حركاته وإيماءته وأسلوبه وشخصيته ومفرداته وطريقة أدائه كلها تحمل بصمته الخاصة، (سكّته) المميزة في الكوميديا منحتنا بهجة وسعادة.. إنه إسماعيل ياسين النجم الذي تربع على عرش الضحك أربعين عاماً. عاش إسماعيل ياسين طفولة بائسة غير مستقرّة، ولم يمض في المدرسة الابتدائية سوى أربع سنوات انقطعت بعدها صلته بالتعليم إثر وفاة والدته، وبعد خروجه من المدرسة عمل منادياً أمام محل لبيع الأقمشة، وكان من عشاق صوت محمد عبد الوهاب وتمنى أن يكون مطرباً مثله. أما ياسين أفندي، والده، فكان يريده أن يرث مهنته كصائغ للذهب في حي الأربعين بالسويس، لكن إسماعيل تمرّد على هذه الرغبة لأن الفن كان يسري في عروقه. أربعة جنيهات عرف الأب أن ابنه يغني في السيدة زينب مع إحدى الفرق الشعبية التي تجوب الموالد، فسافر يبحث عنه دون جدوى، وقبل أن يعود إلى السويسوجده أمامه يخبره أنه انضم إلى الفرقة ويعمل معها، وقرر الإقامة في القاهرة. سرعان ما اكتشف (سمعة) أن النقود التي يحصل عليها قليلة فاضطر للعمل كاتباً عند أحد المحامين بمرتب شهري قدره أربعة جنيهات، على الفور أعطى إسماعيل أول ما حصل عليه لمؤلف مونولوجات وملحن، واشترى بذلة ببضعة قروش من سوق الملابس المستعملة وقصد إحدى الصالات ليبدأ مشواره مع الفن. حقق إسماعيل ياسين رصيداً من النجاح كمطرب مونولوجات يقدمها بين فصول المسرحيات، فوقّعت بديعة مصابني معه عقداً بستة جنيهات في الشهر، وذاع صيته حتى التفت إليه منتجو السينما ومخرجوها، فقدموه في أفلام كثيرة في دورٍ ثانٍ، وأدى أدواراً متنوعة من بينها: الخادم والسائق والطباخ والحلاق والعسكري والمليونير. من خلال مسرح بديعة اكتشفه المخرج فؤاد الجزائري، فقدمه في فيلم (خلف الحبايب) (1939) من ثم اختاره توغو مزراحي ليشاركه في فيلمين من إخراجه مع علي الكسار: (علي بابا والأربعين حرامي)، (نور الدين والبحارة الثلاثة). على رغم أن بداية إسماعيل في السينما كانت مع الفنان علي الكسار، فإن الخطوة الأكبر حدثت عندما اعتذر المونولجست سيد سليمان عن تمثيل دوره في مسرحية (حكم قراقوش) مع نجيب الريحاني، فطلب الريحاني من بديعة مصابني أن ترسل إليه اسماعيل ياسين لتبدأ رحلة الفن بينهما سويّاً، ثم انهالت العروض السينمائية عليه كمساعد لنجوم كثر على غرار كمال الشناوي، شكوكو، شادية، سعاد محمد، ماري منيب ومحمود المليجي. الآنسة حنفي مع نهاية الأربعينيات جاءت البطولة في فيلم (الناصح) مع ماجدة إخراج سيف الدين شوكت، فكان الفيلم فاتحة خير عليه وقدم بعده (البطل) و(ليلة العيد). أما نقطة الانطلاق الحقيقية فكانت في فيلم (الآنسة حنفي) (1954) إخراج فطين عبد الوهاب الذي أخرج 17 فيلماً لإسماعيل سميت باسمه في سلسلة من أنجح الأفلام الكوميدية في تاريخ السينما المصرية، منها: (إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين) و(في حديقة الحيوان) و(في الأسطول) و(في الجيش) و(إسماعيل ياسين للبيع) و(إسماعيل ياسين في متحف الشمع) و (إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة)، وتعددت أفلامه حتى وصلت إلى 400 فيلم. وبعدما حقق حلمه في السينما ومثل أمام معظم نجماتها قرر أن يكوّن فرقة مسرحية مع صديقه المؤلف أبو السعود الإبياري. 400 بذلة بين إسماعيل والأناقة علاقة خاصة، كان حريصاً على أناقته وفسر البعض ذلك بأنه أراد تعويض افتقاده إلى الوسامة بالأناقة لدرجة أن زوجته، أثناء انتقاله من شقته في شارع عدلي إلى فيلته في الزمالك، وجدت ما يقرب من 400 بذلة على أحدث خطوط الموضة، فأصدرت فرماناً زوجيا بعدم ذهابه إلى الترزي لمدة عامين وإلا ستترك له المنزل. وبعد ظهور التلفزيون (1960) لم يقدم سوى مسرحية واحدة هي (الستات ما يعرفوش يكدبوا)، عندها أدرك أن زمانه انتهى، فآثر الانسحاب، إلا أنه لم يكن يعمل حساباً للزمن ولم يستثمر أمواله، وكان قد بنى عمارة سكنية ليؤمن أسرته من غدر الزمن، لكنه فقدها سداداً لضرائب متأخرة عليه. فكر في الهجرة إلى لبنان إلا أنه لم يجد مكاناً فيه، فعاد إلى مصر وتحالفت عليه الأمراض وكان أشدها مرض النقرس. أما آخر أعماله فهو فيلم تلفزيوني بعنوان (وصية المرحوم) كتبه ابنه ياسين وأخرجه حمادة عبد الوهاب. أصيب إسماعيل ياسين بالتهاب رئوي حاد دخل على أثره مستشفى المواساة في الإسكندرية لمدة ثلاثة أشهر التزم بعدها الإقامة في بيته بناء على أوامر الأطباء، إلى أن تٌوفي عام 1972 تاركا ثروة فنية ضخمة ومجداً لم يسبقه إليه أحد من نجوم الضحك.