قبل أن تنطلق بطولة كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها حالياً جنوب أفريقيا واقتربت من أن تصل إلى مرحلتها الأخيرة بإقامة المباراة النهائية بين هولندا وإسبانيا يوم الأحد القادم، لم يدر في خلد أي أحد أن البطولة التي تقام لأول مرة في أفريقيا ستكون مليئة باللحظات التاريخية والحاسمة التي أثرت في شكل المنافسة على لقبها وجعلتها بطولة تاريخية يصعب نسيانها ليست فقط لأنها امتلأت بالمفاجآت التي كانت أبرزها خروج حامل اللقب والوصيف والدولة المنظمة خالين الوفاض من الدور الأول، بل لأننا أيضاً عايشنا خلالها العديد من الأحداث واللحظات الفاصلة التي قلما ما تكرر مرة أخرى في بطولات كأس العالم الأمر الذي جعل المونديال الإفريقي وبحق أحد أكثر بطولات كأس العالم إثارة للجدل. وقبل أن نتحدث عن أهم الأحداث المؤثرة التي شاهدناها وعايشناها في المونديال لابد وأن نذكر أن هذه الأحداث أثرت بشكل كبير على المنافسة وغيرت من نتائج مباريات وأخرجت منتخبات من الدور الأول ودفعت بمنتخبات أخرى إلى الأدوار النهائية، مواقف لم تستغرق سوى ثواني معدودة ولكنها ستظل خالدة في ذاكرة المونديال. وداع حزين لأصحاب الأرض ونبدأ هذه الأحداث بالمباراة الافتتاحية بين جنوب أفريقيا البلد المنظم والمكسيك، والتي انتهت بالتعادل الإيجابي بهدف لكلا الفريقين، فقد ظل التعادل هو سيد الموقف في المباراة حتى الدقيقة الأخيرة عندما وصلت الكرة إلى المهاجم كاتليغو مفيلا الذي انفرد تماماً وتخطى مدافعي المكسيك ثم سدد الكرة في المرمى ولكنها ارتدت من القائم الأيمن بغرابة شديدة وسط متابعة وذهول كل من في الملعب لتخرج جنوب إفريقيا متعادلة وتفقد فوزاً مستحقاً كان بإمكانه أن يدفعها إلى الدور الثاني ولكنها تعادلت فضاعت منها نقطتين ثمينتين كانتا كفيلتان بأن تتأهل جنوب إفريقيا إلى الدور الثاني. الديوك أرانب نستمر مع المجموعة الأولى وتحديداً مع الديوك الفرنسية التي شهدت مباراتهم الأولى أمام أوروغواي إضاعة سيدني غوفو لفرصة حقيقية للتقدم في الدقيقة السابعة عندما توغل ريبيري من الجانب الأيسر وأهدى تمريرة حريرية رائعة إلى غوفو المنفرد تماماً بالمرمى فوضعها الأخير بغرابة بالغة في جسد الحارس الأوروغواياني موسليرا لتضيع فرصة التقدم على الديوك، والسؤال الذي فرض نفسه بعد ذلك ماذا لو أحرز غوفو هذه الفرصة وتقدمت فرنسا هل كان سيتغير مشوارها في المونديال؟ هل كان هذا الهدف سيدفع الفرنسيين للاستفاقة واستعادة التوازن والدخول سريعاً في أجواء المونديال؟ أم أن عوامل الانهزام وأسباب الانهيار كانت كثيرة جداً وأقوى من أي محاولة لحفظ ماء وجه الديوك في هذا المونديال. النسور ترفض التحليق وبعيداً عن المجموعة الأولى فإن المجموعة الثانية وبحق كانت مجموعة المتناقضات بسبب ما شهدته من نتائج غريبة فباستثناء المنتخب الأرجنتيني الذي حجز مقعده في الدور الثاني مبكراً فإن النسور النيجيرية ظلت هي الأقرب للحصول على المركز الثاني حتى اللحظات الأخيرة من مباراتها مع كوريا الجنوبية في المرحلة الثالثة الأخيرة من مباريات المجموعة الثانية على الرغم من أن النيجيريين كانوا قد لقوا هزيمتين متتاليتين أمام الأرجنتين (0-1) واليونان (1-2)، والسر في ذلك أن النسور خسرت من الأرجنتين