عمالة الأطفال والدعارة والهجرة غير المشروعة وتزويج القاصرات هذه القضايا توضع تحت عنوان واحد أصبحنا نسمعه كثيرا هذه الأيام وهو »الاتجار بالبشر«، وهي جريمة كبرى تشهدها معظم دول العالم ولكنها بدأت تظهر في بعض الدول العربية والإسلامية مما يشكل ظاهرة خطيرة على مجتمعاتنا التي تدين بالإسلام الذي حارب كل مظاهر الاتجار بالبشر، فالشريعة الإسلامية جاءت لتحرم تلك الجرائم التي تهدد أمن المجتمع المسلم وتعاقب مرتكبيها بحد الحرابة. وكانت بعض مجتمعاتنا العربية الإسلامية قد شهدت في الآونة الأخيرة صدور أحكام بالسجن على عدد من المتهمين بارتكاب جرائم تحت عنوان »الاتجار بالبشر« يؤكد الشيخ محمود عاشور - وكيل الأزهر الأسبق- أن تجارة البشر أو الرق كانت موجودة قبل الإسلام وجاء الإسلام وقضى عليها تماما وجعل عتق الرقبة من الأشياء التي يثاب عليها الإنسان وفي ميزان حسناته عند الله، وكثير من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم اعتقوا رقابا في بداية عصر الإسلام، فبلال الحبشي أعتقه سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يقول: »بلال سيدنا واعتقه سيدنا« وصار بلال سيدا في الإسلام شأنه شأن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وجعل الإسلام تحرير العبيد من الكفارات جميعا فمن أفطر في رمضان فعليه عتق رقبة ومن حلف كذبا ومن قتل خطأ فعليه عتق رقبة وكذلك من أتى زوجته في نهار رمضان عمدا، والإسلام وسع منافذ العتق حتى يقضي على الرق ويحرر العبيد. تحريم بيع الأعضاء وأضاف: الناس يدخلون الإسلام من باب لا إله إلا الله والذي يقولها يعلن للعالم أنه لن يذل ويخضع ويركع ويسجد إلا لله سبحانه وتعالى، وجعل الدخول في الإسلام من باب الحرية التي تحرر رقاب الناس جميعا من ذل واستعباد البشر ومن ظلم الإنسان لأخيه الإنسان وحرم وجرم ومنع الاتجار والبيع والشراء في البشر. والإسلام منع وجرم وحرم بيع الأعضاء البشرية أيا كانت الظروف فلا يجوز شرعا الاتجار فيها وإنما تكون هبة أو تبرعا بلا مقابل مادي لأن هذا تكريم للإنسان وإعلاء لقدره ورفع لشأنه والإنسان لا يملك نفسه فهو ملك لله ولا يستطيع أن يتصرف في ملك الله وقال عز وجل: »ولقد كرمنا بني آدم »فلا ينبغي أن يمتهن الإنسان ويباع ويشترى مثل الأنعام وإنما جعله الإسلام مصونا مقدسا حيث قال تعالى: »إنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا«. جريمة كبرى يقول الدكتور أحمد طه ريان -أستاذ الفقه بجامعة الأزهر- إن النبي صلى الله عليه وسلم وضع مجموعة من التشريعات للحد من انتشار التجارة في الإنسان، بحيث لم يبق لها إلا منفذا واحدا هو أسرى الحروب، والتجارة في البشر جريمة كبرى وأخطرها على المجتمع المسلم الدعارة وهي أشد أنواع البلاء حتى جريمة القتل أخف من جريمة الزنا لأن جريمة القتل يكفي في ثبوتها شهادة رجلين عدلين، أما الشهادة على الزنا فلابد من أربعة شهود عدول ولأن جريمة القتل محصورة في الشخصين القاتل والمقتول، أما الزنا فتلحق آثاره بالأسرة والعائلة والقبيلة مثل قصة المرأة الغامدية التي زنت وكانت من قبيلة غامد وماعز الأسلمي الذي زنا ورجم حتى الموت نسبت هذه الجريمة إلى قبيلته أسلم. ومن شدة جرم الدعارة سماها القرآن الفاحشة وجاء ذكرها في سورة الأنعام بعد القتل قال تعالى: »قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون«. وقال الله تعالى »ولا تقربوا الفواحش« لأن جريمة الزنا فاضحة ومشينة وتشهر بالأسرة والقبيلة وإذا كان ارتكاب جريمة الزنا من أشد الجرائم عند العرب إذا ارتكبتها امرأة واحدة فما بالنا إذا ارتكبتها المرأة مع أكثر من رجل وبانتظام فسوف تشيع الفاحشة. وطالب الدكتور ريان كل حاكم ومسؤول ومسلم أن يحارب هذه الجرائم. مشترك في الجريمة ويقول الشيخ عادل أبو العباس -من علماء الأزهر- إن الإسلام الحنيف اهتم بمكافحة الجريمة وجعلها من أولويات شريعته وبين أنه ما سن الحدود في الإسلام إلا من أجل محاربته للجرائم بشتى أنواعها وهو يعلم مقدما أنه لا يستطيع القضاء على الجريمة كلية وإنما أراد أن يضيق عليها الخناق لأن الجريمة ستقع حتما في أرض الله بسبب طبيعة بعض النفوس الشريرة التي تصل بها درجة الجريمة إلى المرض النفسي لأنها تتلذذ بارتكابها لهذه الموبقات، ومعلوم أن الحدود في الإسلام نواه تنهي مرتكبها فهو يفكر في المصير الذي ينتظره قبل أن يقع فيها من خلال العقوبة المقدرة التي كفلتها الشريعة الإسلامية عند ارتكاب الجريمة. وأضاف: التجارة في البشر سببها تقليد المجتمعات الغربية التي لا تحتكم إلى دين وليس لها هدف إلا الجانب المادي حتى ولو كان على حساب الإنسان بوصفه أصبح من السلع التي تباع وتشترى، والإسلام حذرنا من تقليد الآخر أو المعاونة معه مصداقا لقوله تعالى: »ولا تعاونوا على الإثم والعدوان« لأن كل من شارك في هذه الجرائم من تسهيل في إجراءات أو سماح بسفر هؤلاء الأطفال المختطفين أو تيسير لممارسة الدعارة هو مشترك في الجريمة وعليه العقوبة. وقال: »إذا أردنا أن نضيق الخناق على هذه الجرائم ينبغي أولا العودة إلى دراسة التربية الإسلامية من بداية مستوى رياض الأطفال إلى نهاية الجامعة لأنه منذ أن أهملنا هذه المادة ضاع الوازع الديني وإلا ماذا ننتظر من إنسان لا يعرف شيئا عن دينه؟ وهناك دور كبير على أئمة المساجد وأصحاب الفكر والثقافة في مواجهة الفكر العلماني الذي يريد أن يفصل الدين عن واقع الحياة وأن يضع الأمور في غير موضعها لأنه فكر يقوم على العبث ويفرح عندما تشيع الفاحشة في الذين آمنوا. أكبر تهديد يحذر الدكتور محمود عنان -أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة حلوان- من خطورة ظاهرة الاتجار بالبشر، خاصة استغلال الأطفال وزواج القاصرات، حيث تؤثر هذه الجرائم على الشخصية وتطورها، خاصة عندما يتعرض الأطفال لهذه الجرائم وهم في سن صغيرة وتصبح هذه الجرائم أكبر تهديد على أمن وصحة الإنسان الذي يتعرض لها، لذا وجب التصدي لمثل هذه الظاهرة التي تشكل خطرا على المجتمع.