الجزء الأول بقلم: بدر السلام موفق مدخل: ربما كان مصطلح المنطق الطائفي دارجا متعارفا على مدلوله، ولكني دأبت من فترة على استعمال ما أراه أشد في الدلالة على ما وصلنا إليه من انفصام شامل عن العقيدة والمصالح العامة، فهو أكثر التصاقا بدواخل النفوس وسرائر القلوب وأشد غلبة لجدل، وردعا لخصم، وأكثر انقيادا لفكرة وإحجاما عن نقيضها، يجمع ويجانس بين الانتماء والمشاعر يستحضر بدقة كل فصل من التاريخ بشكل نوعي مؤيد لخياره الواحد والوحيد الذي لا يقبل أن يشار إليه باحتمال الخطأ فضلا عن مناقشة ضعفه أو قوته:إنه((الحق الطائفي))... إن المنطق الطائفي هو حركة فكرية يكون وازع الانتماء لجماعة محركها، وهو بدهي متحرك، غير متجانس في الغالب الأعم لارتباط الإنسان بأكثر من انتماء وجماعة في آن، ما يمنح فرصة للرصيد الفكري والنقاش المنطقي لتعديل مسألة الولاء حين ظهور دواعيه، فالمسلم العربي مثلا قد يقاتل عربيا آخر نصرة لمسلم ليس بالضرورة أن يكون عربيا، ويحدث أن ينحاز مسلم لنصراني -كلاهما عربي- في محاربة مسلم آخر بداعي الانتماء القومي.. والحال أنا وجدنا شيعة العراق في فترة ماضية مساندين أصلاء لعرب الأهواز لغلبة الطبع القومي في تلك المرحلة على تفسيرهم لمسألة المبادئ والانتماء..وقد تقلص هذا التعاطف بحدة بعد شيوع ما يسمى بالصحوة وتسرب مصطلحات الثورة، وبعض أشكال الوعي الديني(التشيع الصفوي في الاصطلاح الحديث) القادم من إيران لبلد قومي سابق...كما شاع دعم النظام العراقي للجيش اللبناني أيام الحرب الأهلية، وقد كانت قيادته مسيحية (الجنرال عون).. حين تتجانس مفردات الطائفية، لتتحول من ميراث إلى مستند عقلي وحيد، ينشأ الحق الطائفي... قبل سنوات قليلة كانت المدن العربية تحفل بمظاهرات عارمة ترفع صورا لأول مرة منذ نشأة الإسلام لرجل شيعي في بلاد سنية، وصار ((حزب الله)) معها جزء من التركيبة العاطفية لكل مواطن عربي تقريبا، وأحدث ذلك أزمة في التصور عند بعض القيادات السياسية، التي لم تجد كيفية للتعامل مع فكرة الجهاد والحسم العسكري المتجانس مع بدهيات العقل والعاطفة الإنسانية عموما القائمة على العزة والكرامة في كل جنس وقطر... شكل ذلك فرصة لدى البعض لإحداث تقارب سياسي سني شيعي غير مسبوق، على المستويات الشعبية خصوصا، واندفع بعض المفكرين السنة في ذات الاتجاه كمحمد سليم العوا والمفكر اللبناني الإخواني الداعية (فتحي يكن)... لكن الطرف الآخر على الطاولة العربية المهزوم معنويا بحكم انهيار خارطته للسلام وأفكاره الإنسانية التي لا تروق أمة مهزومة مجروحة في كرامتها وكبريائها، فضلا عن معرفتها بقدرتها على تكرار سيناريو حزب الله، واستعاده حقها المادي والمعنوي، ما جعلهم يدركون تماما أن صورتهم ربما لن تهتز فقط أمام شعوبهم...بل قد تضمحل أنظمتهم في حال ما نشأ وعي ثوري يكون محركه التاريخي هذا النصر الشيعي في جنوب لبنان والذي لم يقدمه الحزب أبدا على أنه كذلك لاسيما أنه أهداه لغزة والأمة إجمالا... استراتيجيا إذا كانت الجغرافيا لصالح خصمك فعليك أن تغيّر ميدان المعركة..وهذا ما فعله النظام العربي تماما.. وحين تنهزم في السياسة فليس عليك أن تنهزم في الدين... هؤلاء الذين مولوا حربا أمريكية على العراق قبل فترة قليلة كان أحد أسبابها مجازر صدام في حق الشيعة ((الدجيل)) حتى قبل التثبت من ذلك، ووجدوا من يفتي لهم بكفر البعث ورجاله، يعودون لاستصدار فتاوى بأنه رحمه الله مات شهيدا..وبفتاوى من نفس العلماء..