لايزال سيناريو الردم تحت الصفيح أو الإسمنت شبحا يحدق بهؤلاء الذين لم تنصفهم الحياة، فالمرارة والقسوة كانت مضمونها والحرمان عنوانها ولا يجد هؤلاء الإجابة عن كل ما يجول بداخل الأذهان، هي أسئلة بدون أجوبة، نعم إنها رسالة بلا عنوان كتبت كلماتها ما بين الأسطر أين لا يستطيع قراءتها إلا أصحابها أو من كان له الفضول الكبير للتقرب من مساكنهم والاحتكاك بهم والإلمام بواقعهم المر، حيث أصبح خطر الموت يحدق من كل زاوية بتلك البيوت القصديرية المغطاة بالصفائح الحديدية. وفي الوقت الذي كثر فيه الجدال في البحث عن الحلول التي بقيت معلقة وأخذت منعطف المد والجزر من أجل الرحيل وإيجاد البديل لهؤلاء القاطنين بحي الكروش بمدينة الرغاية التي تحمل بأطرافها (جمهورية القصدير)، إذ لا يخلو أي مدخل من مداخل وأطراف المدينة إلا وتجده محاطاً ببيوت القصدير، هذا المنظر الذي وضع بصمته على كل بلديات الجزائر العاصمة دون استثناء، وفي هذا الصدد ارتأينا أن نسلط الضوء على إحدى الواجهات، حيث لا يزال مطلب القاطنين ببلدية الرغاية متواصلاً من أجل ترحيلهم إلى سكنات لائقة تضع حدا لمعاناتهم وانتشالهم من واقع البيوت تحت الصفيح المرير شكلت عناوين عريضة لما تكابده مئات العائلات الساكنة بهذا الحي، أين تنتظر هذه العائلات مصيرا مجهولا في ظل الوضعية الحرجة التي آلت إليها أكواخهم مما جعلهم يعيشون حالة من التوجس والقلق مصاحبين ليومياتهم بشكل دائم نتيجة للانهيارات المتتالية للصفيح. وفي إحدى خرجاتنا الميدانية التي قادتنا إلى المنطقة وككل مرة أين تعودنا على التواجد في مثل هذه الأماكن من أجل إيصال صوت هؤلاء إلى الجهات المعنية عن تلك الظروف المعيشية المزرية التي تفتقد لأدنى ضروريات الحياة والعيش الكريم والأمن، هذه الحالة الاجتماعية التي يقول عنها السكان بأنها تجسد مظاهر الحرمان والتهميش المفروضة عليهم منذ سنوات دون أن تحرك السلطات الوصية ساكنا تجاه المعاناة الكبيرة التي يتخبط فيها السكان زيادة على خطر الموت ردما الذي يتربص بهم في أية لحظة، وما زاد من استيائهم هو تجاهل السلطات المحلية لمطالبهم ومراسلاتهم العديدة من أجل إدراجهم ضمن عمليات إعادة الإسكان في إطار سياسة الدولة الرامية للقضاء على البنايات الهشة التي تنخر النسيج العمراني بكل بلديات الجزائر العاصمة التي استفحلت فيها ظاهرة البيوت القصديرية التي أعطت صورة مشوهة للطابع العمراني لبلدية الرغاية، وقد عرفت هذه الأخيرة تناميا كبيرا بهذه المنطقة تزامنا مع الظروف الأمنية الصعبة التي مرة بها البلاد خلال سنوات التسعينيات أي خلال العشرية السوداء، حيث اضطرت الكثير من العائلات إلى النزوح من بيوتها الأصلية إلى أطراف الأودية وما جاورها. وأثناء حديثنا معهم أكد لنا القاطنون بهذا الحي أنهم لم يعد بمقدورهم تحمل هذه المعاناة اليومية باعتبار منطقتهم من بين أكبر التجمعات الفوضوية بالعاصمة، الأمر الذي أصبح يشكل خطرا إضافيا على هؤلاء السكان خاصة بعد تفشي الآفات الاجتماعية واللاأمن، الأمر الذي جعل السكان يتجنبون الخروج من المنازل في فترات متأخرة أو ليلا نظرا لانتشار الاعتداءات والحيوانات الضالة التي وجدت هي الأخرى مرتعا لها في المنطقة، إضافة إلى انتشار النفايات عند مدخل الحي وهو ما شكل عبئا آخر على السكان. وساعد على تكاثر الأمراض بكل أنواعها التنفسية والصدرية والجلدية وحتى الأوبئة خاصة بهذا الفصل أين تكثر مثل هذه الأمراض. وفي هذا الشأن طالب القاطنون بهذا الحي بضرورة الإسراع إلى إيجاد حلول جذرية من أجل تخليصهم من جحيم القصدير الذي قبض على حياتهم طيلة سنين طويلة مضت، وفي صرخة موجهة إلى الجهات المعنية من أجل دراسة هذه الكارثة الإنسانية بحي الكروش ببلدية الرغاية.