الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الاتحاد
الأمة العربية
الأيام الجزائرية
البلاد أون لاين
الجزائر الجديدة
الجزائر نيوز
الجلفة إنفو
الجمهورية
الحصاد
الحوار
الحياة العربية
الخبر
الخبر الرياضي
الراية
السلام اليوم
الشباك
الشروق اليومي
الشعب
الطارف انفو
الفجر
المساء
المسار العربي
المستقبل
المستقبل العربي
المشوار السياسي
المواطن
النصر
النهار الجديد
الهداف
الوطني
اليوم
أخبار اليوم
ألجيريا برس أونلاين
آخر ساعة
بوابة الونشريس
سطايف نت
صوت الأحرار
صوت الجلفة
ماتش
وكالة الأنباء الجزائرية
موضوع
كاتب
منطقة
Djazairess
فضاء هام" للحوار والتفكير الاستراتيجي والعمل الميداني
قسنطينة : إعادة تشغيل المصعد الهوائي للمدينة
الوزير الأول, نذير العرباوي, يترأس, اجتماعا للحكومة
توقيف 12 عنصر دعم للجماعات الإرهابية خلال أسبوع
وفاة المجاهد عضو جيش التحرير الوطني خماياس أمة
أمطار رعدية ورياح على العديد من ولايات الوطن
المسيلة : حجز أزيد من 17 ألف قرص من المؤثرات العقلية
اختتام الطبعة ال 14 للمهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية
نسبة تنفيذ الاحكام في القضايا الادارية والمدنية بلغت نسبة 94 بالمائة
الجزائر تجدّد التزامها الثّابت بدعم حقوق الفلسطينيين
تقييم شامل لأبعاد العلاقات التاريخية الجزائرية السويدية
استحضار لبطولات وتضحيات الشهداء الأبرار
العدوان الصهيوني حوّل غزة إلى "أرض لليأس"
جريمة التعذيب في المغرب تتغذّى على الإفلات من العقاب
قانون التعبئة العامة يحدّد المسؤوليات في مواجهة التحدّيات
مناقشة تشغيل مصنع إنتاج السيارات
جهود مستعجلة لإنقاذ خط "ترامواي" قسنطينة
تعليمات لإنجاح العملية وضمان المراقبة الصحية
3آلاف مليار لتهيئة وادي الرغاية
الصناعة العسكرية.. محرّك رئيسي لتطوير الاقتصاد الوطني
بيتكوفيتش فاجأني وأريد إثبات نفسي في المنتخب
البطولة الافريقية المدرسية: انهزام المنتخب الجزائري أمام جنوب افريقيا (0-2)
محرز يواصل التألق مع الأهلي ويؤكد جاهزيته لودية السويد
بن زية قد يبقى مع كاراباخ الأذربيجاني لهذا السبب
وفد تشيكي من مدرسة براغ للسينما يزور المعهد الوطني العالي للسينما
حج 2025: برمجة فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"
تجارب محترفة في خدمة المواهب الشابة
"شباب موسكو" يحتفلون بموسيقاهم في عرض مبهر بأوبرا الجزائر
الكسكسي الجزائري.. ثراء أبهر لجان التحكيم
مسيرة الحرية: رابطة الصحفيين والكتاب الصحراويين بأوروبا تندد باستهداف الصحفيين من طرف بلطجية المخزن
انطلاق أشغال المؤتمر ال25 للرابطة العربية لجمعيات الروماتيزم بالجزائر العاصمة
عطاف يجري محادثات على انفراد مع نظيرته السويدية : تناغم المواقف بين الجزائر والسويد حول عدد من الملفات والقضايا
البطولة العربية للرماية بالقوس والسهم : مشاركة عشر دول في موعد تونس
قطاع النسيج يتعزّز
تجاوزات على الهداف
الجزائر تتعرّض لمؤامرة كبرى
مولوجي تبرز جهود حماية ذوي الاحتياجات السمعية
