إحياء شهر التراث عبر ربوع الوطن: تظاهرات مُكثّفة.. وإبراز المكاسب العريقة
تحيي مختلف ولايات الوطن شهر التراث الممتد من 18 أفريل إلى 18 ماي بتنظيم تظاهرات ثقافية وعروض فلكلورية تبرز مختلف الموروثات والتقاليد العريقة التي تقترن بالهوية الجزائرية وهو حدث سنوي هام تُسطّر له العديد من البرامج الفنية والعروض المخصصة للجمهور والتي يتنوع محتواها بين إبراز التقاليد والعادات وتنظيم معارض في الطبخ والطرز التقليدي وغيرها من الموروثات التي تحمل أبعادا ثقافية واجتماعية محضة لإبراز مختلف التقاليد العريقة بغية التمسك بها ونقلها للأجيال المتعاقبة والسعي إلى تثمينها محلياً وتصنيفها ضمن التراث العالمي اللامادي. نسيمة خباجة شهر التراث يُعدّ مناسبة هامة تعيش أجواءها الرائعة مختلف ولايات الوطن التي تتنافس وتتسابق على إبراز الموروثات العريقة والافتخار بها وتثمينها محليا وحتى السفر ببعض الموروثات إلى خارج الوطن قصد التعريف بها وتصنيف أبرزها ضمن التراث العالمي اللامادي لمنظمة اليونيسكو .
نحو تصنيف فن القول ورقصة الصف ضمن التراث العالمي يرتقب قريبا الشروع في إعداد ملف لتصنيف فن القول ورقصة الصف التي تشتهر به ولاية البيض تراثا عالميا لاماديا لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسيكو حسب ما علم لدى المديرية الولائية لقطاع الثقافة والفنون. وذكر ذات المصدر لوكالة الانباء الجزائرية أنه سيتم العمل على إعداد هذا الملف الخاص بهذا الموروث الثقافي والتراثي العريق الذي تشتهر به ولاية البيض وذلك بالتنسيق والتعاون مع المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ لتصنيفه ضمن التراث العالمي اللامادي من أجل الحفاظ عليه ونقله للأجيال حيث يشكل جزءا من الرصيد التراثي للمنطقة والجزائر عموما . كما سيتم إعداد ملف آخر خاص بهذا الموروث سيقدم للوزارة الوصية من أجل اقتراح إنشاء مهرجان محلي سنوي خاص بهذا الطابع الفني والثقافي الشعبي للولاية للتعريف به والحفاظ عليه وتثمينه. علما أن قطاع الثقافة والفنون بالولاية وبالتنسيق مع عدد من الجمعيات المحلية الناشطة في مجال فن القول ورقصة الصف على غرار جمعية المرحول لفن القول ورقصة الصف تقوم سنويا بتنظيم ندوات وأيام دراسية وأمسيات فنية خاصة بهذا الطابع الفني وذلك بمشاركة العديد من الباحثين والمهتمين بهذا الموروث الثقافي من داخل وخارج الولاية والتي تصب كلها في هذا المسعى للتعريف بهذا الموروث المحلي للولاية. للإشارة فإنّ فن القول ورقصة الصف من الطبوع الفنية التي تشتهر بها الولاية وتؤديه النسوة جماعيا في المناسبات والأفراح وتحمل كلمات هذا الفن العديد من المعاني كما تسرد الكثير من قصائد هذا الفن العديد من المحطات التاريخية والمعارك الثورية الخالدة والشخصيات الوطنية التي تركت بصمتها في تاريخ المنطقة. للتذكير فإنّ ولاية البيض تحصي حاليا تظاهرة وعدة سيدي الشيخ أو ما يطلق عليها بركب سيدي الشيخ نسبة إلى الولي الصالح سيدي الشيخ مؤسسة الطريقة الشيخية وهي التظاهرة المصنفة ضمن التراث العالمي اللامادي لمنظمة اليونسيكو منذ سنة 2013. كما ينتظر أن يتم قريبا تصنيف الزاوية التيجانية نسبة إلى الولي الصالح سيدي أحمد التيجاني المتواجدة بالقصر الأسعد لبلدية بوسمغون ضمن الأملاك الوطنية الثقافية المحمية. و تجري حاليا بهذا المعلم الديني والثقافي الهام الذي يعود تاريخ بنائه إلى أزيد من أربعة قرون أشغال عملية ترميم أشرفت على إنطلاقها في وقت سابق وزيرة الثقافة والفنون. وقد رصد لهذه العملية غلاف مالي قدر ب221 مليون دج لترميم مجمع الزاوية التيجانية التي تضم خلوة الولي الصالح سيدي أحمد التيجاني والمصلى والمدرسة القرآنية والمنزل التابع للزاوية ومرافق أخرى وذلك بغية الحفاظ على هذا المعلم فيما حددت آجال الأشغال ب24 شهرا فيما أسندت مهمة متابعة أشغال الترميم إلى مصالح الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية. عبقرية العمارة التقليدية الجزائرية في مقاومة الزلازل أبرزت الباحثة في العمارة والتراث أميرة زاتير مؤخرا بالجزائر العاصمة خصائص ومميزات العمارة التقليدية في الجزائر وعبقريتها في ابتكار تقنيات هندسية ذكية وأنظمة تقليدية مقاومة للزلازل مع الحفاظ على الهوية العمرانية الجزائرية. وأكدت السيدة زاتير وهي محاضرة في العمارة والتراث بالمدرسة المتعددة التقنيات للهندسة المعمارية والعمران بالعاصمة في مداخلة لها بالمتحف العمومي الوطني الباردو تحت عنوان العمارة التقليدية المقاومة للزلازل نماذج من العالم والجزائر بمناسبة شهر التراث (18 أفريل- 18 ماي) أهمية الاستفادة من تقنيات وأنماط العمارة التقليدية التي أبدعها الأسلاف وتوظيفها في العمارة الحديثة مضيفة أنه يمكن أن تكون مصدرا هاما لتقنيات البناء المقاومة للزلازل . وذكرت السيدة زاتير أن الأسلاف الذين بنوا هذه العمارة امتلكوا ثراء تقنيا وثقافة زلزالية وتفطنوا لهذه التقنيات في البناء بالنظر لفهمهم للبيئة وحمايتهم لعناصر العمران المحلي باستعمال المواد المحلية لمجابهة خطر الزلازل برؤية استشرافية باعتبارها نماذج للعبقرية الهندسية المحلية لافتة إلى أن العمارة التقليدية ليست هشة وبإمكانها الاستمرار مضيفة أن الخطر الوحيد الذي يطالها هو الإهمال وعدم الترميم في الوقت المناسب ووفق معايير محددة . وأشارت المتحدثة أنه ليس من الصدفة أن تصمد وتقاوم العمارة التقليدية في الجزائر وعبر عدة مناطق أخرى في العالم معروفة بنشاطها الزلزالي كاليابان والصين وتركيا والبيرو لولا تقنيات البناء للعمارة التقليدية حيث تقدم لنا هذه العمارة التراثية التي تعتمد على الهندسة المحلية أمثلة مذهلة على مقاومة الزلازل والكوارث الطبيعية باعتماد وسائل ومواد طبيعية محلية وتقنيات بناء تمتاز بالبساطة والنجاعة . وأوضحت أن هذه العمارة التقليدية المقاومة للزلازل في الجزائر وخارجها تتسم بالمعرفة والمهارة القوية المستمدة من البيئة المحلية ممثلة في الأساليب والمواد والأشكال فضلا عن التقنيات المناسبة وبالتالي من الضروري بلورة هذه المعرفة المتوارثة والمهارات لدى الأجداد وإعادة تكوينها حيث تفطن الأسلاف في الماضي لمخاطر الزلازل . وأضافت أن العمارة التقليدية عبر العالم تختلف باختلاف محيطها الحضاري والثقافي والديني وكذا تنوع مواد وتقنيات وأنماط البناء فهي ذات طابع محلي أو إقليمي ولكنها تشترك في تناسق الأسلوب والشكل والمظهر واستخدام أنماط البناء التقليدية إلى جانب انتقال الخبرات التقليدية في التكوين والبناء بين الأجيال بالممارسة. وتطرقت المحاضرة إلى مدينة القصبة بالجزائر العاصمة وقصبة وهران كنماذج جزائرية للعمارة التقليدية المقاومة للزلازل حيث تعرض الموقعين لعدة زلازل عبر التاريخ لكنهما صمدا بفضل خصائصهما الهندسية في البناء والأسس المستخدمة في الهيكل والمواد الطبيعية المحلية ولاسيما الأداء الجيد للأقواس والقباب في امتصاص ومقاومة القوى الزلزالية واستخدام الجدران الحجرية المقطوعة وأنظمة الأٌقبية وغيرها تقول السيدة زاتير. وأردفت المحاضرة التي قدمت عرضا مدعما بالخرائط لأهم نماذج تقنيات العمارة التقليدية والتراثية عبر العالم والموجودة ضمن مناطق النشاط الزلزالي أن قصبة الجزائر على سبيل المثال لا تزال موجودة لغاية اليوم على الرغم من النشاطات الزلزالية العديدة التي ضربتها وذلك بفضل خبرات معينة تم توارثها عبر الأجيال في حين أن قصبة وهران ورغم سوء حالتها ومعاناتها من الإهمال إلا أنها تمكنت من مقاومة النشاطات الزلزالية على غرار زلزال 1970.