آثارها وطرق الاستفادة منها الإسراء والمعراج.. دروس وعبر .. 2 تطرقنا في الحلقة الأولى إلى مفهوم الإسراء والمعراج والسياق التاريخي الذي أتى فيه، فضلا عن ما حدث فيه بالضبط اعتمادا على الروايات الصحيحة المنقولة في هذا الشأن، وسنستمر في الحديث عن الموضوع من باب الدروس والعبر المستفادة في جملة من المجالات المعرفية والإنسانية. الدروس المستفادة من حادثة الإسراء والمعراج أولا: درس في النبوات صلاة النبي عليه الصلاة والسلام بالأنبياء إماما له دلالتان. هي وحدة الأنبياء في دعوتهم فالكل جاء بالتوحيد الخالص من عند الله عز وجل، الأنبياء إخوة ودينهم واحد: (وما أرسلنا قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) [الأنبياء:25]. وما جرى في اليهودية والنصرانية من الانحراف إنما هو بفعل أيديهم: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون) [التوبة:30]. صلاة النبي عليه الصلاة والسلام بالأنبياء إماما لها دليل، ولها دلالة أن النبوة والرسالة قد انقطعت فلا نبوة بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا رسالة: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) الأحزاب:40. ثانيا: درس للدعاة إلى الله تعالى بعدما عاد النبي عليه الصلاة والسلام من رحلته الميمونة المباركة، أراد أن يخرج للناس حتى يبلغهم فتشبثت به أم هانيء بنت أبي طالب تقول له: يا رسول الله إني أخشى أن يكذبك قومك فقال عليه الصلاة والسلام: ((والله لأحدثنهموه)) ((سأخبرهم وإن كذبوني)) -البداية والنهاية لابن كثير- فهنا درس للدعاة إلى الله عز وجل أن يبلغوا أمانة الله تعالى رضي الناس أم غضبوا، رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: ((ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس)). رواه ابن حبان. وإذا كان أنبياء الله عز وجل يتهمون بالكذب والسحر والجنون فليس في ذلك غرابة بعد ذلك أن يتهم الدعاة إلى الله في واقعنا بمختلف التهم. ثالثا: درس في بناء الرجال الرجال لا يمكن بناؤهم إلا من خلال المواقف، عندما تحدث النبي عليه الصلاة والسلام بأمر الإسراء والمعراج طفق القوم بين مصفق وبين واضع يده على رأسه تعجبا يقول ابن كثير: ((وارتد ناس ممن آمن بالنبي عليه الصلاة والسلام)). تهذيب سيرة ابن هشام ص 94. فالأمر يحتاج إلى يقين، يقين بقدرة الله ويقين بصدق المصطفى عليه الصلاة والسلام، فالمحنة تفرز حقائق الرجال، أفرزت هذا النموذج الذي لم يستطع أن يستوعب الأمر لضعف إيمانه وأفرزت رجالا كأبي بكر الصديق: (جاءته قريش يقولون له انظر ما قاله صاحبك إنه يدعي أنه أتى في بيت المقدس وعاد في ليلة، ونحن نضرب إليه أكباد الإبل شهرا ذهابا وشهرا إيابا فقال أبو بكر: وهو قال ذلك، قالوا نعم، قال: إن كان قد قال فقد صدق). فقه السيرة للبوطي ص 147. إيمان ثابت إيمان لا تعبث به الدنيا ولا تزلزله الجبال، إيمان قد استقام على حقيقة منهج الله عز وجل. رابعا: درس في معية الله عز وجل لأنبيائه وأوليائه حينما طلبت قريش من النبي عليه الصلاة والسلام أن يصف لها بيت المقدس ورسول الله عليه الصلاة والسلام قد جاءه ليلا ولم يكن قد رآه من قبل يقول عليه الصلاة والسلام: (فأصابني كرب لم أصب بمثله قط)، أي أن الأمر سيفضح أي النبي عليه الصلاة والسلام سوف يتهم بالكذب ولكن حاشا لله أن يترك أولياءه يقول عليه الصلاة والسلام: (فجلى الله لي بيت المقدس فصرت أنظر إليه وأصفه لهم باباً بابا وموضعاً موضعا) فقه السيرة للبوطي ص 147. (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) [غافر:51]. فجلى الله: أي فكشف الله خامسا: درس لكل صاحب هم ألا يلتفت قلبه إلا إلى الله عز وجل رسول الله عليه الصلاة والسلام رجل واحد يحمل هم الدنيا كلها، رجل واحد يحمل أمانة تنوء بها الجبال، ماتت زوجه خديجة التي كان يأوي إليها عند تعبه مات عمه أبو طالب الذي كان يحميه، كان يبحث عن رجال صدق يعينونه في تبليغ أمر دعوة الله عز وجل، ذهب إلى ثقيف ولكنها ردته رداً سيئا وأغرت به السفهاء فضربوه بالحجارة حتى أدميت قدماه الشريفتان، ويأتي حادث الإسراء والمعراج إيناسا للمصطفى عليه الصلاة والسلام وإعلاما للنبي عليه الصلاة والسلام ولسان الحال يقول إن كان أهل الأرض لم يعرفوا قدرك فإن أهل السماء قد عرفوك فأنت أنت إمام المرسلين وأنت أنت حبيب رب العالمين سادسا: درس في الجهاد رأى النبي عليه الصلاة والسلام البيت المعمور، وهو بمنزلة الكعبة في السماء تحجه الملائكة هناك ((رأى النبي عليه الصلاة والسلام جند الله عز وجل من الملائكة يدخلون البيت المعمور في كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة)) رواه احمد. ولله جنود السماوات والأرض ولا يعلم جنود ربك إلا هو. فلماذا إذاً فرض الله علينا الجهاد؟ وهو القادر بكلمة كن فيمكن أن يبدل الحال غير الحال ولله عز وجل جنود الأرض والسماء؟ يريد الله تعالى ألا يتنزل نصره على تنابلة كسالى يبخلون على الله بأنفسهم، إن الله تعالى يحب أن تبذل المقل لأجله ويحب الله تعالى أن يرى الأموال تبذل لأجله، وهذا عبد الله بن جحش في غزوة أحد رفع يده بدعاء. وتأمل في دعائه يقول: ((اللهم إنك تعلم أنه حضر ما أرى (أي من التقاء الجيشين) فأسألك ربي أن تبعث إلي رجلا كافرا صنديدا قويا يقتلني ويجدع أنفي وأذني ويضعها في خيط (زيادة في النكال والتمثيل) ثم آتيك ربي بدمي فتقول: فيما ذاك يا عبد الله؟ فأقول: فيك يا رب، فيك يا رب قد تمزق جسدي وسال دمي)) فقه السيرة للغزالي ص 282. أمنية يتمناها المسلم عند الله عز وجل: ((من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه)) رواه مسلم. سابعا: درس في الصحوة تأمل العلماء الربط بين إسراء النبي عليه الصلاة والسلام من مكة البيت الحرام إلى بيت المقدس فذكروا أن مكة هي رمز للإسلام لدين الله عز وجل، وبيت المقدس هو رمز لحال المسلمين، فما يجري في تلك الأرض هي علامة صحوة المسلمين أو غفلتهم وجذوة الجهاد التي انطلقت من هناك دليل على أن أمر الغيرة ما زال في الأمة، وأنه مازال فيها جيل وأن مازالت فيها الرغبة في أن تعود إلى الله عز وجل أن تعود إلى زعامة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام وبيت الله عز وجل لا يتحرر إلا على أيد متوضأة طاهرة كريمة.