ما إن يحل شهر رمضان إلا ويغير الكثير من الجزائريون عاداتهم، فبالإضافة إلى مواعيد العمل والدراسة وحتى النوم أحيانا التي تتغير، فان بعض الطبائع يحبذ المواطنون أن يتركوها وآخرها يكتسبوها ما إن يحل الشهر الكريم. الكثير من المواطنين، خاصة من استطاع لذلك سبيلا يحب أن يتخذ من رمضان عطلته السنوية، وذلك حتى يتمكن من الصوم بسلام، فلا مشاكل عمل ولا صدام مع الموظفين والمواطنين داخل وخارج مقر العمل، ولا يلتقي ببعض بناتنا الكاسيات العاريات، اللائي عادة ما يمنعهن رمضان من ارتداء ما يحلو لهن، وإظهار أجسادهن دون حياء من الناس ولا خوف من الناس، كل تلك المظاهر صار البعض يحاول جاهدا تفاديها من خلال اخذ عطلة يمكث فيها بالبيت او يخرج الحي او أي مكان، شرط أن لا يكون سببا في إفساد صيامه، يقول لنا سليمان الذي يعمل في شركة خاصة والذي فضل أن يمكث طيلة الشهر بالبيت، فلا يخرج إلا أحيانا متباعدة في النهار، وذلك لقضاء حاجة مستعجلة، وإلا فهو نائم او في المسجد او بصدد قراءة كتاب او أي شيء، المهم أن يقضي يومه صائما يقول لنا:" أحاول جاهدا ألاّ اصطدم بالناس في رمضان، خاصّة في الأماكن العامة والتي تكثر فيها عادة الشجارات بين البشر، ولا يمكن فيها للإنسان أن يتنحى او يتجنب تلك الأمور المهلكة للصيام بل بالعكس يجد نفسه ودون أن يشعر إما يتصارع مع هذا او يشتم ذاك، وفي ذلك كله مفسدة للصيام، هذا دون أن نسى مظاهر العري التي تصنعها بعض الفتيات في الشوارع، خاصة وان الحرارة لازالت مرتفعة ما جعلهن لا ينزعن ملابس الصيف، ولا يستبدلنها بأخرى محترمة، يفضلن راحتهن على طاعة الله، كل هذا يجعلني اشعر كأني لست صائما، وأفضل على أن اخرج إلى الشارع أن أنام اليوم كله، ففي تلك الحال لا اجني لا أجرا ولا سيئة، وفي الحقيقة فإنني أتحمل جزءا من المسؤولية ذلك أني مدمن على التدخين وغياب مفعوله من راسي يجعلني اشعر بالتعب والقلق دائما، وأكون في كل لحظة على فوهة بركان، فما إن يزعجني شخص او يفعل أمرا غير لائق او أي شيء، ما إن يحدث ذلك حتى أثور واغضب وقد أتصارع معه، لهذا كله فان الصيام في البيت اسلم لي وللناس". كما أن المغتربين هم كذلك، كثير منهم يحبون تمضية شهر رمضان في ارض الوطن، وذلك لان له نكهة خاصّة هنا، تختلف عن تلك التي في ديار الغربة، من جهة، كما أن الصيام هناك يكون صعبا من حيث أن الآخرين لا يصومون، ولن تستطيع حتى حفظ بصرك او نفسك من الأشياء المفسدة للصيام، فالمجتمع الغربي مجتمع فاسد بطبعه تخلى عن كل، او اغلب ما يحفظ الحرمة والحياء، فالناس يأتون تصرفات، وفي الشارع، وعلى مرأى من الجميع، لا يقوم بها الرجل مع زوجته في خلوتهما، وباسم التمدن والعولمة، وغيرها من الشعارات الضالة الغبية، يفعلون كل ما يمسّ بكرامة الإنسان، سواء بالنسبة لأنفسهم او غيرهم كذلك. هذا وحتى الذي لا يتمكن من الحصول على عطلته السنوية، لأي سبب من الأسباب، فانه قد يتخلى عن بعض التصرفات التي تعتبر عادية في الأيام الأخرى مثل السياقة، والذي يعتبرها بعض السائقين مدعاة إلى الغضب والى الصدام مع باقي المواطنين، وبالتالي مَفسدة حقيقية للصيام، فالكثير من السائقين لا يستطيعون أن يمسكوا أنفسهم من الشجارات التي يضطرون إلى دخلوها يوميا على الطرقات المكتظة والعامرة، ولهذا اتخذ الكثير منهم القرار بالتوقف عن السياقة في شهر رمضان خلال النهار، وذلك لتفادي كل تلك المظاهر، خاصة بالنسبة للذين يمكنهم التنقل بواسطة الحافلة، وهو ما فعله سفيان الذي يسكن بشوفالي ويعمل ببلدية القبة، والذي، وما إن دخل شهر رمضان، حتى وضع مفاتيح السيارة جانبا، وصار يذهب إلى عمله عبر الحافلة، يقول: "اعرف نفسي جيدا، فبالإضافة إلى أنني متهور، فان مزاجي في رمضان يصبح عكراً، فالحرمان من السيجارة ومن القهوة يزيدني قلقا، وحتى في الأيام العادية لا يمضي أسبوع او شهر إلا وتجدني تعاركت مع هذا وذاك بسبب تعديه على الطريق، او ربما أكون المخطئ، لهذا فانا أفضل في رمضان إلا أقود السيارة إلاّ ليلا، لأنني اعلم إن أنا فعلت فلا شك سيفسد صيامي".