بفارق هدف فقط في الوقت الذي نال فيه الكوريون خسارة قاسية برباعية من راقصي التانغو، بعد البداية الرائعة لهم بالفوز على اليونان بطلة أوروبا السابقة بهدفين دون رد في افتتاح مباريات المجموعة. كل هذه النتائج جعلت حظوظ المنتخب النيجيري كبيرة للتأهل إلى الدور الثاني وكان ينقصهم فقط الفوز بفارق هدف على المنتخب الكوري، ولكن للأسف أضاع النيجيريون كل الفرص الممكنة للتأهل وستظل الفرصة التي لاحت لمهاجم إيفرتون الإنجليزي ياكوبو إيجيبيني في الدقيقة 67 من مباراة منتخب بلاده أمام كوريا الجنوبية عالقة في الأذهان. إنجلترا وصدمة غرين وخطأ شاوشي عندما استهل المنتخب الإنجليزي مواجهاته في المونديال بلقاء أمريكا في الجولة الأولى لم يكن مستواه سيئاً على الإطلاق بل على العكس كانت بدايته قوية بل ونارية ومبشرة بالخير. ففي الدقيقة الرابعة ومن سلسلة تمريرات قصيرة وسريعة على حدود منطقة الجزاء الأمريكية وصلت الكرة إلى جيرارد الذي سددها أرضية رائعة ذهبت لتحتضن الشباك وتعلن أن المنتخب الإنجليزي جاء ليذهب بعيداً في البطولة ويعيد أمجاد مونديال عام 1966، ولكن هيهات، فقبل نهاية الشوط الأول أطلق ديمبسي تسديدة بالغة الضعف في وسط المرمى، ولكنها وعكس أي توقعات اصطدمت بيد غرين ودخلت الشباك ليشعر المنتخب الإنجليزي وقتها وكأنه مثل الطائرة النفاثة التي تحلق بأقصى سرعة إلى السماء العالية ولكنها فجأة ودون أي مقدمات تصاب بعطل مفاجئ يهوى بها بقوة وبقسوة إلى الأرض، كان هذا تماماً هو حال المنتخب الإنجليزي فمنذ الدقيقة 39 من مباراته أمام أمريكا وبالذهاب إلى منتخبنا الوطني ممثل العرب الوحيد في المونديال، نجد أنه هو الآخر تعرض إلى هفوة قاتلة من الحارس شاوشي عندما أخفق في التصدي لتسديدة روبرت كورين السهلة في الدقيقة 79 أمام سلوفينيا ليخسر منتخبنا المباراة. خسر »الخضر« المباراة الأكثر سهولة لها في المجموعة ثم عاد محاربو الصحراء وفرضوا التعادل على المنتخب الإنجليزي المنهار، وقتها شعر الجميع بفداحة خطأ شاوشي لأنه ببساطة كان من الممكن للمنتخب الجزائري أن يدخل مواجهة أمريكا وفي جعبته نقطتين، وقتها كان سيكفي المنتخب الجزائري الفوز بهدف واحد فقط ليعلن تأهله وبقوة إلى الدور الثاني. الأخطاء التحكيمية القاتلة لعب الحكام دوراً بالغ الغرابة في هذه البطولة ويمكن القول أن الحكام هم الأبطال الحقيقيون للمونديال وكيف لا.. وقد تدخل عدد منهم بتغيير العديد من نتائج المباريات الهامة في أدوار البطولة المختلفة بسبب قراراتهم العكسية الخاطئة وتقصيرهم في الحكم على العديد من الكرات السهلة، وكانت صدمة حقيقية للجميع أن يكون هذا هو المستوى الحقيقي لخيرة حكام العالم، الذين أمضى الفيفا وقتاً طويلاً في إعدادهم وتأهيلهم من أجل الظهور بشكل جيد في البطولة والارتقاء إلى مستوى المنافسات وشراستها، فقد ارتكب عدد كبير من »قضاة الملاعب« أخطاءً يصعب تصديقها حتى في ظل إصرار الفيفا على عدم الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في الاحتكام لبعض القرارات المصيرية أثناء المباريات. والمثير للدهشة أن هذه القرارات الخاطئة بدت وكأنها هي سمة المونديال الحقيقة فقد استمرت منذ الدور الأول وحتى الأدوار النهائية. ففي الدور الأول وأثناء مباراة أمريكا