بطولة الرابطة الأولى: رئيس الاتحادية يدعو الأندية إلى ضمان السير الحسن للمقابلات في إطار التنافس النزيه
استشهاد 600 طفل في غزّة خلال شهر
غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 51305 شهيدا و117096 جريحا
الجزائر تؤكد التزامها بدعم دول إفريقيا
معالجة أزيد من 31 مليون طن من البضائع
تراجع أسعار النفط بأكثر من 2 بالمئة
تقاطع المسارات الفكرية بجامعة "جيلالي اليابس"
هدّاف بالفطرة..أمين شياخة يخطف الأنظار ويريح بيتكوفيتش
البطولة السعودية : محرز يتوج بجائزة أفضل هدف في الأسبوع
رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية
تمنراست: الكتابة والنشر ضمن أولويات برنامج المحافظة السامية للأمازيغية
تحدي "البراسيتامول" خطر قاتل
صناعة صيدلانية: رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية و ضبط تسويقها
قسنطينة : اختتام الطبعة 14 للمهرجان الثقافي الوطني للشعر النسوي
موضوع ندوة علميّة : إبراز جهود جمعيّة العلماء المسلمين في النّهوض بالمرأة والأمّة
هذه مقاصد سورة النازعات ..
تسهيل وتبسيط الإجراءات أمام الحجّاج الميامين
هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..
ما هو العذاب الهون؟
كفارة الغيبة
بالصبر يُزهر النصر
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
ثَلَاثُ وَصَايَا بَعْدَ رَمَضَانَ
إبراهيم الحقيل
نشر في
أخبار اليوم
يوم 04 - 09 - 2011
مِمَّا يُنَاسِبُ ذِكْرُهُ وَتَدَارُسُهُ بَعْدَ رَمَضَانَ حَدِيثٌ نَافِعٌ عَظِيمٌ، دَلَّنَا فِيْهِ الْنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا يَنْفَعُنَا فِيْ مُعَامَلَتِنَا لله تَعَالَى، وَمُعَامَلَتِنَا لِلْنَّاسِ؛ ذَلِكُمْ هُوَ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُوْلُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ الْسَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ الْنَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رَوَاهُ الْتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيْثٌ حَسَنٌ.
وَقَرِيِبَ مِنْهُ حَدِيْثُ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ الْنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ الْنَّاسَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: تَقْوَىَ الله وَحُسْنُ الْخُلُقِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَمَنْ نَظَرَ فِيْ هَذَا الحَدِيثِ وَجَدَ أَنَّهُ قَدْ احْتَوَى عَلَى ثَلَاثِ وَصَايَا، وَهَذِهِ الْوَصَايَا الثَّلَاثُ كَانَ يَكْثُرُ الْعَمَلُ بِهَا فِيْ رَمَضَانَ؛ لِخُصُوْصِيَّةِ الشَّهْرِ الكَرِيمِ فِي قُلُوْبِ المُؤْمِنِيْنَ؛ وَلِأَنَّ الصِّيَامَ يَجْعَلُ العَبْدَ أَقْرَبَ إِلَى الطَّاعَاتِ، وَأَحْسَنَ أَخْلَاقًا فِي تَعَامُلِهِ مَعَ الْنَّاسِ. وَهِيَ وَصَايَا عَظِيْمَةٌ جَامِعَةٌ لِحُقُوْقِ الله تَعَالَىْ وَحُقُوْقِ عِبَادِهِ.
