هي مهنة تفضلها الكثيرات، وبعد أن كانت مقتصرة في الماضي على العجائز اللواتي لا تخلو الحمامات التقليدية منهن، هاهي اليوم تنتقل إلى السيدات وحتى إلى الشابات اللواتي يفضلنها عن المهن الأخرى، لأنها تسمح لهن بالمكوث في مكان واحد دون أن يتعرضن إلى نظرات الناس التي لا ترحم، حيث تقضي (الكياسة) ساعات طويلة داخل غرفة الغسيل تتنقل بين سيدة وأخرى لمساعدتهن على الاستحمام وبالتالي كسب بعض النقود، ويتلخص عمل (طيابة الحمام) في المكوث طويلا في غرفة الاستحمام من أجل كسب عدد كبير من الزبونات لمضاعفة أجرها، خصوصا إذا كان أجرها مرتبط مع عدد السيدات اللواتي ساعدتهن على الاستحمام، فطيابة الحمام لما تبدأ عملها بحمام فهي لا تتقاضى أجرا شهريا من ربة العمل أو صاحبة الحمام، وإنما تحصل على المال من خلال بذل مجهود كبير في مساعدة السيدات على الاستحمام والتدليك· وللوقوف أكثر على الأمر قمنا بزيارة لأحد الحمامات بعين النعجة، حيث التقينا بكل من السيدة (خ· ل) والآنسة لامية، لمعرفة المزيد عن أجواء وظروف عملهما وعن معاناتهما اليومية مع هذه المهنة الخطيرة· تقول السيدة (خ· ل) إنها تقوم بهذه المهنة منذ عشر سنوات، وبالضبط منذ أن انفصلت عن زوجها، فهي أم لثلاثة أطفال حرمت من حق السكن بعد طلاقها، لتعود إلى بيت أهلها بعد ذلك، غير أن نظرة المجتمع وألسنة الناس لا ترحم، وهو ما اضطرها إلى اتخاذ قرار العمل، خاصة وأن والدها غير قادر على إعالتها هي وأطفالها، وبعد بحث طويل عن مهنة شريفة تكسب بها لقمة عيش أولادها لم تجد أمامها سوى العمل ك(طيابة) بأحد الحمامات التقليدية، التي ترددت في بادئ الأمر عن القبول بها، غير أنها غيرت رأيها لما فكرت في مستقبل أبنائها، معرضة صحتها للخطر في سبيل تحقيق مطالب أبنائها الثلاثة، فهي تقضي قرابة الست ساعات داخل غرفة الغسيل، تتنقل بين امرأة وأخرى حيث لا تشعر بمرور الوقت إلا بعد أن ينال منها التعب، لتضيف أنه بعد عشر سنوات من العمل لم تحصد سوى الألم والأمراض المختلفة، فهي الآن تعاني من آلام حادة على مستوى كتفها الأيمن، وبعد زيارتها لطبيب العظام والمفاصل، أخبرها بأنها تعاني من الروماتيزم حيث نصحها بترك العمل، غير أنها غير قادرة على تركه الآن خصوصا وأن أحد أولادها سيجتاز امتحان البكالوريا هذا العام وهو بحاجة للكثير من المصاريف· زميلتها الآنسة لامية، 25 سنة، هي كذلك تشتغل بنفس الحمام منذ تسعة شهور، حكت لنا عن كيفية اختيارها لهذه المهنة بالذات، تقول وجدت نفسي أعمل بهذا الحمام بعدما تعرض والدي إلى مرض جعل منه مقعدا وطريح الفراش، وبحكم أنني الكبرى في إخوتي، وأمي لا يمكنها ترك والدي والخروج للعمل، قررت ولوج عالم عمل الحمامات من أجل توفير المال الكافي لإعالة أسرتي وتوفير الدواء لوالدي، فمن هنا انطلقت رحلتي في هذا العمل الذي لا يكسبك الكثير بقدر ما يأخذ منك من الجهد ويعرض صحتك للخطر، فهي تعرضت إلى أزمة تنفسية حادة تسببت في إصابتها بمرض الربو نتيجة تعرضها المستمر للحرارة والبخار، كما أنها تعاني من آلام في الظهر لاستعمالها لمجهود عضلي كبير ل(تكييس ظهور) النسوة على حد تعبيرها، لتضيف أن هذا العمل لا يمثل خطرا على الصحة فقط، فأنت معرض لفقدان عملك إذا ما تشاجرت مع صاحبة الحمام أو إحدى الزميلات، فلا صحتك تبقى كما هي، ولا الدخل جيد، فكل من أرادت العمل بهذه المهنة عليها أن تعرف جيدا أنها ستخسر الكثير سواء من صحتها أو من جهدها· ومن أجل معرفة المزيد عن الأمر قمنا بزيارة لمصلحة الاستعجالات لمستشفى (مصطفى باشا الجامعي)، حيث كان لنا حديث مع إحدى طبيبات المصلحة السيدة (ش· س) حول التأثيرات غير الصحية المصاحبة لمهنة (طيابة الحمام) من خلال مكوثهن لفترات طويلة في الماء والحرارة المرتفعة، لتقول لنا إن من أكثر ما تتعرض له هذه السيدات هو إصابتهن بأمراض القلب وضغط الدم والروماتيزم، بالإضافة إلى الأمراض التنفسية الخطيرة كالالتهاب الشعبي الحاد والربو، غير أن أمراض القلب والروماتيزم هي الشائعة في أوساط هاته السيدات نظرا لتعرضهن للحرارة المرتفعة وبذلهن الكثير من الجهد العضلي، فنحن بدورنا ننصح كل من تأتي إلينا وتكون معرضة لخطر الإصابة بهذه الأمراض أن تقي وتحمي نفسها من التعرض لمثل هذه العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى مضاعفات خطيرة·