراء الجزائرية منها أكثر من عشرين عاما في وظيفة محافظ رسولي بولاية غرداية ومن خلال ذلك اكتسب معرفة دقيقة للسكان ولأساليب حياتهم وطرق تفكيرهم وكيفية تعاملهم مع من هو على غير مِلَّتهم خاصة سكان مدينة الأبيض سيدي الشيخ لذا أبدى عدم تحمسه بل معارضته لمغامرة مشروع إرسالية إخوة يسوع الصغار بزعامة الأب فوايوم بالأبيض سيدي الشيخ وهو رجل الدين الوحيد الذي تنبأ بفشل جهود الإرسالية المثيرة للجدل بل تنبأ بغلق الكنيسة وتسليمها للسكان وقد أثبتت الأيام صحة تنبؤ الرجل بعد ثمانية عقود من الزمن تاريخ التخلي النهائي على الكنيسة وتسليمها فعلا لوزارة الثقافة سنة 2009. كما عُرف المحافظ الرسولي غوستاف نوي بِعدم رضاه عن نوع الجهد التنصيري الذي كان يقوم به المنصرون عامة ورجال الآباء البيض خاصة وهذا ما ذكره في أحد تقاريره التي أرسلها في شهر فبراير سنة 1934 إلى قيادة الآباء البيض بالحراش بالجزائر حيث عبَّر المحافظ الرسولي عن عدم رضاه ليس على الإرسالية الجديدة بالأبيض سيدي الشيخ وحماسة مؤسسيها قليلي الخبرة حسب وصفه بل عن عدم رضاه على ما فعلته الكنيسة منذ عهد فليكس دو فوالوا إلى تاريخ تأسيس إرسالية الأبيض سيدي الشيخ وهذا ليس رأيه وحده كما يقول بل كذلك رأي غيره: وكثير من المراجع المسيحية قالت أكثر من هذا بكل وضوح أن الآباء البيض لا يحسنون الحسابات . لكن يبقى الحدث الأبرز في مسيرة المحافظ الرسولي صراعه وعدم توافقه مع رئيس إرسالية الأبيض الأب روني فوايوم الصراع الذي لم يكن يعلم به إلا المقربون من الرجلين وبقي إلى أن غادر أحدهما منصبه ليتحرر الآخر من سلطته ووصايته . *لحظة فارقة عندما بلغ المحافظ الرسولي قوته وأوج عطائه في الأربعين من عمره وعلى عكس غيره وقبل أن يبلغ من العمر عتيا فاجأ الجميع وقدم استقالته للجهات الوصية عليه بالفاتيكان وبعد الموافقة عليها أُبلِغت إرساليات ولايته البابوية غرداية باستقالة محافظها الرسولي غوستاف نوي ومن ضمنها إرسالية الأبيض وذلك في مراسلة بتاريخ 3 جوان سنة 1941 مبررة الاستقالة بأسباب وظروف صحية وكانت وفاته بعد استقالته بحوالي عشرين سنة. علّق غريم المحافظ الرسولي الأب روني فوايوم رئيس إرسالية الأبيض على رسالة الاستقالة قائلا: هذه الرسالة كانت مليئة بالمودة وأثّرت في أعماقنا لقد تم نسيان جميع الصعوبات الماضية ووجدنا هناك قلبًا مليئًا بطيبة شخص ندين بأخوته ووجوده معنا في الكنيسة. ليختم القول: وعلينا الانتظار لتعيين خليفته. لكن الانتظار لم يدم طويلا ودائما على لسان رئيس الإرسالية الأب فوايوم القائل: ويوم الثلاثاء 15 جويلية أخبرتنا برقية مرسلة من الأب هنري مارشال بتعيين الأب جورج مرسيي 1902 - 1991 Georges Mercier في منصب المحافظ الرسولي خلفا لغوستاف نوي المستقيل. وكان تعيين المحافظ الرسولي الجديد يمثل خبرا سارا بالنسبة لرئيس إرسالية الأبيض الأب روني فوايوم لأن هناك صداقة قديمة تجمع بينهما وكان تعيين مارسي يعد بمثابة انتصار لرئيس الإرسالية وهذا ما انعكس على علاقتهما الإدارية لاحقا حيث تكررت الزيارات الودية من طرف الأسقف الجديد لإرسالية الأبيض سيدي الشيخ وهو ما نتحدث عنه في الحلقة المقبلة إنشاء الله.