مراصد إعداد: جمال بوزيان الرابطة الروحية صمام أمان للأمة التدافع مستمر نحو الشهود الحضاري المرتقب تَرصُدُ أخبار اليوم مَقالات فِي مختلف المَجالاتِ وتَنشُرها تَكريمًا لِأصحابِها وبِهدفِ مُتابَعةِ النُّقَّادِ لها وقراءتِها بِأدواتِهم ولاطِّلاعِ القرَّاءِ الكِرامِ علَى ما تَجودُ به العقولُ مِن فِكر ذِي مُتعة ومَنفعة ... وما يُنْشَرُ علَى مَسؤوليَّةِ الأساتذةِ والنُّقَّادِ والكُتَّابِ وضُيوفِ أيِّ حِوار واستكتاب وذَوِي المَقالاتِ والإبداعاتِ الأدبيَّة والنَّقديَّةِ مِن حيثُ المِلكيَّةِ والرَّأيِ. ***** شروط السيادة... * أ.د.يعرب المرزوقي جرت العادة عند المتكلمين في فلسفة السياسة بنسبة السيادة للدول لكن هذه النسبة لا تصح ما لم يفد بها تعريف الدولة بوصفها تستمد شرعيتها من تمثيلها قوامة الجماعة ذات الإرادة الحرة والحكمة الراجحة. والجماعة ذات الإرادة الحرة لا يمكن أن تحكم بالشوكة غير الشرعية أي التي تستمد من دستور ينسب لها بكونها هي التي تضفي الشرعية عليها بفضل حكمتها الراجحة. ويترتب على ذلك أن السيادة لا يمكن أن تحصل لأي دولة إذا كان شعبها عديم الإرادة الحرة والحكمة الراجحة: والإرادة الحرة هي الغاية ويرمز لها القرآن بالتربية التي تحافظ على البأس أساس معاني الإنسانية بلغة ابن خلدون مستمدا للمعنى من التربية النبوية التي تحافظ على البأس خلال تربية الفرد: البانية للوزع الذاتي أي الضمير الخلقي. والحكمة الراجحة هي الأداة ويرمز لها ابن خلدون بالحكم الذي يحافظ على رشد حكم الجماعة لنفسها بلغة ابن خلدون نفسها مستمدا المعنى من الحكم النبوي الذي يحافظ على الالتزام بالأمر بالممعروف والنهي عن المنكر خلال حكم الجماعة: البانية للوازع الأجنبي أو الشوكة الشرعية أو قوة القانون. ويكون مفهوم السيادة قابلا للنسبة للدولة بضمير أنه معبر عن بنائها للإنسان الحر الذي يحميها عداوة من ينازعها سيادتها ينازعها مقومي سيادتها أي حرية إرادتها ورجحان عقلها: ويقد فردها بأسه بجعله عبدا يقبل الإهانة ويعوض الضمير الخلقي بالتحيل والخبث المخادع وتصبح الجماعة تعمل بأخلاق العبيد فيفيدون: شروط التبادل بالتعاوض العادل بجعله ظالما وشروط التواصل بالتفاهم الصادق بجعله منافقا ومخادعا وبذلك فسد التساخر في تقاسم العمل الضروري للرعاية والحماية: وذلك هو جوهر الحرب الأهلية الباردة في الجماعة وهي جوهر التبعية للأجنبي بسبب منطق التغالب الأهلي فتفقد جماعتها شرعية شوكتها في الداخل ليجعل حكمها بقانون القوة والصراع بين الحاكم والمحكوم فيقع الانتقال من قوة القانون إلى قانون القوة فتصير تابعة لتابع لأن الحكم لا يسيطر على شعبه إلا بقوة شعب آخر كان هو عبدا له. ويسلم له كل ما تملك من الأحياز الخمسة وتلك هي علل الانتقال من الحرب الأهلية إلى الحرب الكونية إذ يتنافس عليه أقوياء العصر بسبب منطق التغالب والتعالي الكوني: وتلك هي حال كل المحميات العربية خاصة والإسلامية عامة... وكل خدع التظاهر بمحاربة الفساد وكثرة الكلام على السيادة فهو إخفاء الفساد المطلق الذي تحول وكل وظائف الدولة المهزومة إلى خدمة الأعداء: 1- الصراع الجغرافيا أو الحصة من المكان. 