وَأَوَّلُ هَذِهِ الْوَصَايَا الْوَصِيَّةُ بِالْتَّقْوَىْ «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ» وَشَهْرُ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ التَّقْوَى؛ لِأَنَّ الصِّيَامَ سَبَبٌ لِحُصُولِ التَّقْوَى كَمَا فِي قَوْلِ الله تَعَالَى [كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ] {الْبَقَرَةِ:183}. فَالَّذِينَ صَامُوا رَمَضَانَ وَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى فِيْهِ حَقِيقٌ بِهِمْ أَنْ يَسْتَمِرُّوا عَلَى التَّقْوَى بَعْدَ رَمَضَانَ، وَأَنْ يُجَاهِدُوا نُفُوسَهُمْ عَلَى تَحْقِيقِهَا، وَاللهُ تَعَالَى أَهْلٌ لِأَنْ يُتَّقَى فِي كُلِّ وَقْتٍ؛ لِأَنَّهُ المَلِكُ الخَالِقُ الرَّازِقُ المُدَبِّرُ، فَلَا يُجْلَبُ نَفْعٌ إِلاَّ مِنْهُ، وَلَا يُدْفَعُ ضُرٌّ إِلاَّ بِهِ [وَإِن يَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرّٖ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَۖ وَإِن يُرِدۡكَ بِخَيۡرٖ فَلَا رَآدَّ لِفَضۡلِهِۦۚ] {يُوْنُسَ:107} وَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي ثَوَابُهُ لَا أَجْزَلَ مِنْهُ، وَعِقَابُهُ لا أَشَدَّ مِنْهُ، مَعَ عِلْمِهِ بِخَلْقِهِ وَمَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ، وَقُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ عَلَيهِمْ، وَمَنْ كَانَ هَذَا وَصْفُهُ كَانَ أَحَقَّ بِالْتَّقْوَى مِنْ غَيْرِهِ، وَكُلُّ تَقْوَى لِأَحَدٍ تَقْصُرُ دُوْنَ تَقْوَاهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يَلِيقُ بِمُؤْمِنٍ أَنَّ يَتَّقِيَ ضَرَرَ الْأَقْوِيَاءِ مِنَ المَخْلُوْقِيْنَ، وَيُقَصِّرُ فِيْ تَحْقِيقِ تَقْوَى الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى [وَمَا يَذۡكُرُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ هُوَ أَهۡلُ ٱلتَّقۡوَىٰ وَأَهۡلُ ٱلۡمَغۡفِرَةِ] {الْمُدَّثِّرُ: 56}.
وَيَتَرَقَّى الْعَبْدُ فِيْ سُلَّمِ التَّقْوَى حَتَّى يُحَافِظَ عَلَى المَنْدُوبَاتِ مَعَ الوَاجِبَاتِ، وَيَذَرَ المَكْرُوهَاتِ وَالمُحَرَّمَاتِ، وَيَحْذَرَ المُتَشَابِهَاتِ اسْتِبْرَاءً لِدِيْنِهِ، وَمُحَافَظَةً عَلَى تَقْوَاهُ «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِيْنِهِ» وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيْزِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:«لَيْسَ تَقْوَى الله بِصِيَامِ الْنِّهَارِ وَلَا بِقَيَامِ الْلَّيْلِ وَالْتَّخْلِيَطِ فِيْمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ تَقْوَى الله تَرْكُ مَا حَرَّمَ اللهُ، وَأَدَاءُ مَا افْتَرَضَ اللهُ، فَمَنْ رُزِقَ بَعْدَ ذَلِكَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ إِلَى خَيْرٍ».
