محكمة برازيلية تقضي بإيقاف جندي صهيوني متهم بجرائم حرب في غزة    مدراس تعليم اللغات ملزمة بالتقيد الصارم بالنشاط المحدد لها في السجل التجاري    المرسوم المنظم لتخزين وتوزيع المنتجات النفطية سيسهم في تعزيز المنافسة والشفافية في القطاع    باتنة: حرفيون يبرزون أصالة وعراقة الملحفة بمنطقة الأوراس في معرض جماعي    اتحاد الكرمة يخطف الأضواء    معسكر: جثمان المجاهد علي بلهاشمي يوارى الثرى    غزّة تنزف..    وفاة 15 شخصا خلال 48 ساعة    الفكر قد يُسهم في الإصلاح والتقدم وقد يرسخ الإفساد والتخلّف    هكذا تستعد لرمضان من رجب..    سنة 2024: مكاسب اجتماعية هامة عززت الالتزام بالطابع الاجتماعي للدولة    طاقة ومناجم: السيد عرقاب يبحث مع السفير الياباني سبل تعزيز التعاون الثنائي    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 45805 شهيدا و 109064 جريحا    ندوة حول رهانات الأمن والتنمية    شركات التأمين بإمكانها إضفاء ديناميكية أكبر على السوق    الشباب يهزم الأهلي    بن شيخة يغادر الشبيبة    خبراء يُعوّلون على النموذج الاقتصادي الجديد    بن جامع: هذه أولويتنا القصوى    الأرندي يشيد بالتزام رئيس الجمهورية    حجز قرابة مليونَيْ طن من السلع في 2024    لقاء بمناسبة اليوم العالمي للغة البرايل    الجيش يُحيِّد 51 إرهابياً في عام واحد    الرئيس الصحراوي: محاولات المخزن فشلت    مستشفيات صينية تشهد حالة ضغط مع انتشار مرض تنفسي    وهران: استلام المؤسسة الفندقية "الفندق الكبير" في فبراير القادم    تعلّمنا من ثورة الجزائر حتمية زوال الاستعمار    7 مواد في امتحان تقييم المكتسبات والإنجليزية لأول مرة    التعامل بمسؤولية مع التطورات التي تعرفها الجزائر    الأمن المائي بسواعد جزائرية    تحسين جودة خدمات النّقل بمختلف أنماطه    "بريد الجزائر" يحذّر من الروابط والصفحات المشبوهة    تدابير هامة لإنجاح الفصل الدراسي الثاني    إيجابية حصاد 2024 وراءه المرافقة النوعية لرئيس الجمهورية    نأمل أن تأخذ الولاية حقها في التنمية وجعلها منطقة مكوث    استلام "الفندق الكبير" بوهران في فيفري القادم    كرة القدم/كأس الجزائر 2024-2025/ الدور ال32: مولودية وهران ونجم مقرة يتأهلان بشق الأنفس    الرابطة المحترفة الأولى موبيليس/وفاق سطيف : عبد الرزاق رحماني مديرا رياضيا لفريق الأكابر    "الأمن السيبراني" موضوع بالغ الأهمية    مظاهرات حاشدة بالمغرب تطالب بإسقاط التطبيع    توافد كبير للسياح على المناطق السياحية بولاية جانت    صدور كتاب "تأثير الإعلام على البيئة" لرضوان دردار    2024 سنة القضية الفلسطينية    الصحراء بكنوزها والأدب بإبداعاته والتراث ينتظر الاستغلال    مولودية الجزائر في مهمة التدارك    لابد من تشخيص أسباب التراجع ووضع خارطة طريق    مجلس الأمن: الهجمات الصهيونية على المستشفيات والمرافق الطبية في غزة جريمة حرب وانتهاك للقانون الدولي الإنساني    جانت.. اختتام المهرجان الثقافي السياحي لقصر الميزان في طبعته التاسعة    1.2 مليون جزائري في المدارس القرآنية    بلمهدي : الجزائر قطعت أشواطا كبيرة في مجال الإرتقاء بالتعليم القرآني    الخطوط الجوية الجزائرية تعلن عن إغلاق مؤقت لوكالتها في دبي    قراءة صحيح البخاري بجامع الجزائر    افتتاح مجلس قراءة الجامع الصحيح للإمام البخاري    إن اختيار الأسماء الجميلة أمر ممتع للغاية    جامع الجزائر : افتتاح مجلس قراءة الجامع الصحيح للإمام البخاري ابتداء يوم غد الاربعاء الفاتح لشهر رجب    "كناص" البليدة تطرح بطاقة ال"شفاء" الافتراضية    حاجي يدعو إلى التركيز على إنتاج أدوية مبتكرة    التركيز على إنتاج أدوية مبتكرة تماشيا مع التوجهات للدولة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بدوي..1

كتبت ذات تغريدة نقداً لزحف البادية على المدنية والتخلف على الحضارة، وحظيت تلك التغريدة ب (هاشتاق - وسم) بعنوان: العودة يسب البدو! أكره العنصرية، وأعالج أدق تفاصيلها في ضميري، ولا أسامح خاصتي وأسرتي حين يقعون فيها، وكان مرادي الحديث عن تراجع الأداء العربي في الميدان السياسي والثقافي، وسطوة المال النفطي، لكن يبدو أني لم أوفق في التعبير!