2- الصراع التاريخي أو الحصة من الزمان. 3- الصراع على الثروة أو الحصة من المعين المادي للحياة. 4- الصراع على التراث أو الحصة من المعين الروحي للحياة. 5- الصراع الرؤيوي وهو صراع الحضارات سواء كان على أساس ديني أو لا ديني. ومن ثم فكل من ليس له شَرطي السيادة اللذيْن وصفت يكون في نكبة مضاعفة داخلية وخارجية: الحرب الأهلية الداخلية تؤدي دائما إلى التبعية بحكم تحول الأهلية إلى الحرب والأولى كونية في جماعة معينة والثانية كونية في الإنسانية كلها لأن التنافس على المغلوب تجعل بلاده مخترقة منهم جميعا فتصبح كورة بين الذكورة كحال كل المحميات العربية . ونوعا الحرب متلازمان دائما وتلك هي علة وضع القرآن الطريقة لمقاومتها لأنها ملازمة للوجود الإنساني وتلك هي الغاية من الآية 60 من الأنفال: وأعدوا لهم ما استطعتم... . وهذه الآية تطبيق لسياسة التربية التي تحافظ على البأس. كل المحميات العربية تمثيل بين لكل من يتدبر الأمر على صحة هذا التلازم بين الحربين الأهلية والكونية أي تربية الإنسان المسلم تربية ينتقل فيه البأس والوازع الذاتي تجعلة دليلا ليحتاج إلى وازع أجنبي بالمعنيين أي تقديم الشوكة اللاشعورية على الشرعية ذات الشوكة. ومن هنا استمد ابن خلدون نظريته في الدولة: فعمرها يتحدد بالمسار الذي ينقلها من الشرعية ذات الشوكة أصلا لها إيجابا وحفظا إلى الشوكة اللاشعورية قتلا ودفنا. ويترتب على ذلك المراحل الآتية: المرحلة الأولى: الحاكم الذي يتخلص من الشوكة الشرعية بما يسميه ابن خلدون حب التآلف فيبعد من شاركوا في تكوين الدولة. المرحلة الثانية: يستعيض بمن لا دور لهم في شوكتها الشرعية فيصبح معتمدا على شوكة عديمة الشرعية: هم الموالي في التجربة الإسلامية. المرحلة الثالثة: بالتدريج يسيطر الموالي أي الشوكة غير الشرعية ليعزلوه ويصبح دمية بين أيديهم: المثال من تاريخيا النقلة من الأموية إلى العباسية. المرحلة الرابعة: يتنفس الموالي ويتداولون على الحكم وتصير الشرعية اسمية ورمزية لا حول لها ولا قوة كما حدث بعد ولاية أبناء هارون الرشيد إلى سقوط الخلافة العثمانية. المرحلة الأخيرة: هي حال الامبراطورية الإسلامية وتفتيت الأحياز الجغرافي التاريخي والرعاية المادية (الاقتصاد) والروحية (كل الإبداع العلمي والتقني والثقافي). تلك هي حال الأمة الآن. لكن من حسن الحظ بقيت الرابطة الروحية محفوظة لأنها هي ما يترتب على حفظ القرآن. ولهذه العلة الأعداء في الداخل والخارج تركز حربها عليه لأنه هو الوحيد الذي لم يصمد فحسب بل هو بصدد تحقيق شروط الاستئناف بصورة تتجاوز دار الإسلام لأنه هو ما سيجعلنا شهودا على العالمين. والإصلاح يضخم الفساد عند ما يكون من يدعيه أذل العباد في كل بلاد وخاصة في البلاد التي فقدت شروط الرعاية والحماية الذاتية ككل البلاد العربية: وهذه الظاهرة بينة وهي تبدأ بدعوة عسكرة كل وظائف الدولة والجماعة. وقد نصح ابن خلدون من ذلك لأنه يجعل أدوات الحماية هي أدوات الخضوع عينها للوصاية من أعدى أعداء الأمة فاعتبر الحامية التي تسيطر على الرعاية والحماية هي عين العدو الأخطر على كل أمة لأنه يفقدها حرية الإرادة ورجاحة الحكمة. *** بين الماضي والحاضر.. التاريخ يعيد نفسه! * أ.