وسلوفينيا وفي الدقيقة 86 سجل البديل إيدو هدف التقدم للمنتخب الأمريكي بعد أن كان المنتخبان متعادلان (2-2)، ولكن وبدون أي سبب تدخل الحكم المالي كوليبالي كومان وقام بإلغاء الهدف وسط ذهول الجميع وفي مقدمتهم لاعبي المنتخب السلوفيني، ويكفي أن نقول أنه وحتى الآن احتار جميع خبراء التحكيم في العالم في توضيح ما هو السبب الحقيقي لإلغاء الهدف، ووصف الجميع قرار كوليبالي بأنه أحد أغرب القرارات التحكيمية في تاريخ المونديال وأكثرها إبهاماً. موقف أكثر إثارة للجدل نذهب لموقف أكثر إثارة للجدل حدث في لقاء البرازيل وكوت ديفوار في الجولة الثانية من مباريات المجموعة السابعة، وتحديداً في الدقيقة 50 عندما تمكن لويس فابيانو من إحراز الهدف الثاني للمنتخب البرازيلي في وقت كانت الأفيال هي الأفضل فيه وكانت قريبة من إدراك التعادل، وتقبل كل من في الملعب تقدم البرازيليين وإحرازهم للهدف الثاني بل واعتبروا أن الهدف الثاني هو مهارة برازيلية خالصة من مهاجم إشبيليه لويس فابيانو الذي سيطر على الكرة برشاقة وخفة بين عدد من مدافعي كوت ديفوار ولكن جاءت الإعادة التلفزيونية لتصدم الجميع بعد أن أوضحت أن فابيانو قد سيطر على الكرة بواسطة ذراعه وأن القرار الصحيح هو إلغاء الهدف واحتساب الكرة لمسة يد على لويس فابيانو. وتحول استياء الجماهير إلى صدمة وغضب عارم تجاه الحكم الفرنسي ستيفان لانوي الذي رصدته الكاميرات أثناء اللقاء وهو يقوم بحوار »باسم وودي« مع فابيانو ويشير له أنه سجل الهدف بيده.. تغاضى الحكم عن إلغاء هدف غير صحيح للبرازيل ليقضي على أحلام الإيفواريين بالذهاب بعيدا في البطولة. جيان أبكى أفريقيا مهما تحدثنا عن كل اللحظات الفاصلة والهامة في المونديال الحالي فلن ننسى أبداً أهم تلك اللحظات وأصعبها على نفس الأفارقة جميعاً وليس المنتخب الغاني فقط، هذه اللحظة الذي أضاع فيها المهاجم جيان أسامواه ركلة الجزاء التي حصل عليها المنتخب الغاني في الدقيقة 120 من مواجهته أمام أوروغواي في ربع النهائي، تلك اللحظة التي كانت بحق فارقة بين خروج معتاد للأفارقة من الدور ربع النهائي وبين تأهل تاريخي لأول منتخب أفريقي ليصبح في مصاف الأربعة الكبار، تمنت أفريقيا كلها وليست غانا فقط حدوث هذا الإنجاز ليتسق مع أول تنظيم أفريقي للمونديال، ويؤكد على أن المنتخبات الأفريقية اقتربت بشدة من العالمية ومن أن تقبض على أول لقب في تاريخها لكأس العالم. هيأ الجميع نفسه لتلك اللحظة الحاسمة، ولكن جاء جيان ليصدم الجميع ويوقظهم من حلم جميل استمر لثواني معدودة عندما أهدر ركلة الجزاء وسددها بقوة وغرابة في العارضة، وقتها شعر جميع الأفارقة والمتعاطفون مع المنتخب الغاني بخيبة أمل شديدة فقد انتظر الجميع هذا الإنجاز بترقب وشغف كبير طيلة عشرين عاماً، وتحديداً منذ أول تأهل لمنتخب أفريقي إلى الدور ربع النهائي عندما خسرت الكاميرون أمام انجلترا في ربع النهائي (2-3) مروراً بخسارة مماثلة للسنغال أمام تركيا في الدور ذاته بهدف ذهبي في مونديال 2002. لم تكن لحظة تضييع جيان لركلة الجزاء هي آخر اللحظات الحاسمة أو الهامة في المونديال، ولكن كانت وبلا شك أصعبها وأكثرها إثارة، لحظة سيصعب نسيانها لسنوات طويلة ويمكن القول إنها ستخلد للأبد في ذاكرة بطولات كأس العالم لكرة القدم.