لا يمكن لمن لم يدخلها أن يتصور معاناة سكان الأكواخ القصديرية في فصل الشتاء في منطقة قريقوري ببلدية القبة بالعاصمة، ولا يمكن مقارنة هذه المعاناة إلا ببرودة تعامل السلطات مع هؤلاء السكان الذين يقطنون هذا الحي منذ أكثر من ثلاثين سنة ويفتقر هذا الحي لأدنى شروط الحياة الكريمة التي هي من حق كل مواطن أن يتمتع بها، يحدث هذا كله رغم البرنامج المسطر من قبل الدولة للقضاء على السكنات الهشة نهائيا. حي قريقوري بالقبة ورغم أنه يقع ببلدية القبة التي تحتوي على سكنات راقية، إلا أن هذه البيوت القصديرية تشوه المحيط العام لهذه البلدية. وللإشارة فإن هذا المجمع القصديري يقع ما بين الطريق المؤدي إلى حي المنظر الجميل وحي البدر بالقبة، ويعود تاريخ بنائه إلى ما قبل سنة 1985، وهناك من تواجد بهذا الحي منذ السبعينات إلى يومنا هذا ويبقى المتضرر الوحيد من هذا كله القاطنين بهذه السكنات، بحيث تبقى هذه العائلات محرومة من العديد من الخدمات أبرزها الدفء طيلة أيام الشتاء، وحسب سكان هذا الحي فإن معظم نزلائه هم غير أصليين أي جاءوا من ولايات مختلفة من الوطن بغرض الحصول على سكنات لائقة مثل ولايات برج بوعريريج وبوسعادة إلى غير ذلك من الولايات، ومنهم من هم أصليين يسكنون هذه البيوت فاتخذوا من الخشب والصفائح الزنكية والحجارة مأوى لهم يفتقر لأدنى شروط الحياة الكريمة التي يتطلع إليها كل مواطن، حيث أكد لنا محمد وهو يقطن هذا الحي منذ أكثر من 35 سنة، أن السلطات قامت بترحيل هؤلاء العائلات سنة 1985 ولكن لم تقم بمنحهم سكنات لائقة وقامت بإرسالهم إلى مناطق مختلفة من الوطن والبعض الآخر لم يستفد ولم يسعفه الحظ في الحصول على أي سكن من عملية الترحيل هذه التي مسّت إلا فئة قليلة منهم لأن السلطات أمرت بإرجاعهم إلى ولاياتهم الأصلية، ولكن بعد مرور الوقت عاد هؤلاء السكان إلى هذا الحي وقاموا ببناء هذه البيوت، وتقول بعض العائلات إنه بعد مطالبة سكان هذا الحي بترحيلهم قاموا بتأسيس لجنة من قدماء هذا الحي للمطالبة بحقوقهم، فقام رئيس المجلس الشعبي للدائرة الحضرية بالقبة بتسليمهم قرار تعيين قطعة أرضية لبعض وليس كل العائلات والتي يقدر عددها حوالي 20 عائلة، بحيث أنه كل عائلة تستفيد من قطعة الأرض التي تقطنها، ولكن بعد مرور الوقت وبسبب تماطل السلطات لم تستفد العائلات من هذه الأراضي وبقيت كل هذه الوعود حبرا على ورق، وهم الآن يطالبون بترحيلهم إلى سكنات تتوفر على مختلف شروط الحياة الضرورية. يضيف ذات المتحدث (أننا الآن نعيش في بلد يحق لكل مواطن يتمتع بحقوقه وخاصة السكن الذي هو من أولويات الاستقرار الأسري ومن ضروريات الحياة)، فالسكان هنا يعانون من مشاكل جمة جراء الطريقة التي بنيت بها هذه البيوت القصديرية التي سببت لهم المعاناة والأمراض وانتشار مختلف الآفات الاجتماعية مثل المخدرات التي راح ضحيتها العديد من الأطفال، الذين لم يجدوا أي شيء يشغلهم. إذ أن دخل بعض العائلات لا يكفي حتى لسد رمق العيش فكيف لهؤلاء الأطفال أن يدرسوا وأن يتعلموا ويتمتعوا بدفء العائلة في ظل انعدام مأوى يشعرهم بالدفء في فصل الشتاء وبالتالي يتجهون إلى مختلف الطرق والوسائل لتلبية مختلف احتياجاتهم حتى ولو امتهنوا حرفة السرقة أو تناول المخدرات التي تذهب العقول. تجار المخدرات يستغلون الأوضاع للاتجار بها وقد انتشر في هذا الحي وأحياء أخرى مجاورة من بلدية القبة، -على حد قول محمد- تجار المخدرات الذين يستغلون فرصة معاناة المواطنين للتجارة بالمخدرات وتوزيعها في أحياء أخرى من هذه البلدية، تقول هذه العائلات أنها تعاني كثيرا من هذه الآفة والتي تنتشر بصفة تدريجية في هذه الأحياء وعن عدم بناء مساكن لائقة بهذا المكان -تقول هذه العائلات- أنهم في كل مرة يتلقون وعودا بالترحيل من السلطات ولكن دون أية جدوى فلولا سماعهم لهذه الإشاعات في كل مرة -يضيف نفس المتحدث- أنهم لو قاموا ببناء سكنات لائقة في ذلك المكان ستأتي السلطات لطردهم لأن هذه الملكية ليست لهم وبالتالي يصعب عليهم اتخاذ مثل هذه الخطوة في ظل صمت السلطات المعنية. كفى من الوعود نريد ترحيلنا في اقرب وقت!