سعدون يخلف عند قراءة رواية سمرقند للروائي الكبير أمين معلوف ستخرج بنتيجة مفادها أنّ التّاريخ يعيد نفسه لكن بطريقة هزلية وملهية فعند ما تقرأ الماضي وكأنك تعيشه في الحاضر ولما يتكرر التّاريخ في المنطقة بهذا الشّكل التّراجيدي دون أن يعمل البعض على كبح جماحه أو تغيير مساره على الأقل حتّى لا تتكرر هزائمه وانكساراته فمعناه أننا لا نقرؤه بوعي أو ببصيرة فالمؤامرات هي المؤامرات والصراع على السلطة هو الصراع نفسه والخيانات هي الخيانات.. إنّ رواية سمرقند هي رواية تاريخية امتزج فيها عرض أحداث التّاريخ بالسرد الروائي تحكي قصة كتاب رباعيّات الشّاعر عمر الخيّام ذلك الكتاب الذي ضمّن فيه الخيّام فلسفته في الحياة ونظرته إلى الإنسان وإلى الوجود وللخيّام كما هو معلوم قصة كما لكتابه ألف قصة وقصة الكتابُ الذي ارتحل من مكان إلى مكان معلنا نفسه تارة ومتخفياً من أعدائه تارة أخرى تتلقفه الأيادي فيحتضنه المحب ويجلّه ويعظّمه ويمقته الكاره ويحقّره ويصغره كان بحق رمزا للتأثير السّاحر الذي يسحر القلب ويسكر العقل برموزه البهية وبألفاظه الرنانة وبأشعاره الجميلة. عبر صفحات رواية سمرقند نلتقي معاصري الخيام كالوزير نظام الملك والشّيخ حسن الصّباح مؤسس الفرقة الإسماعيلية المتشددة التي كانت تعمل على نشر أفكارها بالقوة واستعمال العنف راصدا في الوقت ذاته مغامرات القصور وحكايا الخدم أين تحاك المؤامرات والدسائس والصراع على الحكم ثمّ ينقلنا معلوف رفقة مستشرق أمريكي عشق الشّرق عن طريق ولعه بالخيام وبمخطوطه إلى نهاية القرن التّاسع عشر مصورا كفاح جمال الدين الأفغاني وثوار إيران من تجار ورجال دين وأمراء ضد استبداد الحكام وأطماع الاستدمار. غير أن هناك نقطة استوقفتني في الرواية وبالضبط عند ما اعتلى حاكم جديد عرش مملكة ألموت بعد ما مات الحاكم الثاني في عام 1162م حيث خلفه ابنه المتمرد وبعد أيام قضاها في خلوته مع مخطوط سمرقند خرج إلى سكان مملكته خطيبا بلسان مخلّص ومبشرا بولادة مملكة جديدة لا مكان فيها للشّريعة بعد ما ضمِن النّاس الجنة معيدا في الوقت نفسه صياغة مفهوم الحلال والحرام إذ صار الحرامُ حلالا وغدا الحلالُ حراما وبذلك حُرّمت الصلوات الخمس وغدت الخمرة من المحللات. حرّمت الصّلوات الخمس لأننا الآن في الجنّة متّصلون بالخالق على الدوام ولا حاجة بنا إلى التوجّه إليه ساعات محدّدة ومن يعاند في إقامة الأوقات الخمسة يكشف بذلك عن قلّة إيمانه بيوم الحساب. فلقد غدت الصلاة عملا من أعمال الكفر والجحود . فقد انتهى زمن العمل والكل قدّم فاتورة أعماله ونال جزاءه ولم يبق إلا اللهو واللعب والتّمتع بالملذات والخيرات. لكن ما يلفت الانتباه حقا ردة فعل الجماهير المحتشدة على هذه القرارات التي تخالف عقيدتهم وأصول شريعتهم إذْ ينقل مؤرخ فارسي بحسب معلوف بأنّ المحتشدين بمجرد ما سمعوا مخلّصهم يعلن شريعته الجديدة حتّى شرعوا يعزفون بالمزاهر والنّايات ويشربون الخمر جهارا حتّى فوق درجات المنصّة . عند قراءتي لهذه