يعيش سكان باب الوادي بالجزائر العاصمة خلال هذه الأيام ذكرى الفيضانات التي شهدتها البلاد خلال العاشر من نوفمبر 2001 والتي خلفت آثارا سلبية في نفوس هؤلاء خاصة ممن عايشوا الحادثة التي كانت صدمة للجميع، حيث لم تستطع لا الأيام ولا السنوات محو مخلفاتها في نفوسهم. سمراء بوعلام الله آثار فيضانات باب الوادي لا تزال ماثلة إلى غاية اليوم، فإلى الآن لا يزال الضحايا عالقين بين الموت والحياة، على أمل الاستفادة من قارب نجاة يحملهم إلى بر الأمان، بعيدا عن تكرار كابوس الفيضانات، الذي يتحول إلى هاجس يطارد سكان البيوت الهشة مع حلول كل شتاء.. من خلال زيارتنا الميدانية التي قادتنا الى المكان استطعنا أن ننقل بعض الشهادات لأناس عايشوا الحادثة آنذاك وبقلوب مفتوحة وحزينة في نفس الوقت استطاعوا أن يعيدوا الذاكرة إلى الوراء ويحكوا لنا ما عايشوه من مآسٍ حيث ترحموا على أرواح الشهداء الذين استشهدوا في ذلك اليوم الأسود كما يسمونه، ومنهم من رفض الحديث عن الحادثة حتى لا يتذكر ما مر عليه من حزن باعتباره شيئا محزنا ولا يستطيعون العودة بالذاكرة إلى الوراء خاصة هؤلاء الذين فقدوا أهاليهم، فأولاد باب الواد الذين غادروها بعد الفيضانات التي كانت سببا في تهديم بناياتهم لم يكونوا الوحيدين الذين غادروها مجبرين، فهناك غيرهم ممن فضلوا الرحيل عنها هربا من الذكريات سيما العائلات التي فقدت عددا كبيرا من أبنائها أو كما هو حال السيد (مروان) الذي يبلغ من العمر 56 سنة، هذا الأخير الذي فقد أربعة أشخاص من عائلته التقيناه بحديقة (رشيد كواش) قال: (فيضانات العاشر من نوفمبر هي كارثة طبيعية ومشيئة الخالق بالدرجة الأولى ولا يسعنا سوى أن نترحم على أرواح أمواتنا ونرجو من الله عز وجل أن يسكنهم فسيح جنانه ويجعلهم في منزلة الشهداء) ليضيف لحديثه: (أرجو أن لا يغفل المسؤولون في أداء مهامهم مثل ما حدث في تلك الفترة نتيجة غلق قنوات تصريف المياه ليبقى كل هذا قضاء وقدرا وما على الإنسان سوى الرضا بقضاء الله). يحدث هذا في الوقت الذي رفض (عبد الإله) الحديث عن الموضوع باعتباره مؤلما ولا يستطيع العودة إلى الوراء لأنه عانى الأمرين بعد الحادثة حيث يقول: (ليس من السهل تذكر ما جرى فأنا شخصيا بقيت مريضا لسنوات طويلة بعد الكارثة، حيث أصبحت أعيش في العيادات النفسية أكثر من بيتي، كما أنني اضطررت إلى الرحيل وتغيير المكان الذي فقدت فيه أعز ما أملك ..أهلي وأصدقائي، وتواجدي اليوم كان بالصدفة لأنني قصدت المكان لاستخراج بعض الوثائق وشاءت الصدف أن التقي بكم هنا في هذا المكان). (ربيعة) صاحبة 38 سنة كانت قبل 10 نوفمبر أم لابنتين وجدت نفسها بعده وحيدة، حيث هلكت بناتها في هذا اليوم، من بينهن (نور الهدى) البنت الكبرى التي كانت ستجتاز شهادة التعليم المتوسط في تلك السنة، السيدة ربيعة هي الأخرى لم تفارق جلسات العلاج النفسي المكثفة التي خضعت لها هذه الأخيرة، لم تأت بنتيجة تذكر فغادرت على إثرها العاصمة كلها متوجهة إلى ولاية الشرق بقسنطينة مسقط رأسها هربا من الماضي ومن الذكريات الأليمة حسب ما علمناه من أحد جيرانها الذي لا يزال يقطن بالحي. وبعد حديثنا مع عدد معتبر من المواطنين استطعنا أن نتوصل إلى أن السيدة (ربيعة) ليست الوحيدة التي هجرت باب الواد هربا من الصدمة، فأمثالها الكثير، فحتى وإن لم يهجروا العاصمة، غادروا منازلهم متوجهين إلى مناطق أخرى ولم يعودا إليها منذ ذاك التاريخ وكأنها منطقة محرمة. في نفس السياق أدلى السيد (سحبان عثمان) رئيس بلدية باب الواد برأيه في الموضوع حيث ترحم على الأرواح التي جرفتها المياه، وأكد على أن السلطات المسؤولة اتخذت احتياطاتها اللازمة لتفادي حدوث مثل هذه الكوارث مستقبلا، كما أشار إلى جملة من الإنجازات والمشاريع المسطرة التي هي قيد الإنجاز سيستفيد منها أبناء ومواطنو بلدية باب الواد خلال السنوات القليلة القادمة. ليبقى العاشر من نوفمبر للفيضانات ذكرى أليمة في نفوس مواطني باب الواد خاصة والجزائريين عامة، لكن يبقى أمان الجزائريين أقوى من أي كارثة رغم قسوتها لأنها أولا وقبل كل شيء قضاء وقدر.