بقلم: لطفي العبيدي إسرائيل تستمرّ في حرب الإبادة والتهجير ضد سكان غزة من المدنيين وتواصل الاستهانة بالمجتمع الدولي متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقف الأعمال الحربية فورا وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة. كيف لا وإدارة بايدن دافعت عن حق إسرائيل في التصرف بالطريقة التي تراها مناسبة وشرّعت بذلك للعنف والمجازر والهمجية. وفي عدة خطابات أوضح الرئيس الأمريكي أنه لا يوجد خلاف بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل حول ما يجري في المنطقة. لقد أطلقت الإدارة الأمريكية يد نتنياهو ليفعل ما يريد في غزة ويرتكب المجازر دون رادع بينما واصلت واشنطن خططها لتعزيز المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل بمليارات الدولارات على نحو حثيث. هذا ما يجعل حكومة نتنياهو تصر على عدم وقف إطلاق النار حتى الآن في غزة رغم جولة إراقة الدماء على الجبهة الشمالية التي انتهت إلى فشل إسرائيلي. فبعد محاولة الغزو الإسرائيلي للبنان اضطر رئيس الوزراء نتنياهو إلى إنهاء العملية. ليس لأن الولاياتالمتحدة مارست عليه الكثير من الضغوط ولكن لأن النصر الذي وعد به على حزب الله تبين أنه بعيد المنال. إسرائيل لم تنتصر في أي حرب منذ عام 2000 وليس أمام جيوش نظامية بل في مواجهة حركات مقاومة ومن المرجح أن يستعين محور المقاومة مرة أخرى بمصادر النفوذ المحلية إلى جانب اتصالاته العابرة للحدود الوطنية لإعادة تشكيل نفسه على المستويين المحلي والإقليمي في غياب حل سياسي ربما يتكيف مع الترابط الاجتماعي لحركات المقاومة سواء في لبنان أو في فلسطين حركات المقاومة مثل حماس وحزب الله جهات ذات عقد مترابطة من شبكات سياسية واقتصادية وعسكرية وأيديولوجية وهذه الشبكات الإقليمية سمحت في بعض الأحيان لأعضاء المحور كما جاء في فورين أفيرز باستيعاب الصدمات المختلفة بما في ذلك تخطي صدمة الاغتيالات العسكرية مثل اغتيال الولاياتالمتحدة لقاسم سليماني عام 2020 والانهيارات الاقتصادية نتيجة العقوبات الاقتصادية ولن يوقف استشهاد حسن نصرالله أو يحيى السنوار جذوة المقاومة في نفوس الأمة. هل فعلا المشروع الأمريكي يقضي بتفتيت المنطقة وتعميم السيناريو الليبي على نحو أن تصبح سوريا مثلا مقسمة إلى كيانات سنية وعلوية وكردية ذلك أيضا بهدف معاقبة الدولة والرئيس السابق بشار الأسد بسبب رفضه فك الارتباط مع المقاومة وقطع طرق الإمداد إلى لبنان الأمر الذي كشف عنه نتنياهو في اليوم نفسه الذي بدأ فيه سريان وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل وقال إن على الأسد ان يدفع الثمن . يذهب إلى ذلك كثيرون من أمثال الاعلامي والباحث السياسي اللبناني أحمد شمص. تأكيدا لذلك أنّ الولاياتالمتحدةالأمريكية استغلت هشاشة الوضع الأمني في سوريا بعد انطلاق الحراك الشعبي عام 2011 وتنامي التنظيمات التكفيرية واتخذتها ذريعة للدخول إلى سوريا وإنشاء قواعد عسكرية والتموضع في مناطق حساسة لاسيما على الحدود العراقية السورية والمناطق النفطية وسرقة النفط ودعمها للجماعات الكردية الانفصالية وخطورة هذا التنظيم على وحدة الأراضي السورية وعدم تقسيمها فكان هذا الوجود الاحتلالي الأمريكي أيضا خدمة للمصالح الإسرائيلية والهدف تفتيت سوريا وتقسيمها وإضعاف جيشها ومجتمعها. وقد أكملت إسرائيل المهمة بوضوح مباشرة إثر سقوط النظام في سوريا بتدمير كلي للترسانة العسكرية السورية وضرب مراكز البحوث العلمية وكل ما له صلة بالبنية التقنية والمادية. *أهمية تجانس المجتمع داخل