هممت أن أقول: إنني بدوي باعتبار القبيلة، فالصحراء رحم أخرجت القبائل العربية وكما يقول عمر (البدو هم أصل العرب ومادة الإسلام).
بيد أن الاسم يطلق على سكان البادية، وهو مشتق على الأرجح من الظهور وعدم الخفاء، وليس من البدائية، وغالب عملهم الرعي، سواءً كانوا من العرب أو من الشعوب الأخرى كبدو الصين ومنغوليا وغيرها، وهم يتنقلون من مكان لآخر طلباً للكلأ والمرعى كما قال مجنون ليلى:
وخَبَّرْتُماني أَنَّ تَيْمَاءَ مَنْزِلٌ لِلَيْلى إِذا ما الصَّيْفُ أَلْقَى المَرَاسيَا
فهذِي شُهُورُ الصَّيْفِ عنَّا قد انْقَضَتْ فما للنَّوَى تَرْمِي بلَيْلَى المَرَامِيَا؟
ويمكن عمل مناظرة بين البادية والحاضرة؛ شريطة الوفاق وعدم التعاند أو العنصرية تجاه أي منهما، فالأمر كما يقول (بداح العنقري) فارس ثرمداء:
البدو واللي بالقرى نازلينا *** كلن عطاه الله من هبة الريح!
علماً أن القبيلة الواحدة يكون بعضها في البادية وبعضها في الحاضرة كجهينة ومزينة وحرب وعتيبة وعنزة وشمر وغيرها.
حياة البدو أقدم من حياة الحضر، وهم عادة يتجنبون الكماليات ويقتصرون على الضروريات، بينما الحضر يميلون إلى الترف، وخشونة البداوة تسبق وتقابل رقة الحضارة .. كما قال المتنبي:
حُسنُ الحَضارَةِ مَجلوبٌ بِتَطرِيَةٍ وَفي البَداوَةِ حُسنٌ غَيرُ مَجلوبِ
ويتصف البدو عادة بالشجاعة والكرم والفطرية، فنفوسهم مهيأة لقبول ما يرد عليها من خير أو شر، وإذا تقبلت شيئاً صعب تغييرها عنه.
تعود الحضري على رفع سوره وإغلاق بابه، ونام على مهاد الراحة والدعة، واعتمد على الدوائر القائمة على حمايته، وإذا كانت الصحراء تحتاج إلى الشجاعة والحذر فإن المدينة تحتاج إلى الانضباط والروح الاجتماعية.
لا يجوز توظيف نصوص شرعية في هجاء البدو، ولعلها جاءت في سياق وظرف تاريخي معين، كانت فيه الهجرة واجبة على المسلمين إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، ف (ال) في قوله تعالى (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا) هي للعهد أي الأعراب المعهودين آنذاك، وليست لجنس الأعراب فلا تعمهم، ولهذا قال سبحانه (وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) .. الآية.
