احتضنت دار الشباب (حسن الحسني) بالبروافية في المدية نهاية الأسبوع الماضي لقاء ضمّ ثلّة من المجاهدين الذين لعبوا دورا هامّا في جهاز الاستخبارات والمعلومات خلال الثورة التحريرية، والذي كان له دور فعّال في مواجهة ذات المصالح المتطوّرة للعدو الفرنسي مع كشف مخطّطاته الموصوفة بالسرّية التامّة والوصول إلى أهدافه الرّامية إلى القضاء على الثورة في مراحلها الأولى، منوّها برسالة شهداء الإشارة الذين قدّموا خدمات جليلة للثورة وكلّ واحد منهم كان يحمل سلاحا للقتال وآخر للإرسال لدعم الثورة، وأن سلاح الإشارة كان يتمّ في ظروف وصفها بالصّعبة جدّا لدعم الوحدات العسكرية سياسيا ودبلوماسيا ومعنويا. يعود الفضل في تنشيط جهاز الإشارة إلى المجاهد عبد الحفيظ بوصوف المدعو أثناء الثورة ب (سي المبروك) منذ 1956 بالولاية الخامسة، في ظلّ النّقص الكبير في الإطارات المكوّنة بالولاية الخامسة والمنعدم تماما في باقي الولايات الحربية الأخرى، خاصّة في مناطق الشرق حتى عام 1959 حينما انتقل عمّار بوفلاز العسكري إلى الشرق، حيث تمّت عملية توحيد شبكة الإشارة والشفرة بفضل جهود أمحمد ثليجي ممثّل (سي المبروك). ومن بين أهمّ أسباب التفكير في إدخال الإشارة منتصف 1956 تصريح السفّاح (لاكوست) بضرورة القضاء على المتمرّدين والخارجين عن القانون ضمن مخطّطه (ربع الساعة الأخير)، لهذا تكوّنت أوّل مدرسة لتكوين شباب في هذا الجهاز الفعّال بعد عزم طلبة المرحلة الثانوية وبعض الجامعيين على مغادرة كراسيهم الدراسية والالتحاق بالجبل في 19/5/1956، أين تمّ اختيار 30 منهم في التخصّصات العلمية. وتواصلت عمليات التكوين لمدّة شهر فقط، والذي وصفه المحاضر برقم قياسي لا مثيل له في تاريخ التكوين في مثل هذا التخصّص، وبهذا أضاف تمكّن هؤلاء الطلبة من تكوين أوّل شبكة اتّصالية لملاحقة العدو على محيط بثّ يبلغ نحو 13 كلم مربّعا، كانت تمتدّ من مغنية إلى الغزوات ثمّ مرسى بن مهيدي، وقد كانت تحت إشراف المرحوم سي الحنصالي، لتنتشر بعد ذلك في بعض المناطق الشرقية، وهكذا اتّسعت رقعة المواصلات بإنشاء عشرات المحطّات تنصيبا وتركيبا وصيانة من قِبل مجاهدين جزائريين. في ذات السياق، أشار المتحدّث إلى إحداث إذاعة حرّة ناطقة باسم جبهة التحرير الوطني تبثّ أخبارا عسكرية وسياسية من طرف المذيعين المرحوم بن الشيخ الحسين وبالعيد عبد السلام أطال اللّه في عمره. وحسب المجاهد منصور بوداود فإن الخطوة الهامّة في البثّ الإذاعي خلال ثورة التحرير تتمثّل في النشرة المسائية من إذاعة (صوت الجزائر يخاطبكم من قلب الجزائر) بصوت عيسى مسعودي الذي خدم الثورة بنسبة 50 في المائة، حسب الرّاحل هواري بومدين. وبالموازاة اهتمّ المجاهدون بالولاية الخامسة منذ 1957 وفي سرّية تامّة بتركيب محطّات التنصّت على مختلف اتّصالات العدو، وذلك في السرّية القصوى والكتمان وهذا بعد أن دشّن بوصوف المحطّة الأولى بوجدة 1957، والذي قال حسب ما جاء في مداخلة منصور بوداود (إن الحائط له أذنان، حذار أن يطلع العدو على وجودكم، وأنكم ستطلعون بعملكم هذا على أسراره من أجل المصلحة العامّة، وستعملون في ظروف سرّية للغاية)، ليشير الحاضر في سياق معلوماته قائلا: (عندما كنت أستمع إلى النّشرة المسائية اليومية حول العمليات العسكرية بمستغانم المرسلة إلى رئاسة الحكومة الفرنسية بباريس بسرعة مدهشة، ويقول المراسل لصاحبه في باريس لا داعي لأن توقفوا، سأعيد إرسالها ثانية إلى فلاّفة جبهة التحرير، وفي هذه اللّحظة أتى رئيس المركز سي امحمد بن شاعو طالبا منّي غلق جهاز الرّاديو. لنبدأ -أضاف- الجلسة مع سي المبروك، والذي ذلب منّي أن أقول معلومة لها أهمّية عندنا: واصلوا الجهد إلى أقصى، وهكذا تمكّنت الثورة التحريرية من دخول قلعة أسرار العدو الفرنسي وبوسائل اتّصالات بسيطة للغاية مقارنة بمثيلتها عند الطرف الآخر).