"نهضة أدبية كبيرة بدأت.. ومتفائل بوضع الشعر العربي" قرأت جميع كتابات أحلام مستغانمي" غيث شحادة شاعر سوري من دمشق بالجمهورية العربية السورية، حاصل على شهادة البكالويوس في الهندسة المعمارية ويكتب الشعر العمودي وشعر التفعيلة، من المنتظر أن يُصدر ديوانه الأول قريباً.. يقيم حاليا بمصر، كحال كثير من أبناء سوريا الذين يدفعون فاتورة أزمة دموية رهيبة.. (أخبار اليوم) التقته (إلكترونيا)، فكانت هذه الدردشة.. رغم أنه لم يمض من عمرك سوى خمسة وعشرون ربيعا، إلا أن متأمل أشعارك يشعر بأنه يقف أمام خامة شعرية محنكة. هل هي تجارب الحياة؟ وبمن تأثرت من الشعراء؟ شكرا لهذا الوصف الرقيق أعتقد أن الحياة صقلت جوهري والظروف السياسية التي تمر بها حالياً المنطقة العربية بشكل خاص والعالم بشكل عام، ولقد تعلمت من الحياة الكثير فلا يمضي يوم إلا وأكون قد تعلمت منه الكثير فمن الصمت تعلمت الكلام ومن الشجر تعلمت الصمود بوجه رياح الظروف والحياة، ولربما يكون السبب المطالعة الكثيرة فبكل يوم أخصص وقتا للقراءة وخاصة القراءات الأدبية وقد أصبح الحصول على المعلومة سهلا في هذا العصر وبدون مشقة وبأسعار زهيدة فهذا عصر المعلومة بعكس قديم الزمان الذي كان فيه طلاب العلم يسافرون من مكان لآخر ولأشهر للحصول على المعلومة، وتأثرت وتعلمت من العديد من الشعراء، تعلمت منهم حين يجيدون، ومن أخطائهم حين يخطئون ومن اختلاف أسلوبهم ونظرتهم للأدب واختلاف مدارسهم الشعرية ومن دون محاولة تقليد أحد بالحفاظ على نكهتي الخاصة فنحن لا نحتاج إلى زهرتين بنفس العطر ولكن نحتاج إلى حقل من الزهور فيه كل الأشكال والألوان والعطور، ومن أبرز هؤلاء الشعراء نزار قباني ومحمود درويش وأحمد شوقي والجواهري. لست الوحيد من حملة الشهادات (التقنية) الذين يميلون إلى الأدب ويتحكمون في أدواته. بماذا تفسر هذه النزعة؟ وكيف تستطيع التنقل من عالم المعادلات والأرقام والحسابات إلى عوالم الإبداع؟ بالنسبة لهندسة العبارة وهندسة العمارة فلقد كتبت الشعر وكان عندي هذه النزعة الشعرية قبل دخولي الجامعة وقد ساعدني حب الشعر على اختيار مجال العمارة كون هذه الهندسة هي علم وفن ففيها ألوان كما للشعر أوزان وفيها ظلال ونسب وزخارف وتاريخ يعكس لنا حياة وتاريخ من استعمل تلك الأبنية بمختلف وظائفها واستخداماتها من سكن وأبنية دينية وتجارية وساحات ولقد قال نزار قباني واصفاً أهم تحفة معمارية في الأندلس (قصر الحمراء): الزخرفاتُ أكاد أسمع نبضها.. والزركشاتُ على السقوف تنادي ففن العمارة به إيقاع كما الشعر ويهتم بالمجتمع وينعكس منه وإليه كما الشعر وأعتقد أن العلاقة بين الشعر والعمارة متكاملة وقوية جدا،ً وبالمناسبة فمشروع تخرجي الجامعي كان حول هذا الموضوع (علاقة الشعر بالعمارة)الذي يطول الحديث عنه كثيراً. تقول في واحدة من آخر قصائدك: (يا مصر جئتك حاملاً أحزاني ومواجعي فاضت عن الكتمان ِ بعض الجراحِ من النساء وعشقهنَ وبعضها من فرقة الأوطانِ..) منذ متى وأنت في مصر؟ وكيف اخترتها (منفى) لك من دون سائر الأوطان؟ وهل خفت أحزانك ومواجعك أم زادت؟ أنا في مصر منذ شهر واحد تقريباً بسبب سوء الأوضاع الإنسانية في سوريا كما هو معلوم، لا أدري إن كانت كلمة (منفى) تعبر عن الواقع ولكن بكل صراحة كنت في حيرة من أمري بين الجزائر ومصر كون كلا البلدين قد فتحا قلبيهما قبل أيديهما لضم السوريين واحتضانهم بدون تأشيرة (فيزا) بعكس بعض البلدان التي أغلقت باب الرجاء وباب الوفاء وطرقنا على أبواب اليأس المقفلة ولكن ما من مجيب، مع العلم أن هناك العديد من شركات المقاولات العربية الكبيرة التي أرسلت لي عروض عمل مغرية، لكن الحكومات العربية لم تعط لي تأشيرة دخول لأراضيها والسبب الوحيد أني أحمل الجنسية السورية! وأعتقد أنني على الرغم من ارتياحي في مصر وشكري لها إلا أني متألم بسبب الغربة ومشاهدة أخبار سوريا موطني التي لا تسر كل يوم. بالتوازي مع الانحطاط الذي تشهده أمة العرب والمسلمين، ألا ترى أن الأدب العربي عموما، والشعر بوجه خاص، يمر بواحد من أحلك عصوره؟ الحقيقة الأدب بشكل عام والشعر بشكل خاص ككل مجال آخر يتعرض لفترات هبوط وركود ولكني بصراحة متفائل جداً بوضع الشعر العربي، وأعتقد أن هناك نهضة أدبية كبيرة قد بدأت، فقد ظهر في الآونة الأخيرة عدد من الشعراء الشباب المثقف المتمكن وعلى رأسهم من فلسطين تميم البرغوثي ومن مصر هشام الجخ والعديد العديد من الشعراء الشباب الذين يحملون هم المواطن العربي والوطن. من المعلوم أن سوريا والجزائر تجمعهما أواصر تاريخية قوية، إلى درجة أن كل بلد منهما لا يفرض تأشيرة السفر على مواطني البلد الآخر. هل ترى أن (رائحة) الأمير عبد القادر مازالت تعبق أجواء دمشق؟ وكيف تنظر كمثقف سوري إلى الجزائر؟ نعم هناك تاريخ قوي ومتين كما قد أشرت وترابط وتعاطف بين الشعبين، فلقد حدثني أبي عن طفولته حينما كانوا يقدمون ويساهمون في مبالغ بسيطة وبضعة قروش حين تكالب الفرنسيون على أهلنا في الجزائر وهو واجبٌ لا فضل، ولكنه يدل على عمق العلاقات وما اختيار رمز المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي الأمير عبد القادر الجزائريلدمشق في منفاه في أيامه الأخيرة سوى دليل على وحدة الشعبين، حيث سبقته شهرته إلى دمشق وقام بالتدريس في أعظم مساجدها المسجد الأموي في قلب دمشق، والجزائر أراها تمشي وتسير على الطريق الصحيح والجزائر بلد حبيب على قلبي ولي أصدقاء كثر من الجزائر وأنا متابع جيد للأدب والفن والموسيقى الجزائرية وعلى رأس الأدب الكاتبة الأديبة أحلام مستغانمي الذي قرأت جميع كتاباتها وأحلامها بسعادة وحب. برأي شحادة، ماذا بقي من الحب النقي وغرام العيون الصادقة في زمن الفايسبوك وتويتر؟ وهل مازال الشعر يؤدي تلك الرسالة الراقية، معبرا عن مكنونات الولهانين، ومخففا آهات المتألمين؟ لم يزل الحب دائماً موجودا بصدق ونقاء ولو اختلفت كثيراً طرق الاتصال والتواصل فما زلنا ننتظر اتصالا هاتفيا بفارغ الشوق ونقف على أطلال الهاتف ولم نزل نفتح حسابنا الشخصي على الفايسبوك بشوق بانتظار رساله حب أو رسالة ود من محب فالحب دائما موجود. وأعتقد أن هذه الوسائل ساعدت على انتشار وإيصال رسالة الشعر على عكس ما يظنه البعض، فهذه الوسائل ساعدت على انتشار النصوص الأدبية بسهولة لأكبر عدد من القراء في مختلف الأماكن بوقت قصير لتعبر عن مكنوناتهم وأحلامهم وآلامهم. يقال أن (بعض الناس كالأوطان.. فراقهم غربة). أيهما أعمق وأقوى أثرا في قلب المرء حسب الشاعر غيث شحادة: فراق الأوطان أم فراق الأحبة؟ وماذا يمكن أن تقول لمن ابتلي بالغربتين.. فراق الوطن والأحبة معا؟ الوطن أراه حبيباً والأحبة أراهم وطناً فالابتعاد عن كليهما صعب وغربة وأعتقد مع الأسف أني حالياً أعاني الغربتين والشوقين، وأقول لمن مثلي يعاني من الغربتين بيتين قد كتبتهما لقريب باعدت بيننا ظروف الحياة والغربة كتبت قصيدة أقول في آخرها: سبحان من جعل الرجال معادناً خسئ الزمان بأن يهين ثمينا واصبر على غدر الظروف فكم غدت بعد التمرد في اليدين عجينا.. هل من إضافة؟ وما هي كلمتك الأخيرة؟.. أشكرك على هذه المقابلة الرقيقة وأشكر القراء وكل من يتابع قراءاتي متمنياً أن أكون عند حسن الظن، وأتمنى أن تبقى الجزائر شمساً مشرقة في سماء العروبة والعالم، وأتمنى الفرج القريب لوطني سوريا ولجميع البلدان العربية والإسلامية.