الوطن الواحد كثير من دول المنطقة نشأت على أساس صفقات بين قوى استعمارية غربية في مطلع القرن العشرين دون مراعاة لمفهوم الدولة القومية أو أهمية تجانس المجتمع داخل الوطن الواحد وانسجام السلطوية الحاكمة مع مطالب التغوّل والديكتاتورية غيّب سؤال مصير الأمّة ومطالبها الوطنية والقومية. ونتيجة عجزها عن تشكيل علاقة متوازنة بين السلطة والمجتمع تفاقمت العوامل التي تنخر في جسد هذه الدول وتمنعها من تشكيل نظام أمني متوازن. على غرار الضعف الاقتصادي وسوء توزيع الثروة والتوتر بين مختلف المجموعات الإثنية والمذهبية التي تم استغلالها خارجيا وشحنها بهدف خلق الفتن والتقسيم. ونجحوا في ذلك في أكثر من دولة عربية تشهد إلى اليوم الفوضى والاقتتال على غرار ليبيا والسودان.. صراعات تنافسية إلغائية بين الجماعات المسلحة بسبب تكوّن هذه الجماعات من خليط تحالفات معقدة وتنافسات ونفوذ دول خارجية مختلفة المشاريع والمصالح. نتمنى أن لا تتكرر في سوريا بفعل تأثر الجماعات المدعومة من تركيا وغيرها بشكل كبير بالأولويات الجيوسياسية لأنقرة إضافة إلى التكوين الأيديولوجي المتزمت لفصائل أخرى. التحولات السياسية والأمنية المتلاحقة إقليميا ودوليا تؤكد أنّ الروابط الإنسانية أهم ضحية من ضحايا الحداثة والنيوليبرالية التي عززت نوعين من التفاوت الاقتصادي نراها تتفاقم مع كل هذه الحروب التي أتت بعد أزمة الجائحة العالمية. الأول هو التفاوت بين الطبقات داخل المجتمعات الأوروبية نفسها التي تضاعفت إثر الحرب الروسية الأوكرانية وما زالت. ثانيا التفاوت بين الدول الغربية التي لم تنفق بعد كل الامتيازات التي حظيت بها من الاستعمار ودول العالم الثالث التي كانت ضحية هذا الاستعمار. هذه نتائج ما يسمى النظام العالمي الجديد الذي واصل أصحابه تبنّي سياسات قديمة من الهيمنة والاستغلال مع اختلافات شكلية عارضة بهدف الإبقاء على دول وشعوب العالم في أماكنها الصحيحة التي تخدم مصالح الغرب الصناعي ورأسماليته المتوحشة وتقاطع مصالح هذا الغرب مع الصهيونية بشقيها الديني والسياسي. تحالف هجين يُطلق يد كيان الاحتلال ليفعل ما يريد بهدف محو الوجود الفلسطيني وتأسيس ما يسمى إسرائيل الكبرى . في المحصلة يبدو واضحا أن الغرب والصهيونية التي تحظى بدعم القوى الرأسمالية يريدونها فقط دولا ضعيفة غير متجانسة تستسلم دائما لإرادة الهيمنة ولأدبيات التطويع والإخضاع حتى إنهم دعموا مظاهر الخلل السلطوية التي تغيّب البدائل الواقعية لتطوير الحياة السياسية والاقتصادية للدولة الوطنية. على العكس تركوها تصارع الإكراهات الخارجية ومنطق التضييق المالي واقتصاد الأوامر الفوقية من قبل المؤسسات المانحة. وهي ضغوطات تمنعها من أن تستعيد دورها الاجتماعي ناهيك من دعمهم للفاسدين من الذين متّنوا الكارتيلات الحاكمة وعززوا نفوذهم. وبفعل معضلة الفساد تم ضرب بنية الدول من الداخل. كل ذلك كان يحدث دائما بدعم إقليمي وشحن غربي ضمن تضارب المصالح وأيديولوجية المحاور وخطوط التقسيم. ولا يُسمح إلى الآن بإعادة بناء جمهورية عربية يقلّ فيها حجم الفساد بعيدا عن الأحزاب الطائفية والمذهبية التي لا تبني دولا ولا تخدم شعبا. والتدخّلات الغربية بدافع المصالح التجارية والاستراتيجية وجنون الحرب على الموارد متواصلة في ظل تعقد الأوضاع الدولية بين روسيا والأطلسي وإمكانية نكوص مضاعف بعد عودة ترامب إلى السلطة. حيث من المرجح أن تتزايد الصراعات بين الأقطاب الكبرى: الصينوروسيا من جهة وأمريكا وأتباعها من الدول الغربية من جهة أخرى وكل ذلك على حساب الأمن والسلم الدوليين.