ليس اليوم الأوّل من رمضان هو الوحيد الذي يتلهف فيه الجزائريون إلى تناول مختلف الأطعمة والأكلات، فيمضي نهاره في التسوق والشراء، لكنّ البعض لا تتوقف لهفته إلاّ مع انقضاء الشهر، حيث يمضون كامل أيامهم في تضييع الوقت، إما بالتبضع او حتى بالطهي. لا يكتفي البعض بدخول الأسواق ومزاحمة النسوة في التبضع، واختيار مختلف المواد والأطعمة التي يشتهونها، وما أكثرها في شهر رمضان، حيث يجعلهم الحرمان يشتهون كل شيء، او كل ما تقع عليه أعينهم من مأكولات، فيمضون أكثر وقتهم إما في شرائها، وربما حتى في الوقوف على طبخها، كما لو كان همهم الوحيد في دنياهم، وقد يتحول هذا الاشتهاء إلى الشغل الشاغل لدى البعض، حيث يخصصون ساعات بل نصف نهارهم او كله للتسوق، فيتنقلون بين الأسواق، حتى تلك البعيدة عن أحيائهم، وقد يضيعون الوقت في التنقل في حافلات النقل أو بالسيارة والذهاب إلى مختلف المحلات التي تتفنن بعضها في التخصص في أكلة معينة، فيشترون الخبز من محل يختص في صناعته ويجيد طهوه، ثم يتنقل إلى مكان وبلدية أخرى ليشتري حلويات او مشروبات أو غيرها، فلا يهمه من ذلك إلاّ إمضاء الوقت في رمضان، وإحضار مختلف الأطعمة والمأكولات، والتي لن يتناول إلاّ نصفها او اقل من ذلك، فيما يخزن الباقي وقد يكون مصيره سلة المهملات. يحكي طارق، 22 سنة، في هذا الشأن يقول:"لأني لا ادرس في رمضان من هذه السنة، فإنني امضي نهاري الطويل في التبضع، والذهاب إلى مختلف المحلات التي تشتهر كل منها في صناعة طبق او أكلة معينة، فلا أجد نفسي إلا وقد انتقلت بين ثلاث او أربع بلديات، ولا أعود إلى البيت إلا عند أذان المغرب او قبل ذلك بقليل، بل وقد أتأخر إلى ما بعد الآذان، لكن في النهاية احضر بعض الأطباق التي تحتار أسرتي من كيفية جمعها؛ ففي أول يوم من رمضان اشتريت الخبز من المحمدية، أما الحلويات من قبل اللوز والزلابية من المرادية، واشتريت الشاربات من حي باسكال كما انتقلت إلى عين البيان خصيصا لشراء خبز تونس والذي أحبه كثيرا في رمضان، خاصة في الأيام الأولى، وعندما وضعت كل تلك المواد على المائدة، وأخبرت أسرتي أنني جلبتها من مناطق بل بلديات مختلفة، لم تصدقني في البداية، لكنها عندما تذوقتها كلها علمت، بأنني لا شك قد اشتريتها من اختصاصيين في تحضيرها، فقد كان ذوقها الشهي، بل ورائحتها الجميلة تحكي أنها مأكولات حضرت تطلب صنعها وقتا وجهدا بل وخبرة كبيرة". هو نفس ما يقوم به بوعلام، الذي صارحنا بأنه وما إن يخرج من العمل على الساعة الرابعة، ولا يجد ما يقوم به، خاصة وانه لا يحبذ المكوث بالبيت، حيث رائحة الأكلات الشهية المنبعثة من المطبخ تحاصره من كل مكان، وتجعل الوقت يطول في نظره، كما انه لا يحب البقاء في الحي مع أصدقائه، فلا يربحون في تلك الساعات القليلة إلاّ السيئات والآثام، وهو يتحدثون عن هذا الشخص او ذاك، وقد تنشب بينهم شجارات في تلك اللحظات، فلا يجدون أنفسهم إلا وهم ينتهكون حرمة رمضان، لهذا كله يقول لنا بوعلام أن التنقل، ولو كان ذلك من اجل التسوق، خير له، ويضيف قائلا:"لقد صار من عاداتي أن أتنقل بين المحلات لأشتري ما اشتهي أكله، ففي كل رمضان وبعد الانتهاء من العمل، ازور بعض أصدقائي ونذهب سويا إلى التبضع بالسيارة، وقد نذهب إلى ولاية ثانية لكي نشتري شيئا ما مثلما فعلت أمس حيث انتقلت خصيصا إلى البليدة حتى اشتري شاربات عند بائع قيل لي انه مختص في صناعتها، وكان أن عدت قبل آذان الإفطار بقليل".