إن الأعياد أيامٌ معلومة بين الناس وهي مرتبطة عادة بما نحبه ونجلُّه من ذكريات ولذلك فإنها مناسبات تحرك العواطف لأن من طبيعتها الاتسام بالفرح والسرور، إذ هي تعقب نصراً أو فوزاً، وهي أيضاً ختام لمرحلة التوفيق في أمر من الأمور المهمة، فلا عيب إذن على الإنسان في أخذ حظه من الفرح في مواطنه وإبداء سروره في مقاماته، لأن السرور هو من خير الثواب الذي يلقى الله به عباده يوم الجزاء، قال تعالى: فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَة وَسُرُوراً، وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّة وَحَرِيراً (الإنسان). والإنسان من شأنه أن يعمل ويكدّ فإذا استوفى عمله وقف وقفة الراحة لينال نصيباً من الهدوء والسكينة ثم يعاود العمل وهكذا دأبُه، ومن طبعه أنه يفرح بنتاج جهده وخلاصة عمله ليستزيد منه ويسير على منواله لذلك قال عليه السلام: لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا، إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ (البخاري). والأعياد فرصة للإحسان ومعونة الناس وتعميم المسرة على الجميع، لذلك كان العيدان الرئيسيان في الإسلام يومين من أيام التوسعة على الفقراء والمحتاجين، ففي عيد الفطر يخرج المسلم زكاة الفطر وفي عيد الأضحى يضحي المسلم بذبيحة يأكل منها ويهدي إلى أحبابه وأصدقائه ويحسن منها إلى الذين لا يجدون سعة في هذا اليوم الكريم. والملحوظ في العادات المذكورة على الألسنة أن العيد فرصة يجتمع إليه الناس على البهجة والفرحة ويتبادلون فيه التحية والتهاني، إذ هو يوم يوحي بالعودة، فهو يعود كل عام، فتكرار العودة يوحي بتكرار المعاودة والمحاولة لتحقيق ما يؤمن به من أهداف ومبادئ في هذه الحياة، والعيد في لفظه يذكرنا أيضاً بالعائدة وهي المعروف والإحسان، تقول العرب: عاد فلان بمعروفه إذا أحسن ثم زاد، ومن صفات الله تعالى أنه “المبدئ المعيد” أي الذي يبدأ بالفضل ثم يعيده، ولهذا وجب إذا أقبل علينا العيد أن نلقاه ونفرح به وندرك مذاقه ومعانيه، ونهيئ لغيرنا أن يشاركنا ذلك، فالعيد ليس فرحة لفرد فقط أو لبيت فقط أو لبلد أو قطر فقط، بل هو فرحة للجميع يدرك فيه الكبير والصغير أن عصر الفردية قد ولى وانقضى وأن روح الدين يجب أن تظلل الجميع بألوية التضامن والتعاون. ومن جانب آخر فإن الإسلام بنى عيدي المسلمين على معاني المجد والعزة وأن ينظر إلى الجانب المادي في الإسلام فيعطي فيه الحق في التمتع بالملابس الجديدة والمآكل الطيبة واللهو الذي لا يخدش عرضاً ولا يمس كرامة، قضاء لحق الطبيعة البشرية في ترويض البدن والترويح عن النفس، عن أنس قال: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ « مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ ». قَالُوا كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْراً مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ »(أبو داود). فأعيادنا أعياد فرح وزينة وشكر وعبادة تجمع بين حظي الجسم والروح.