وَالقُرآَنُ وَالسَّنَةُ طَافِحَانِ بِالْنُّصُوصِ الَّتِي تَأْمُرُ بِالْتَّقْوَى، وَتُرَغِّبُ فِيْهَا، وَتَحَثُ عَلَيْهَا، وَتُبَيَّنُ ثَوَابَهَا فِي الآَخِرَةِ، فَحَرِيٌّ بِمَنْ ذَاقَ حَلَاوَةَ التَّقْوَى فِي شَهْرِ التَّقْوَى؛ فَكَفَّ بَصَرَهُ عَنِ الْحَرَامِ، وَحَفِظَ سَمْعَهُ مِنْ لَغْوِ الكَلَامِ، وَأَمْسَكَ لِسَانَهُ عَنِ الْقِيلِ وَالقَالِ، وَاجْتَهَدَ فِي الطَّاعَاتِ، وَجَانَبَ المُحَرَّمَاتِ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى ذَلِكَ وَيَتَرَقَّى فِيْ دَرَجَاتِ التَّقْوَى حَتَّى يَنَالَ مَنْزِلَةَ الأَولِيَاءِ؛ إِذْ تَحْقِيقُ الْتَّقْوَى يَرْفَعُ العَبْدَ إِلَى أَنْ يَكُونَ لله تَعَالَى وَلِيًّا [أَلَآ إِنَّ أَوۡلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ 62 ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ 63 لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ] {يُوْنُسَ:62-64}.
وَكَتَبَ أَحَدُ الصَّالِحِينَ يَعِظُ أَخَاهُ فَقَالَ لَهُ:«أُوْصِيكَ بِتَقْوَى الله الَّذِي هُوَ نَجِيُّكَ فِيْ سَرِيرَتِكَ ورَقِيبُكَ فِي عَلَانِيَتِكَ، فَاجْعَلِ اللهَ مِنْ بَالِكَ عَلَى كُلِّ حَالِكِ فِيْ لَيلِكَ وَنَهَارِكَ، وَخَفِ اللهَ بِقَدْرِ قُرْبِهِ مِنْكَ، وَقُدْرَتِهِ عَلَيْكَ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ بِعَيْنِهِ لَيْسَ تَخْرُجُ مِنْ سُلْطَانِهِ إِلَى سُلْطَانِ غَيْرِهِ، وَلَا مِنْ مُلْكِهِ إِلَى مُلْكِ غَيْرِهِ، فَلْيَعْظُمْ مِنْهُ حَذَرُكَ، وَلْيَكْثُرْ مِنْهُ وَجَلُكَ».
وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الإِنْسَانَ تُحَرِّكُهُ الشَّهْوَةُ، وَيَتَسَلَّطُ عَلَيهِ دَاعِي الهَوَى، وتَؤُزُّهُ الشَّيَاطِيْنُ إِلَى الْتَّخَلِّي عَنِ التَّقْوَى فَيُقَصِّرُ فِيْ وَاجِبٍ أَوْ يَفْعَلُ مُحَرَّمًا، فَيَجْدُرُ بِهِ حِيْنَئِذٍ أَلَا يَسْتَسْلِمَ، بَلْ يُجَاهِدُ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ وَشَهْوَتَهُ وَشَيَاطِيْنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَإِنْ زَلَّ وَأَخْطَأَ فَلْيُبَادِرْ بِمَحْوِ خَطَئِهِ بِفِعْلٍ صَائِبٍ، وَلْيَأْتِ بِحَسَنَةٍ تَعْفُو أَثَرَ سَيِّئَتِهِ، وَلْيَتَقَرَّبْ بِطَاعَاتٍ فِيْ مُقَابِلِ مَعْصِيَتِهِ، وَهَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الثَّانِيَةُ فِي الْحَدِيْثِ «وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا» وَمَعَ تَحَرُزِ جُمْهُوْرِ المُسْلِمِيْنَ مِنَ الْوُقُوْعِ فِي المَعْصِيَةِ أَثْنَاءَ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ تَعْظِيمًا لَحُرْمَةِ الشَّهْرِ؛ فَإِنَّ الوَاحِدَ مِنْهُمْ إِذَا اسْتُزِلَّ فَأَخْطَأَ فِيْهِ رَأَى أَنَّهُ أَتَى أَمْرًا عَظِيمًا، وَقَابَلَ ذَلِكَ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالصَّدَقَةِ وَكَثْرَةِ قِرَاءَةِ القُرْآنِ وَأَنْوَاعٍ مِنَ البِرِّ وَالإِحْسَانِ، فَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ بَعْدَ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّ عَظَمَةَ مَنْ يَعْصِي لَا تَتَغَيَّرُ بَعْدَ رَمَضَانَ عَنْ رَمَضَانَ، فَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ الْعَظِيمُ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ..
