وعَظ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - النساءَ في العيد، ثم انصرف، فلما صار إلى منزلِه جاءتْ زينب امرأة ابن مسعود - رضي الله عنهما - تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله، هذه زينب، فقال: ((أي الزيانب؟))؛ فقيل: امرأة ابن مسعود، قال: ((نعم، ائذنوا لها))، فأذن لها، قالتْ: يا نبي الله، إنك أمرتَ اليوم بالصدقة، وكان عندي حُلِيٌّ لي، فأردتُ أن أتصدَّق به، فزعم ابن مسعود أنه وولدُه أحقُّ مَن تصدَّقتْ به عليهم، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((صدق ابن مسعود، زوجُكِ وولدُكِ أحقُّ مَن تصدَّقتِ به عليهم))؛ رواه البخاري. فقد كان ابن مسعود - رضي الله عنه - فقيرًا، وبحاجة لمال زوجه، ومع ذلك لم تؤمَر زينبُ - رضي الله عنها _ أو تُكرَه على إمداده بقليل مالٍ أو كثيرٍ، بل رغَّبَها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ووجَّهها؛ لأنَّ زوجَها أفضل مِن غيره، وأحق بهذا المال. والحقيقةُ أن بعضَ الشباب يُفَضِّل المرأةَ العامِلَةَ؛ طَمَعًا في شيء مِن مالها، وظنًّا منه بأنه سينتفع بذلك، ويتقدَّم لخطبتها على هذا الأساس! وهنا قد تنشأ الكثيرُ مِن المشكلات المادِّيَّة حول راتب المرأة، الذي كان مِن دواعي رغبته فيها، في حين ترفُض المرأةُ تمامًا أن تمدَّ زوجها بجزءٍ مِنْ راتبها، الذي ترى أحقيتَها الكاملة له، فكيف يكون علاجُ تلك المشكلات والتخلُّص منها؟ الخروجُ مِن هذا المأزق بأن تُناقشَ الفتاةُ أمرَ الراتب بالتفصيل قبل الزواج، وأن تشترطَ على زوجها ما تشاء مِن شروطٍ مشروعةٍ، وتستوضح منه إن كان راغبًا في الحصول على جزءٍ مِنْ راتبها؛ فعن عُقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتُم به الفُروج))؛ متَّفَق عليه. والمناقَشَةُ في هذه الأمور المادية قد يَعْتَرِيها التحرُّج إن لم تكن العَلاقةُ بينكما قد توطَّدتْ بعدُ، ولما تتكرَّر المقابَلات واللقاءات بما يسمح لكما بالتحدُّث بطلاقةٍ وحرية، إلا أنَّ التحرُّج الآن خيرٌ مِن الوقوع في مشكلات الراتب، ونشوب الخلافات حوله، وكما يقال: (الراحة في الصراحة)، والاشتراطُ يضع النقاط على الأحرف بما يمنع أو يُقَلِّل المشكلات ويحصرها في أضيق الحدود. ولا داعي للتحسُّس دائمًا مِن الأمور التي تخصُّ المال، أو تتحدَّث عنه؛ فالموظَّفُ يَسْتَحْيِي أن يحدِّث رئيسه في أمر المكافأة، أو الراتب، أو زيادته بعد سنوات عديدةٍ ارتفعتْ فيها الأسعارُ، وحالتْ دون قدرته على الإنفاق على أسرةٍ كاملةٍ، والمرأةُ تستحيي أن تحادثَ زوجها في أمر النفقة، خاصة إن كانتْ عاملةً، والمَدِين يتحرَّج مِن دائنه متى رآه؛ حيث يتذكَّر المال وحاجته إليه، وكأنه عارٌ يُلاحقه أينما ولَّى، والفتاةُ تعجز أن تذكرَ لوالدِها رغبتها في زيادة المصروف لزيادة الاحتياجات، وهكذا يبقى أمرُ المال خطًّا أحمر، لا ينبغي للناس تعدِّيه، وإلا صاروا مادِّيين ودُنْيَويين، ولا يُفَكِّرون إلا في أنفسهم بمنتهى الأنانية! وكل هذا غيرُ صحيح؛ فالمالُ كغيرِه من الاحتياجات البشرية التي لا يُسْتَحْيَى مِن ذِكْرِها، والتحدثُ عنها بشفافيةٍ يُخرجه مِن ذلك الرداء الذي ألبسناه إياه دونما سببٍ واضحٍ، حتى التصقتْ بمَن يفكِّر فيه سيِّئ الصفات، وقبيحُ النعوت، ومُحْتَقَرُ الخِلال. مِن كامل حقكِ أن يُنفقَ عليكِ، سواء كان لكِ راتبٌ خاصٌّ أم لا، قال الشيخ العثيمين - رحمه الله -: (يجب على الزوج أن يُنفِق على أهله - على زوجته وولده - بالمعروف، حتى لو كانت الزوجةُ غنيةً؛ فإنه يجب على الزوج أن يُنفقَ، ومن ذلك ما إذا كانت الزوجةُ تدرس، وقد شرط على الزوج تمكينها مِن تدريسها، فإنه لا حقَّ له فيما تأخذه مِن راتبٍ، لا نصف، ولا أكثر، ولا أقل، الراتب لها، ما دام قد شرطَ عليه عند العقد أنه لا يمنعها مِن التدريس فرَضِي بذلك؛ فليس له الحقُّ أن يمنعَها من التدريس، وليس له الحق أن يأخذَ مِن مكافأتها - أي: من راتبها - شيئًا، هو لها).