جاء تعيين الأخضر الإبراهيمي (ممثّلاً خاصّا مشتركا) إلى سوريا ليطوي صفحة لم يحقّق فيها التعاون الأممي - العربي أيّ إنجاز لوقف نزف الدم في هذا البلد. فالمبعوث المشترك كوفي عنان استقال أوّل الشهر معلنا عجزه عن تحقيق أيّ بند من البنود الستّة لخطّته. الأمين العام السابق ذهب ورافقته بعثة المراقبين الدوليين، عوّل على تحقيق اختراق على المستوى الأمني بمساعدة عناصر هذه البعثة يكون الخطوة الأولى نحو إطلاق حوار يفتح الطريق أمام مرحلة انتقالية، عزا فشله إلى عدم توافق الكبار في مجلس الأمن وإلى عدم تعاون الأطراف المتصارعين على الأرض في بلاد الشام. هؤلاء هم أنفسهم من سيتعامل معهم الإبراهيمي الذي بدّل التسمية أو اللّقب وسيبدل بالتأكيد (الوظيفة)، أي المقاربة وطريقة التعامل مع الأزمة، من دون أيّ ضمان لنجاحه في هذه المهمة، بدّل في التسمية لأنه لا يريد مواصلة نهج عنان الذي طرق التسوية من باب الأمن أوّلاً في بلد غابت عنه السياسة أكثر من أربعة عقود، وبات ساحة مفتوحة لحروب بالواسطة بين لاعبين دوليين وإقليميين، فكان من الطبيعي تاليا ألا يتقدّم خطوة إلى أمام وبدّل في التسمية ليطرق الأزمة من باب السياسة هذه المرّة. يفترض إذن أن يفتح الإبراهيمي صفحة جديدة، أن يطلق تجربة جديدة وتستدعي شجاعته في القبول بهذه المهمّة جملة من الأسئلة، ولا تتناول هذه الأسئلة خبرتَه الديبلوماسية والسياسية، هو صاحب تاريخ طويل في التعامل مع أزمات معقّدة تشابكت فيها العوامل والظروف المحلّية والإقليمية والدولية، وتطلّبت الكثير من الصبر والأناة والحنكة والحكمة، إنها تتناول التطوّرات التي وصلت إليها الأزمة السورية وما فرضته وتفرضه المستجدّات على مواقف جميع اللاّعبين في الداخل والخارج. أي هل حان وقت التسوية، سواء كانت موقّتة أم دائمة؟ هل وصل الحوار بالحديد والنّار إلى طريق مسدود واستنفد الطرفان الداخليان كلّ عناصر القوّة؟ أم أن بلوغ القتال هذه الحدة بات يسمح بطرح سياسي يوقف عجلة الموت اليومي؟ وهل بات اللاّعبون القريبون والبعيدون مقتنعين بأن ما جرى ويجري على الأرض السورية منذ سنة ونصف سنة بدّل الكثير من قواعد اللّعبة؟ ألم تتراجع سطوة النّظام وتتقلّص سلطته؟ ألم يتعب خصومه من تجاهل المجتمع الدولي لمعاناتهم ومن تشتّت قواهم السياسية والعسكرية؟ باختصار، ماذا طرأ على المشهد العام في الداخل السوري والخارج؟ هل أزف أوان قيام (طائف سوري) وكان لابد من (خبير) كان له دور في (الطائف اللبناني) الذي أوقف الحرب الأهلية وحروب الآخرين قبل عقدين ونيف وأطلق العملية السياسية القائمة إلى اليوم بكل سلبياتها وإيجابياتها؟ ألا تقوم التسويات والصفقات سوى على صفيح حام يرقص فوقه المتصارعون؟ في كلّ الأحوال، تبدو مهمّة الإبراهيمي عسيرة، ومن المهمّ إصراره على فتح صفحة جديدة في سوريا وعمله على وقف نزيف دماء السوريين.