وَاللهُ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا وَعَجَلَتَنَا فَفَتَحَ لَنَا أَبْوَابَ الْحَسَنَاتِ، وَشَرَعَ لَنَا الْكَثِيْرَ مِنَ المُكَفِّرَاتِ لِنُبَادِرَ بِفِعْلِهَا تَكْفِيْرًا عَنِ الْعِصْيَانِ، وَمَحَوًا لِآَثَارِ السَّيِّئَاتِ، وَفِي ثَنَاءِ الله تَعَالَى عَلَى المُتَّقِيْنَ قَالَ سُبْحَانَهُ [وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ] {آَلِ عِمْرَانَ:135} فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ مِنْ صِفَاتِهِمْ أَنَّهُمْ إِنْ أَخْطَئُوا لَمْ يَنْسَوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَظَمَتَهُ فَبَادَرُوا إِلَى مَحْوِ أَثَرِ الذَّنْبِ بِالِاسْتِغْفَارِ وَعَدَمِ الإِصْرَارِ عَلَى المَعْصِيَةِ.
وَعَلَى العَاصِيْ أَنَّ يُكْثِرَ مِنَ الطَّاعَاتِ فَإِنَّهَا تُزِيلُ أَثَرَ السَّيِّئَةِ فِي القَلْبِ؛ فَإِنَّ الْتَّجْرِبَةَ قَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ العَبْدَ إِذَا أَكْثَرَ مِنْ الطَّاعَاتِ ضَعُفَ فِيْ قَلْبِهِ دَاعِي العِصْيَانِ، وَتَمَكَّنَتْ مِنْهُ الرَّغْبَةُ فِي الله تَعَالَى وَفِيْمَا أَعَدَّ مِنْ الْكَرَامَةِ لِأَوْلِيَائِهِ المُتَّقِيْنَ.
كَمَا أَنَّ إِتْبَاعَ المَعْصِيَةِ بِطَاعَةٍ يَجْعَلُ فِيْ صَحِيفَةِ الْعَبْدِ حَسَنَاتٍ تُقَابِلُ السَّيِّئَاتِ الَّتِي قَارَفَهَا، وَأَعْمَالُ العِبَادِ تُوْزَنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلْيَحْذَرْ أَنْ تَكُوْنَ سَيِّئَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ حَسَنَاتهِ [وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّئَِّاتِۚ ذَٰلِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ] {هُوْدٍ:114}. قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:«إِذَا أَسَأْتَ سَيِّئَةً فِيْ سَرِيْرَةٍ فَأَحْسِنْ حَسَنَةً فِيْ سَرِيرَةٍ، وَإِذَا أَسَأْتَ سَيِّئَةً فِيْ عَلَانِيَةٍ فَأَحْسِنْ حَسَنَةً فِيْ عَلَانِيَةٍ ، لِكَيْ تَكُونَ هَذِهِ بِهَذِهِ».
وَسُئِلَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ اكْتَسَبَ مَالًا مِنْ شُبْهَةٍ: صَلَاتُهُ وَتَسْبِيْحُهُ يَحُطُّ عَنْهُ شَيئًا مِنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنْ صَلَّى وَسَبَّحَ يُرِيدُ بِهِ ذَلِكَ، فَأَرْجُو، قَالَ اللهُ تَعَالَىْ [خَلَطُواْ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ] {الْتَّوْبَةَ:102}.