المعلومات أول ما تبادر إلى ذهني ولي عهد السّعودية محمد بن سلمان وقراراته المفاجأة والصّادمة في الوقت ذاته التي يصدرها من حين إلى آخر: - فهو قد سمح للمرأة بقيادة السّيارة بعد ما كانت من المحظورات - وسمح بفتح دور السينما بعد ما كانت ممنوعة - وسمح للمغنيين بإقامة حفلات على غرار الشاب خالد والمطربة المصرية شيرين وأصبح صوت أم كلثوم يصدح في التلفزيون السعودي بعد غياب طويل - وسمح بإقامة عروض أزياء - وإقامة مواسم للترفيه منها موسم الرياض الذي يقام هذه الأيام إذ تصادف فعاليته حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني الغاصب ضد غزة. - كما أنه أعلن الحرب ضد المؤسسة الدينية التي مكّنت لنظام آل سعود لعقود عديدة متهما إياها بزرع التّطرف وإشاعة الفكر التّكفيري وإنتاج حروب الإرهاب. وفي كل مرّة يجد بطبيعة الحال تأصيلا شرعيا من طرف العلماء علماء السلاطين فما كان حراما صار بقدرة قادر حلالا أو يدخل في دائرة المباحات. وإن كان حاكم ألموت الجديد أدخل رعيته إلى الفردوس في العالم الأرضي بعد ما رأى معاناة سكان المملكة على يد مؤسس المملكة حسن الصّباح الذي فرض شريعة قاسية متشددة لا تراعي فطرة الإنسان ولا توافق تطلعاتها ولا متطلباتها فتلك الحياة القاسية وتلك الشريعة المتشددة وتلك السّنوات الطويلة التي عاشتها الرّعية كانت بمثابة تأشيرة للدخول إلى الجنة وفق رؤية الحاكم الجديد. بينما إصلاحات حاكم السّعودية الجديد فليس المقصود منها رفع العنت عن الشّعب ولا بناء مملكة جديدة بعيدة عن مظاهر التّخلف والرّجعية لكن كل ما يفعله ولي العهد هو بعث رسالة إلى الغرب مفادها أنه رجل المرحلة الجديدة بحيث سيكون جنديا مُخلِصا في محاربة أعداء الغرب وهو مستعد للإخلال بالعقد المبرم مع العائلة الدينية الوجه الثاني للنّظام من أجل تحقيق هدفه في اعتلاء العرش فضلا عن ذلك حتّى يثبت ولاءه المطلق ل الغرب وبالتّالي فإن بن سلمان لم يخلّص شعبه من مظاهر البؤس والفقر ولم يُعِد له حقوقه المهضومة وبالطبع لم يفتح له أبواب الجنة ولن يفتحها بل فتح أبواب المعتقلات والسجون لكل من تجاسر وقال: لا. ذلك ما جعل مجلة فرنسية تعلق على هذه الإصلاحات بالقول: يبدو أن السّعودية الجديدة تتجه نحو شكل أكثر تشددا من السلطوية حتى مع تشجيع الحكومة للإصلاحات الاجتماعية . حاكم ألموت أراد إرضاء شعبه فانتقل من تطرف فادح إلى تطرف أفدح. بيد أنّ حاكم السعودية يريد إرضاء الغرب و إسرائيل فارتمى في حضن أعداء الأمة. ومن ثم فإن التاريخ على ما يبدو يعيد نفسه ويبين حقيقة واضحة مفادها أنّ الحاكم إذا أراد الإصلاح أصلح بقرار وإذا أراد الإفساد أفسد بقرار وسيجد من العلماء من يسوّغ له فعله ويبرر له قراراته أما النّاس فيتقبلون كل شيء بيسر لأن النّاس كما هو معروف على دين ملوكهم وكما قال جمال الدين الأفغاني: كما يولى عليكم تكونوا . بالإضافة لذلك: مملكة ألموت انتهت ولم تعمر طويلا كذلك حكم آل سعود سينتهي حتما ولن يستمر طويلا لأنه حكم مبني على الأمزجة الخاصة لحكامه والأهم من ذلك على ولاءاتهم للخارج وكيف يقدمون لهم القرابين لنيل القبول والغفران.