، هكذا عبّرت العائلات التي تسكن هذا الحي والتي يزيد عددها عن 250 عائلة عن رأيها إزاء هذه الأكواخ القصديرية والتي تأمل وتنتظر بفارغ الصبر أن يلتفت المسؤولون إليهم وينظرون إلى وضعيتهم المزرية والتدخل الفوري لإيجاد حلول سريعة لمشكلتهم التي يعيشونها، فالمشاكل عديدة في هذا الحي الذي تنعدم فيه أدنى شروط الحياة من انعدام قنوات صرف المياه ونقص الماء الصالح للشرب والذي يلجأ السكان لجلبه من جهات أخرى مجاورة ويزداد وضعهم سوءا مع طبيعة هذه البيوت طيلة أيام فصل الشتاء والتي تكاد أسقفها تنهار فوق رؤوسهم وخاصة عندما تهب الرياح لأن بناءها من الطوب والقصدير، أما قاطنيها فالأثاث الذي يمتلكونه كله عبارة عن أثاث بال، وتقول هذه العائلات أنه حتى ولو توفر الأثاث لديهم حتما فإنه سيصبح في وضعية يُرثى لها بسبب الرطوبة الموجودة في هذه المنازل وقطرات المياه الموجودة والتي تسقط من السقف. ونشير إلى أن طبيعة هذه السكنات وسط تلك الظروف القاسية سمحت بانتشار مختلف الأمراض منها التنفسية كالربو بالإضافة إلى الروماتيزم خاصة بين الأطفال الصغار الذين بدورهم لم يسلموا من أزمة هذا الحوش المأساوية، بحيث اضطر العديد من الأولياء إلى توقيفهم عن الدراسة بسبب نقص الدخل الفردي لهذه العائلات وغلاء المعيشة. كما صرحت بعض العائلات بأن أطفالها يقتاتون من بيع الخبز اليابس الذي يُرمى في القمامة ويجوبون الشوارع والأحياء منذ الساعات الأولى من الصباح إلى ساعات متأخرة من النهار أملا في كسب بعض المال لسد مختلف احتياجاتهم اليومية. وخلال تجولنا بهذا الحي الذي يمتلئ بالأوحال في فصل الشتاء صادفنا بعض العائلات التي تسكن هذا الحي والتي يعز عليها فراقه وترفض الرحيل إلى سكنات جديدة، وتطالب بأن تسلمهم البلدية ملكية للأراضي وبالتالي يستطيعون التصرف فيها كما يشاءون، وبالرغم من أنها تفسد طبيعة المحيط وهي تحوي على مشاكل عدة، إلا أنها تناسبهم لأنهم لا يخضعون للكراء وبالتالي يتجنبون عدة مصاريف هم في غنى عنها، كما أن بعض العائلات لا تسدد حتى فاتورة الكهرباء فهم يجلبونها من أعمدة الكهرباء العمومية وبالتالي هم لا يملكون فواتير تسديد الكهرباء والغاز فيجدون صعوبة في استخراج شهادة الإقامة والوثائق التي تلزمهم من البلدية، وأكد سكان هذا المجمع أنهم ناشدوا السلطات العمومية في العديد من المرات قصد ترحيلهم ولكنهم لم يتلقوا أي إشعار بالرحيل فلم تكن هناك إلا مجرد وعود في كل مرة بدون نتيجة تذكر. الأطفال الضحية رقم واحد كما أن طبيعة هذه السكنات وسط هذه الظروف الصعبة أدت إلى تخلي التلاميذ عن دراستهم وانتشرت العديد من الآفات الاجتماعية من مخدرات وحبوب هلوسة شرب الكحول والسرقة التي راح ضحيتها مجموعة من أبناء هذا الحي الفوضوي ولأن اغلب سكانه أميون وفقراء فهم يلجأون إلى مختلف الطرق والسبل سواء المشروعة أو غير المشروعة لجلب قوتهم اليومي وإن لم يجدوا من أين يجلبون رغيف خبزهم يذهبون إلى المخدرات لإرادتهم في النسيان والبحث عن مسكنات للفقر والفشل في الدراسة أو العمل إلى غير ذلك، فيتحولون إلى لصوص في البيوت والشوارع وفي بعض الأحيان يصبحون خطرا على أفراد العائلة نظرا لأنهم يتناولون حبوب الهلوسة، وإثر دخولنا هذا الحي استقبلتنا السيدة (م. ع) أم لستة أبناء في منزلها الذي تظهر فيه جليا مناظر البؤس التي تعيشها هذه العائلة والمليء بالأثاث البالي والتي تقول أن ابنها بسبب هذه الظروف المزرية وبعد فشله في الدراسة لجأ إلى طريق الانحراف وامتهن حرفة السرقة فحكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات وهي الآن تتحمل مصاريف زائدة عن حاجتها عند ذهابها لزيارته في السجن، وتضيف قائلة لو قامت المصالح المعنية بخطوة ترحيلهم في أقرب الآجال من هذه الأحياء التي يكثر فيها مثل هذه الآفات لما أصبح ابنها وآخرون وراء القضبان.