على أن لفظ (الأعراب) ليس متطابقاً فيما يظهر مع لفظ (البدو) حيث يوجد للبدو مضارب معروفة لا تتغير إلا لسبب، وهم قريبون من الحواضر، وحول مواضع المياه، وأملاكهم من الإبل والغنم وغيرها، وقد ورد أن الأنبياء رعوا الغنم، وأن السكينة في أهل الغنم، أما الأعراب فموغلون في الصحاري والقفار دائموا التنقل وملكهم غالباً من الإبل وقد ورد أن الفخر والخيلاء في أهل الإبل.
بل يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك، وأن (الأعرابية) لم تعد وصفاً مرتبطاً بجغرافيا في ظل التحولات العالمية، بل هي (أخلاق)، فمن كان جافياً مستبداً اقصائياً اعتبر أعرابياً ولو كان في أبهى قصور المدينة، ومن كان لطيفاً مهذباً لم يكن كذلك أياً كان موقعه.
ويعزز هذا ورود مصدر (التعرّب) أي : التحول إلى أعرابي، والفعل (تعرّب) أي : صار أعرابياً، فهي إذاً صفات متنقلة يمكن للمرء أن ينأى عنها، أو ينتقل إليها..
كما لا يجوز توظيف نصوص ذم الترف والمترفين ووجود الرهط المفسدين في ذم المدينة وأهلها. وإن كان الانقطاع في البادية مدعاة للغفلة والجفاء في جاري العادة، ولذا قال -صلى الله عليه وسلم- : (مَنْ بَدَا جَفَا، وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ). رواه أحمد عن أبي هريرة وهو حديث حسن.
في عصر العولمة أصبحت البوادي موصولة بالحاضرة، قادرة على اقتباس الخير والدين والأخلاق، وسالمة من التداخل، وأصبحت القرى والمدن الصغيرة منثورة على وجه الخريطة الصحراوية.
وهذا الوصف ليس أزلياً فابن المدينة إذا تركها إلى الصحراء قيل عنه: قد تعرب، أي أصبح أعرابياً، وابن الصحراء إذا سكن المدينة لم يعد أعرابياً ولا بدوياً.
البادية مرتبطة بالمدينة في حاجياتها، والمدينة مرتبطة بالصحراء في نزهتها ورفاهيتها وحطبها وربيعها وغنمها.
(الكمأة) من نبات الأرض وهي هدية جميلة يتبادلها الأغنياء.
النخلة عند الفلاح، والبعير عند البدوي، وهما يتشاطران الأهمية والرمزية.
أهل الوبر (الإبل)، وأهل المدر (البناء)، يتشاركون في القيم والتاريخ والجغرافيا والتحديات والمستقبل.
لن تستطيع الصحراء العيش دون مدد من المدينة، ولن تستطيع المدينة التواصل مع نظيراتها دون عبور الصحراء.
كان (زاهر الأشجعي) رجلاً من البادية صديقاً للنبي -صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ يُهْدِى لِلنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- الْهَدِيَّةَ مِنَ الْبَادِيَةِ فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّ زَاهِراً بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ). وَكَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- يُحِبُّهُ وَكَانَ رَجُلاً دَمِيماً فَأَتَاهُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْماً وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَلاَ يُبْصِرُهُ فَقَالَ الرَّجُلُ أَرْسِلْنِى مَنْ هَذَا فَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَجَعَلَ لاَ يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ عَرَفَهُ وَجَعَلَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ (مَنْ يَشْتَرِى الْعَبْدَ). فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذاً وَاللَّهِ تَجِدَنِى كَاسِداً. فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- (لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِد). أَوْ قَالَ (لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ ). رواه أحمد، والترمذي في الشمائل، وأبو يعلى، والبزار، وهو صحيح الإسناد.
على أن اللفظ يطلق على أهل المدن أيضاً عند أهل الحجاز والشام ومصر وغيرها، فهم يسمون من جاء من وسط الجزيرة بدوياً، ولو كان مزارعاً أو تاجراً، كما كانوا يسمون (العقيلات) بالبدو.
.../ ... يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.