توافدت الجالية الجزائرية بالخارج على الجزائر في المدة الأخيرة بشكل كبير وهذا من أجل الظفر بتمضية شهر رمضان بين الأهل وفق العادات والتقليد المعمول بها في كل منطقة من الجزائر، والتي تغيب عن المغتربين الذي يحنون إلى معايشة هذه الأجواء المميزة على طول هذا الشهر الكريم. وإذا كان الآباء الذين قضوا جزءا من حياتهم ما زالوا يحتفظون بالكثير من الذاكرة التراثية الشعبية الجزائرية، فإن الشباب الذي نشأ هناك لا يكاد يعرف شيئا واحدا عن هذه العادات الراسخة خاصة في مثل هذه المناسبات الدينية، فكان توافق شهر رمضان مع العطلة الصيفية فرصة لهذه الفئة من الجزائريين للعودة إلى بلادهم من أجل رؤية الأهل والأحباب وتقريب أبنائهم من الجيل الجديد إلى تعاليم الدين وتقاليد الأجداد.. في الستينات والسبعينات كان الوعي لدى الجالية قليلا، فلم تكن لديهم هيئات خاصة تتابعهم خلال هذا الشهر، على عكس الوقت الحالي أين أصبح رمضان المغتربين لا يختلف عن رمضان بين الأهل في الجزائر، فالجمعيات الدينية وهيئات الجزائرية بالإضافة إلى وسائل الإعلام وانفتاحه خلال السنوات القليلة الماضية ساهم في نشر الوعي والعادات، والتي تنقلت إلى الجالية أينما كانوا، فالمتجول في أسواق مرسيليا مثلا قي هذا الوقت من السنة، تقابله كل مظاهر رمضان المأخوذة من الجزائر، فكل شي يخطر ببال أحدنا يباع ويعرض بأثمان مناسبة من طرف التجار العرب في الأحياء التي يكثر فيها تواجد المسلمين.، لذا فإن العديد من العائلات فضلت تمضية رمضان في موطن غربتها بالنظر إلى تشابه الأجواء ووجود كل شيء عندهم. كما ساهم انتشار مطاعم الرحمة في إعانة العديد من أفراد الجالية البعيدين عن أهلهم في هذا الشهر، فلا تخلو منطقة من مطاعم الإفطار جماعي، والتي تدار من طرف الجمعيات والهيئات وحتى الأشخاص المحسنين. ولم تخلُ المساجد والمراكز الإسلامية هي الأخرى من حلقات القرآن والتدريس والوعظ ليلاً ونهارًا يؤمها أبناء الجالية على اختلاف أعمارهم وثقافتهم، وهناك كثرة ساعات البث الديني من الإذاعات العربية المحلية. وعن مظاهر الصوم خلال هذا الشهر عند الجالية في الخارج، فإنها قد تختلف عن الأجواء هنا في الجزائر فمثلا تجتمع الهيئات الإسلامية الليلة الأخيرة من شعبان مسجد (باريس المركزي) لإعلان بدء الصوم، كما تجتمع آخر ليلة لإعلان هلال شوال والفطر، ولكن الأوضاع السياسية المعروفة تضغط على الجاليات الإسلامية وتدفع بالبعض إلى مخالفة الاتفاق، فإذا ما تمّ الالتزام ببدء الصوم، فقد يتم الاختلاف في تحديد يوم العيد، وهو ما أدى إلى تشويه صورة المسلمين، وإظهارهم بمظهر المتفرقين على الدين والعبادة. هناك مشكلة أخرى هي تحديد مواقيت الصلاة، فهناك توقيتان، الأول أعده اتحاد التنظيمات الإسلامية، بينما أعد الثاني المعهد الإسلامي لمسجد باريس، ويؤدي هذا الاختلاف عمليًّا إلى دخول وقت الفجر حسب توقيت مسجد باريس قبل توقيت الاتحاد بربع الساعة، ويتأخر العشاء (حسب توقيت المسجد) نصف ساعة عن توقيت (الاتحاد)، ويقع كثير من المسلمين بسبب هذا الاختلاف في ارتباك، فالفجر مرتبط بالإمساك، وصلاة التراويح مرتبطة بالعشاء. ويعاني الكثير من جهل الفرنسيين بحقيقة الصيام ونظرتهم إليه كنوع من أنواع تعذيب الجسد، أو الأعمال الشاقة التي يفرضها المسلم على نفسه، وإن كانوا يعلنون تقديرهم لهذا الجلَد والصبر عن الطعام والشراب والتدخين ومقاربة النساء، ورغم تفضيل البعض تمضية شهر رمضان في موطن الغربة إلا أن الكثير يحن إلى بلده الأم الجزائر ويحلم بالعيش فيها ولو مؤقتا.