أحمد محمد مخترش لقد أمر الله - تعالى - بتعلُّم العِلْم قبل القَوْل والعمل، قال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ). وبوَّب البخاريُّ - رحمه الله - في (صحيحه): (باب: العلم قبل القَوْل والعمل). ولقد بيَّن النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فضل العلماء العاملين؛ حيث قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((وإنَّ العالِم لَيستغفر له مَنْ في السَّماوات والأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماء هم ورثة الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العِلْم؛ فمَنْ أَخَذَه أَخَذَ بحظٍّ وافرٍ)). وقال بعض العلماء: (تعلَّم العِلْم، فإنه يقوِّمكَ ويسدِّدك صغيرًا، ويقدِّمكَ ويسوِّدكَ كبيرًا، ويصلح زيغكَ وفسادكَ، ويرغم عدوَّكَ وحاسِدكَ، ويقوِّم عِوَجَكَ ومَيْلَكَ، ويحقِّقَ هِمَّتَكَ وأَمَلَكَ). ليس يجهل فضل العِلْم إلا أهل الجهل؛ لأنَّ فضل العِلْم إنما يُعرَف بالعِلْم، فلمَّا عدم الجُهَّال العِلْمَ الذي به يتوصَّلون إلى فضل العِلْم؛ جهلوا فضله، واسترذلوا أَهْلَه، وتوهَّموا أنَّ ما تميل إليه نفوسهم من الأموال المُقتناة والطُّرق المُشتهاة أوْلَى أن يكون إقبالهم عليها، وأحرى أن يكون اشتغالهم بها). وقد بيَّن عليُّ بن أبي طالب - رضيَ الله عنه - فضل ما بين العِلْم والمال؛ فقال: (العِلْمُ خيرٌ من المال، العِلْم يحرسكَ وأنت تحرس المال، العِلْم حاكمٌ والمال محكومٌ، مات خزَّان الأموال وبقيَ خزَّان العلم، أعيانهم مفقودة، وأشخاصهم في القلوب موجودة). وربما امتنع بعض الناس عن طلب العِلْم لكِبَر سنِّه، واستحيائه من تقصيره في صِغَرِه أن يتعلَّم في كِبَرِه، فرضيَ بالجهل أن يكون موسومًا به، وآثره على العِلْم أن يصير مبتدئًا فيه، وهذا من خدع الجهل وغرور الكسل؛ لأن العِلْم إذا كان فضيلةً؛ فرغبة ذوي الأسنان فيه أوْلَى، والابتداء بالفضيلة فضيلة، ولأَنْ يكون شيخًا متعلِّمًا أوْلَى من أن يكون شيخًا جاهلاً. وفي هذه الأيام يستعدُّ الطلاَّب والطالبات لاستقبال فصل دراسي جديد، يبتدئونه يوم غدٍ؛ يقضون هذا الفصل بين أوراق المدارس؛ لينهلوا من مناهل العِلْم والمعرفة على حسب مستوياتهم واتجاهاتهم، ويشجِّعهم ويدفعهم إلى ذلك أولياء أمورهم، وهذا شيءٌ طيِّبٌ، وقد تقدَّم التَّرغيب في طلب العِلْم. ولقد حثَّ النبيُّ أصحابه على القراءة والتفقُّه في الدِّين، وخير مثال ضربه لنا في هذا المجال كان في إطلاقه لأسرى بدر، بعد أن اشترط عليهم أن يعلِّم كلُّ واحدٍ منهم نفرًا من المسلمين القراءةَ والكتابة. معاشر طلاَّب العِلْم: هناك شروطٌ يتوفَّر بها عِلْم الطَّالب، وينتهي معها كمال الرَّاغب، مع ما يُلاحظ به من التَّوفيق ويُمَدُّ به من العَوْن: أوَّلها: العقل الذي يدرك به حقائق الأمور. الثَّاني: الفِطْنَة التي يتصوَّر بها غوامض العلوم. والثَّالث: الذَّكاء الذي يستقرُّ به حفظ ما تصوَّره وفهم ما عَلِمَه. الرَّابع: الرَّغبة التي يدوم بها الطَّلَب، ولا يُسرع إليها الملل. والخامس: الاكتفاء بمادَّة تُغنيه عن كلف الطَّلب. والسَّادس: الفراغ الذي يكون معه التوفُّر ويحصل به الاستكثار. السَّابع: عدم القواطع المُذهِلَة من هموم وأشغال. الثَّامن: الظَّفْر بعالِمٍ سَمْحٍ بعِلْمِه، مُتأنٍّ في تعليمه. فإذا استكمل هذه الشروط؛ فهو أسعد طالب، وأنجح متعلِّم، وكذلك عليه أن يتأدَّب مع معلِّمه ويوقِّره ويحترمه ويعترف بفضله. قال بعض العلماء: (مَنْ لم يتحمَّل ذلَّ التعلُّم ساعةً، بقيَ في ذلِّ الجهل أبدًا). وقال بعض الشُّعراء مبيِّنًا مَغَبَّة ازدراء المعلِّم: إِنَّ الْمُعَلِّمَ وَالطَّبِيبَ كِلَيْهِمَا لا يَنْصَحَانِ إِذَا هُمَا لَمْ يُكْرَمَا فَاصْبِرْ لِدَائِكَ إِنْ أَهَنْتَ طَبِيبَهُ وَاصْبِرْ لِجَهْلِكَ إِنْ جَفَوْتَ مُعَلِّمَا إخوتي أولياء أمور الطلاَّب، إخوتي أساتذة أبناء المسلمين: ممَّا لا يخفى على الجميع: أنَّ أبناء اليوم رجال الغد، وهم الذين سيتولُّون في المستقبل توجيه سفينة المجتمع وإدارة شؤونه؛ فإذا قُمنا اليوم بتوجيههم الوِجْهَة الصَّالحة التي أمر بها ديننا الحنيف؛ تخلَّصت مجتمعاتنا تحت إدارة هذه الصَّفوة من الشَّباب الطيِّب من أمراضٍ اجتماعيَّةٍ متفشِّية في المجتمعات... وأولياء أمور الطلاَّب والطَّالبات والمدرِّسين والمدرِّسات يقع عليهم العبءُ الأكبر؛ لأنهم يقضون معظم أوقاتهم مع الطلاَّب؛ الأب مع أبنائه في البيت، والمدرِّس مع طلاَّبه في المدرسة؛ فينبغي أن يكون كلٌّ منهم متفهِّمًا لرسالة الآخَر. ويبلغ التأثير أعلاه حينما يكون الأب والمدرِّس كلٌّ منهما ملتزمٌ بأحكام الإسلام في العبادات والمعاملات والأخلاق؛ فإذا كان الأب والمدرِّس كلٌّ منهما ملتزمًا بأحكام الإسلام، معتزًّا بإسلامه، شاعرًا بواجبه في الدَّعوة إلى الله والتَّوجيه؛ أفاض على مَنْ يقوم بتربيته من نور هذا الإيمان الذي يحمله بين جنبَيْه ويمشي به في النَّاس. فليَكُنْ شعارُك أخي المدرِّس: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33]. وليعلم كلٌّ من المدرِّس ووليِّ أمر الطلاَّب والطَّالبات: أنَّه راعٍ فيهم، ومسؤولٌ عنهم، ومطلوبٌ منه النُّصح لهم. وليعلم أنَّه: ((ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيَّةً، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لها، إلا حرَّم الله عليه الجنَّة)).