وَالإِنْسَانُ فِيْ حَيَاتِهِ الدُّنْيَا يُعَامِلُ الْخَلْقَ كَثِيْرًا مَنْ قَرُبَ مِنْهُمْ كَوَالِدَيْهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَمَنْ بَعْدُ مِنْهُمْ مِنْ سَائِرِ الْنَّاسِ، فَالتَوْجِيْهُ الْنَّبَوِيُّ أَنَّ يُعَامِلَهُمْ بِالْحُسْنَى؛ فَيَحْلُمُ عَنْ جَاهِلِهِمْ، وَيَصْبِرُ عَلَى مُسِيئِهِمْ «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» فَهِيَ قَاعِدَةٌ عَامَّةٌ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ مَعَ الْنَّاسِ أَجْمَعِيْنَ.
وَفِيْ رَمَضَانَ كَانَ الصَّائِمُ يُلْجِمُ نَفْسَهُ عَنِ الْغَضَبِ، وَيَحْبِسُ لِسَانَهُ عَنِ الْجَهْلِ، وَيُقَابِلُ مَنْ شَاتَمَهُ بِقَوْلِهِ «إِنِّي صَائِمٌ»؛ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ فِيْ عِبَادَةٍ فَلَا يُرِيْدُ تَخْرِيقَهَا؛ وَلِذَا جَاءَ فِي الْحَدِيْثِ أَنَّ الْصَّوْمَ جُنَّةٌ، أَيْ وِقَايَةٌ يَحْمِي العَبْدَ مِنَ الوُقُوْعِ فِي الإِثْمِ..
فَمَنْ تَعَلَّمَ فِيْ رَمَضَانَ كَظْمَ الْغَيْظِ، وَتَسْكِينَ الْغَضَبِ، وَمُقَابَلَةَ الْجَهْلِ بِالحِلْمِ، وَالإِسَاءَةَ بِالإِحْسَانِ، وَكَانَتْ السَّمَاحَةُ وَالْعَفْوُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ دَيْدَنَهُ فَحَرِيٌّ بِهِ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ رَمَضَانَ؛ طَلَبًا لِرِضَا الله تَعَالَى، حَتَّى يَتَّصِفَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ؛ فَإِنَّمَا الْحُلْمُ بِالْتَّحَلُّمِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:«حُسْنُ الْخُلُقِ أَنْ تَحْتَمِلَ مَا يَكُوْنُ مِنَ الْنَّاسِ».
وَفي حُسْنِ الْخُلُقِ مِنَ الْأَجْرِ وَالْثَّوَابِ مَا لَا يَخْطُرُ عَلَى بَال كَثِيْرٍ مِنَ الْنَّاسِ؛ فَفِيْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ الْنَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«إِنَّ الْرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الْصَّائِمِ الْقَائِمِ»رَوَاهُ أَبُوْ دَاوُدَ، وَفِيْ حَدِيْثِ أَبِيْ الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُوْلَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِيْ الْمِيْزَانِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
فَمَنْ حَافَظَ عَلَى هَذِهِ الْوَصَايَا الْثَّلاثِ فَقَدْ أَفْلَحَ وَفَازَ، وَكَسَبَ رِضَا الله تَعَالَى وَمَحَبَّتَهُ وَوِلَايَتَهُ، وَمَحَبَّةَ خَلْقِهِ..
هَذِهِ الْوَصَايَا هِيَ تَقْوَى الله تَعَالَى حَيْثُمَا كَانَ العَبْدُ، وَإِتْبَاعُ الْسَّيِّئَةِ بِحَسَنَةٍ، وَمُعَامَلَةُ الْنَّاسِ بِالْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ..
أَعانَنَا اللهُ تَعَالَى عَلَيْهَا، وَوَفَقَنَا لَهَا..
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
''اتّق اللهَ حيثُما كنتَ...''
مثل من يعمل الحسنات بعد السيئات
يجتهد في العبادة لكنه مبتلى بفضول النظر
الحلقة الخامسة
بأيهم إقتديتم إهتديتم
فلنستشعر مراقبة الله
أبلغ عن إشهار غير لائق