بقلم: فاطمة الزهراء بولعراس المتتبع للحركة الثقافية في الجزائر يدرك جيدا أن الأمور ليست على ما يرام مع أن الظاهر أن هذه الفترة هي الأكثر حركية في نشر الكتب(وليس توزيعها مع الأسف)، لذلك لا نزال نعتقد أن الأمور الثقافية بخير مع أنها ليست كذلك وأحسن دليل على هذا الأمر أن الكُتّاب في( بلدي) زاد عددهم إلى حد يوهمك بالتفوق حتى إذا جئتهم وخبرتَ وضعهم لم تجد أغلبهم إلا متشاعرين أو(أدباء) فرضهم الفراغ الذي نعاني منه في جميع الميادين، ففي غياب النقد النزيه والتحفيزات المجردة من المحسوبية والجهوية مع انعدام المقروئية يبقى الكاتب يكتب لنفسه وبعض أهله ممن يقرأون وهم قلة على أية حال... إضافة إلى الصراع الذي أصبح تقليدا مألوفا بين الأدباء صراع على المناصب والاستحقاقات (الإدارية)مثل ما حدث لاتحاد الكتاب الذي لم يستطع أعضاؤه الاتفاق على تعيين رئيس له لأن الجميع يعتقد أنه الأولى والأحق...ووصل الأمر إلى الانقسام وتعيين رئيسين لست أدري إن كانت المحكمة قد فصلت في أمرهما وقس على هذا... فبينما تتسابق المجموعات الثقافية في الشرق والغرب على نشر الثقافة ورعاية المواهب والمبدعين يتهافت في بلدنا(أشباه الأدباء) على التسابق للجلوس على موائد السلطان واقتناص المهمات(المستحيلة عليهم) للسفر على حساب الدولة، هذا الحساب الذي هو في الحقيقة من أموال الكادحين والفقراء والمظلومين الذين ينامون عطاشى على ينابيع من الماء الزلال...(أقصد خير الجزائر العميم) بينما تصرف الأموال على بعض الذين لا يمثلون بلدهم في شيء هذا البلد الذي نعتقد جميعا أنه الأجمل والأغنى فلماذا لا يكون الأرقى والأعلى شأنا بين البلدان؟؟ إن من يمثلوننا ثقافيا استهوتهم (شياطين الإدارة) فهم بأمرهم يأتمرون؟؟ فهل سمعتم ببلد يمثله(الإداريون) في كل المهرجانات وليس المبدعون؟؟ هل سمعتم ببلد تكتب فيه القصائد والأشعار(للسكرتيرات) كي يشاركن بها (كشاعرات) في مهرجانات دولية) (وأنصح هنا ألا تسأل عن المهرجانات الوطنية) فرغم أنه _ وراء كل أكمة مهرجان_ ففي كل مهرجان ما يشيب له الولدان، ففي مهرجان القصة يحضر كل شيء إلا القصة وفي مهرجان الشعر يغيب الشعراء وفي الرواية تنتهي كل الحكايات والروايات وقسْ على هذا... لا نستطيع أن نلقي باللوم على الدولة ونحن تعودنا هذا الأمر (وأنا هنا لا أدافع عن الدولة فهي ليست في حاجة إلي) لأنها ليست مخولة للحكم على النوايا والتغلغل في أعماق المبدعين، لاكتشاف الحقيقي من المزيف، والوصولي والمتسلّق، والمدعوم والمتواطئ والجهوي والشيطان الأخرس...لكن قد تكون مسئولة بطريقة أو بأخرى بسبب الضغط المباشر مرة وغير المباشر أخرى والتهاون غالبا مادامت الأمور تسير والتقارير ترفع و(الأموال تُصرف) ولو في غير وجهتها وهذا هو الأهم كما تعلمون، وأعترف أنني أخجل كثيرا من (عجزة) يمثلوننا بين الأمم في مناسبات تظهرنا وكأننا متخلفون فاقدون الإحساس بجمال الكلام والصورة والنغم ولا زلنا نظهر للعالم بأسوأ ما يمكن أن يظهر به شعب من الشعوب في شتى المنافسات التي تجري بين البشر في مجالات الثقافة أو غيرها، فما عقمت الجزائر أن تنجب متميزين ومتفوقين في مختلف أنواع الإبداع لكن عقمت الضمائر والقلوب التي تريد جعل الوطن في(الجيوب) إنه يؤلمني ويؤلمني و يؤلمني كثيرا أن أرى مسئولين على الثقافة في بلدي (لا يقرأون) وإذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا أخذتهم العزة بالمسئولية فطغوا وبغوا وظلموا (الثقافة) وجعلوا أعزة أهلها أذلة يتكسبون على باب سلطانهم المتصدّع أو يهجرون الساحة خوفا على ما تبقى مما كانوا يظنونه عزا وفخرا فإذا هو سراب بقيعة يحسبه الكاتب منفذا لنفع البلاد والعباد.... فما هو الحاصل يا ترى؟ وما ا لذي يجعل أمورنا الثقافية تسير بشكل بائس؟؟ إنها أسباب كثيرة يعرفها الكثير (ويجهلها الكثير أيضا) إلا أن الفوضى هي أهم الأسباب الواضحة ووجود مقاليد الأمور في يد غير أهلها، فقد تحول المبدعون إلى متسولين عند الإداريين تارة وعند أصحاب الأموال تارة أخرى ليس لشيء سوى لنشر أعمالهم التي طالت شهور حملها ثم تعسرت ولادتها رغم كثرة الأموال والناشرين. لقد استُعيض عن كتب الإبداع عندنا بالكتب المدرسية والتمارين المحلولة التي تعين على الجهل وتدل التلاميذ على الكسل فقد ملأت الرفوف وسلبت الجيوب وأظهرت العيوب... أما إذا حدث وخرجنا من هذه الدائرة، فأبسط سؤال يطرحه الناشر من سيشتري كتبا للمطالعة في أيامنا هذه؟ مبررا بهذا السؤال عدم مساهمته في فعل شيء من أجل غذاء العقول والأرواح. ولا أدعي أن الكاتب من الملائكة بل إن بعض أشباه الكتّاب لازالوا يحلمون بالثراء ولو حبست مؤلفاتهم على الرفوف (يرفرف) عليها الغبار...فلماذا أصبح الجزائريون أنانيين هكذا وحتى من يفترض أنهم النخبة؟؟.. ولماذا أصبح بعض هؤلاء الكتاب مغرورين إلى حد القرف؟؟ صحيح أن المقروئية تكاد تكون منعدمة في بلدنا ولكن الذي زاد الأمر سوءا أن معظم القائمين على النشر لا تهمهم الثقافة في شيء والحال أن لا أحد يهمه أمرها حتى المثقفين أنفسهم حيث لا قراءة ولا نقد إلا ما هو محصور بين جدران الجامعات وبين دفتي كل كتاب أو بحث أو مذكرة تخرج، الكاتب في الجزائر خاصة (والعالم العربي) لم يتوصل بعد إلى إحداث التغيير وليس لديه مشروع مجتمع وهو لا يستطيع أن يفكر فيه فليس له قارئ واع بل قارئ حاجة، أو قارئ صدفة، لذلك فالكاتب عندنا يسعى إلى الانتشار والشهرة(الموجودة عند السلطان) حتى إذا وصلها كان أول ما يفكر فيه (إذا كان ممن يخشون ربهم) هو الانسحاب، لذلك أتفهم كثيرا ما يصرح به بعض الأدباء من اعتزال الساحة الأدبية لكني لا أثق في أنهم يستطيعون اعتزال الكتابة لأنها قدرهم الذي اختارهم ولم يفعلوا شخصيا رغم (الخواء) الذي يعيشه المثقف الحقيقي في بلدي ورغم تدني مستوى الحراك الأدبي فأنا مؤمنة جدا أن في هذا البلد الأمين مبدعون سينصفهم الزمن ولو بعد حين وفيه أوفياء لن يخذلهم صدقهم وما يأملون... وواثقة جدا كذلك أن زبد التهريج سيذهب جفاء ويحل محله ما ينفع البلاد والعباد ...قد يطول هذا الأمر كثيرا وقد لا ندرك منه شيئا ولكني على يقين من انبلاج فجر ثقافي في الجزائر الأروع تصدح فيه الأجيال بقصائد العزة والكرامة كما لازالت تصدح بما جادت به قريحة شاعرها الأكبر مفدي زكريا، وعلى يقين أيضا أن الأرض اتي أنجبت محمد ذيب والطاهر وطار وغيرهما لن تعقم أن تنجب آخرين يمثلون وجهها الأجمل بين الأمم وعزتها الأدبية التي تلاشت وسط الفوضى والإهمال و(أشياء أخرى أستحي من ذكرها). أنا لا أشكّك في وطنية أحد عندما أدعو الجميع (أدباء ومتأدبين) وأبدأ بنفسي إلى أن نحب بلادنا أكثر لأننا ظلمناها أكثر ونعمل من أجلها ونؤثرها على كل شيء فقد أصبحنا لا نشبه أنفسنا كجزائريين وها نحن بعد أن حررنا بلادنا بالدماء والدموع.. منا من يريد التهامها ومنا من أهملها ومنا من خربها ويطمع أن يزيد.... لنتق الله ونشكره على نعمة(وطن) هو الجنة يحسدنا عليه الكثيرون(وما مثل فرنسا الاستعمارية ببعيد)، وقد يستنكر البعض مني هذه الدعوة ولكني أدعوه إلى طرح سؤال على نفسه ماذا فعلت أنت للجزائر؟؟ وهل أحسنت الظن بها كما أحسنت بك الظن وملكتك نفسها بدل أن تسأل ماذا أخذت من(هذي البلاد) وتفكر في هجرانها أو نهبها، قليل من الحب يكفي هذه الأرض الطيبة الطاهرة(ودون تنظير) قليل من الثقة يكفي هذا الوطن المترنح الذي تهدده الأهواء والأنواء قليل من الإيثار يكفي هذه البلاد التي تنوء بأخطاء حكامها المتعاقبين، قليل من الصبر يكفي الناقمين والفارين والطامعين وكثير من الكلام يجب على الأدباء والمثقفين...وهذا (قليل) لو كانوا يعلمون إن المسئولين لا يمثلون النخبة بل المثقفون السابقون في الوعي ولا يجب أن يكونوا (طامّة) كالعامة ولا(هامة) كالخاصة وليكونوا بين ذلك قواما.. اللهم أني قد بلغت ما استطعتُ لذلك فهما واجتهدتُ ما قدرت جهدا وأرجوك، ربي أن تفوّض أمور الثقافة لمن يدرك سبيلها رشدا وأمور البلاد والعباد لمن يتقيك فيهم عهدا آمين.