الألفاظ السوقية، والاختصار في الحديث، هي خطاب متصفحي الشبكة العنكبوتية، والتي صارت لها لغة خاصّة بها، خارجة عن اللغات الفصيحة وعن تلك العامية، أي لغة ثالثة دخلت مصطلحاتها وعباراتها قواميس الأطفال فأفسدتها، او هذا ما يراه البعض، مثل السيدة بهية التي أخبرتنا أنها لم تكتف بمنع بناتها الثلاث من الانترنات، بل إنها تخلصت من الحاسوب ككل، وتشرح لنا ذلك قائلة: "لي بنات في سن المراهقة، والانترنيت من شأنه أن يفسدهن، وللأسف، فعندما اشتريت الحاسوب ووصلته بالانترنات كنت احسب انه ليس إلاّ وسيلة للبحث والتنقيب، ولكنني شاهدت على إحدى القنوات التلفزيونية بعض المخاطر التي يمكن أن تشكلها الشبكة العنكبوتية على الأطفال، وخاصة البنات، فإلى جانب تلك المواقع التي تحتوي على صور فاضحة ومواقع أخرى بها صور دموية، بالإضافة إلى ذلك كله، فان لغتهم، وهو الأمر الذي لاحظته، تتغيّر، او تصبح غير مفهومة، بل إنهم يصبحون قليلي الكلام، إلا مع أصدقائهم على الانترنات، ويرون أن حديثنا العادي اليومي، صار حديثا تقليديا وجب استبداله بألفاظ وجمل أخرى، عادة ما تكون مختصرة، وبالتالي مبهمة وسطحية وفاسدة كذلك". غنية من جهتها، وهي أم لطفلين، 12 و13 سنة، منعت عنهما دخول الانترنات، إلاّ للضرورة القصوى، أي للدراسة لانجاز البحوث مثلا، وصارت لا تدعهما مع شاشة الحاسوب إلاّ دقائق معدودات، وعادة ما تكون إلى جانبهما في تلك اللحظات، أما مواقع الدردشة والمواقع الأخرى مثل "فايس بوك" وغيرها من التي يلتقون فيها بأصدقاء افتراضيين ويحدثونهم وراء الشاشة، وبالتالي يلتقطون ألفاظا وعبارات سوقية، وقد يرددونها في البيت، وهو ما لاحظته غنية التي تقول: "في البداية، أي عندما اشتريت حاسوباً، حسبت انه سيساعد أبنائي على التعلم، وبما في ذلك تعلم اللغات، وخاصّة اللغة الفرنسية التي أردت لهم أن يتقنوها جيدا، ولكنهم، بالعكس من ذلك ابتعدوا ليس عن اللغة الأجنبية فحسب، بل حتى على اللغة العربية، بل حتى عاميتهم تغيّرت واستبدلوا مصطلحاتها بعامية أخرى أكثر سوقية، وصاروا يختصرون في الحديث، كما لو كانوا يتعاملون بشفرات لا يفهمها إلاّ متصفحو الانترنات، فأدركت أن خطر تلك المواقع، او الانترنات ككل اكبر من فوائدها، فمنعت عنهم كل المواقع التي بإمكانهم أن يلتقوا فيها بأشخاص، يفسدون عليهم لغتهم". إن الإقبال بشكل غير علمي، او بشكل مفرط على الانترنيت، وخاصّة على مواقع الدردشة ، والتي يتفق فيها الزوار على لغة تكاد تشبه لغة الإشارات، بل حتى الأحاسيس يعبرون عنها بواسطة بعض الأشكال، أو الرسومات، إضافة إلى طريقة الاختصار، أي أنهم لا يكتبون الكلمة كاملة ولكن بعضها، وعلى المتلقي أن يفهم الباقي، وهناك ظاهرة المزج بين العربية مثلا والفرنسية، حيث يكتبون العربية بحروف لاتينية، وهو الأمر الذي يفقدهم الاثنين معا، ويجعل كل شيء عندهم يفهم بالتعابير المختصرة المشوهة.