أدى الكشف عن سلسة من الفضائح المالية تورط فيها أعضاء من الحكومة الفرنسية إلى استقالة وزيرين ينتميان إلى الأغلبية اليمينية الحاكمة. إلا أن المعارضة وصفت استقالة الوزيرين بأنها »مناورة غير كافية«، في وقت تفيد فيه آخر استطلاعات الرأي بأن 64 بالمائة من الفرنسيين يعتبرون قادتهم السياسيين »فاسدين«. وكانت الرئاسة الفرنسية أعلنت استقالة وزير التعاون آلان جويانديه والوزير المكلف بتوسيع منطقة العاصمة باريس كريسيان بلان، اللذين اضطرا لمغادرة الحكومة بعد نشر وثائق تثبت إهدارهما للمال العام، واستغلال أحدهما لنفوذه للحصول على مكاسب غير مشروعة. فقد كشفت أسبوعية لوكانار أنشينيه، منتصف جوان الماضي، أن جويانديه -الذي ينتمي للحزب الحاكم (الاتحاد من أجل حركة شعبية) قد استصدر من إحدى البلديات التي يترأسها عمدة من تنظيمه السياسي، ترخيصا مخالفا للقانون بتوسيع منزل اشتراه في منطقة سياحية تقع على الساحل المتوسطي للبلاد. كما كشفت الجريدة نفسها أن الوزير المستقيل صرف أكثر من 116 ألف أورو لاستئجار طائرة خاصة لنقله في مهمة رسمية إلى جزيرة المارتينيك الواقعة في بحر الكاريبي. أما كريسيان بلان فأودى به ولعه بالسجائر الفاخرة. فقد أفادت الصحيفة بأنه أنفق 12 ألف أورو من المال العام لشراء كمية من السيجار الكوبي. وقد نقل في وقت سابق عن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قوله إن سلوك الوزيرين »غير مقبول«، باعتباره يضر بصورة الحكومة التي تسعى إلى تطبيق سياسة تقشف تدريجية، في بلد ما زال يعاني من تبعات الأزمة الاقتصادية. بيد أن هاتين الاستقالتين قد لا تكفيان لاستعادة ثقة الجمهور المحلي. فلئن كان الناطق باسم الحزب الحاكم دومينيك باييه يرى أن »خروج الرجلين أعاد الأمور إلى نصابها«، فإن المعارضة ترى في انسحاب جويانديه وبلان »مناورة سياسية« هدفها إنقاذ وزير العمل أريك فويرث الذي يشتبه بتورطه في قضية »تنازع مصالح«. فقد كان فويرث وزيرا للموازنة في 2007 حينما تم توظيف زوجته في مكتب مالي يدير جزءا من ممتلكات ليليان بيتانكور وريثة شركة لوريال العملاقة لمستحضرات التجميل. ويترأس فويرث -الذي يعد واحدا من أقطاب الحكومة- قسم المحاسبة في الحزب الحاكم، كما أنه يشرف على مشروع إصلاح نظام التقاعد الذي يرغب ساركوزي في دفع البرلمان للمصادقة عليه قبل نهاية السنة الجارية. وقد كشف موقع ميديا بارت الفرنسي منذ أسبوعين أن بيتانكور أودعت جزءا من ثروتها الطائلة في حسابات أجنبية دون علم مصلحة الضرائب الفرنسية. لكن فويرث ليس سوى حلقة مما تسميه بعض الصحف المحلية »مسلسل الفضائح«. فقد أفادت وسائل إعلام فرنسية بأن وزير الصناعة كريسيان إستروزي والوزيرة المكلفة بالسياسة الحضرية فضيلة عمارة قاما بوضع مسكنيهما الوظيفيين تحت تصرف أفراد من عائلتيهما. كما كشف الإعلام الفرنسي صرف وزيرة الرياضة راما ياد لمبالغ طائلة من خزينة الدولة على أسفارها خارج البلاد. واعتبرت ماري آن مونشان الناطقة باسم حزب الجمهورية المتضامنة -الذي أسسه مؤخرا رئيس الوزراء السابق دومينيك دوفيلبان- أن »هذا الوضع غير المسبوق يستلزم تغييرا جذريا وعاجلا في الجهاز الحكومي«. وأكدت أن استقالة الوزيرين »غير كافية« لبعث الثقة في قلوب الفرنسيين الذين سقطت الحكومة الحالية من أعينهم. فقد أفادت نتائج استطلاع رأي نشرتها الاثنين يومية ليبراسيون المحلية بأن 64 بالمائة من مواطني البلاد يعتبرون قادتهم السياسيين »فاسدين«. وأوضحت الصحيفة أن هذه النسبة ترتفع في الأوساط الشعبية إلى 75 بالمائة. وخلصت الجريدة اليسارية إلى أن استشراء الفساد في النخبة الحاكمة يتنافى مع »الجمهورية الفاضلة« التي بشر بها الرئيس ساركوزي أثناء حملته الانتخابية في 2007.