منتدى الأمم المتحدة لتحالف الحضارات بالبرتغال : الجزائر تطرد مجرمة الحرب الصهيونية تسيبي ليفني    رئيس الجمهورية : الأمن الغذائي رهان استراتيجي    الكيان الإرهابي يعلن الحرب على أطفال غزّة    ارتفاع الحصيلة إلى 44235 شهيدا    الفترة المكية.. دروس وعبر    مشروع خط بشار غارا جبيلات يتقدّم..    ناشطات صحراويات تفضحن تكتيكات الاحتلال المغربي لإذلالهن واسكات صوتهن    العدوان الصهيوني على لبنان: الأمم المتحدة تجدد دعوتها لوقف إطلاق نار دائم وفوري لإنهاء خسارة الأرواح والدمار    شنقريحة يلتقي وزير الدفاع الكويتي    وزير الصحة يشرف على اختتام أشغال الملتقى الدولي الثامن للجمعية الجزائرية للصيدلة الاستشفائية وصيدلة الأورام    معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة بوهران: استقطاب أكثر من 15 ألف زائر    تسيير الأرشيف في قطاع الصحة محور ملتقى    رابطة الأبطال الإفريقية: تعادل ثمين لمولودية الجزائر أمام تي بي مازمبي في لوبومباشي (0-0)    حوادث الطرقات: وفاة 5 أشخاص وإصابة 66 آخرين بالجزائر العاصمة خلال شهر أكتوبر المنصرم    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة الصحفي محمد بوزينة    السيد سعداوي يترأس ندوة وطنية عبر تقنية التحاضر المرئي عن بعد    الجزائر قامت بقفزة نوعية في مجال تطوير مشاريع السكك الحديدية    العدوان الصهيوني على غزة: الاحتلال ارتكب 7160 مجزرة منذ أكتوبر 2023    جائزة الشيخ عبد الكريم دالي: افتتاح الطبعة الرابعة تكريما للفنان الراحل نور الدين سعودي    الفروسية : كأس الاتحادية للمسابقة الوطنية للقفز على الحواجز من 28 إلى 30 نوفمبر بتيبازة    إطلاق الإكتتاب لشراء أسهم أول شركة ناشئة ببورصة الجزائر في الفاتح ديسمبر    رقمنة القطاع التربوي: التأكيد على "الانجازات الملموسة" التي حققتها الجزائر    الدور الجهوي الغربي الأخير لكأس الجزائر لكرة القدم: جمعية وهران -اتحاد بلعباس في الواجهة    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم الاحتفال بالذكرى ال50 لتأسيس الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين    حوادث الطرقات: وفاة 34 شخصا وإصابة 1384 آخرين بجروح الأسبوع الماضي    شركة جزائرية تبتكر سوار أمان إلكتروني لمرافقة الحجاج والمعتمرين    هيئة بوغالي تتضامن مع العراق    إعادة انتخاب دنيا حجّاب    اختتام زيارة التميز التكنولوجي في الصين    عطّاف يستقبل عزيزي    ندوة بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة    توقيف مُشعوذ إلكتروني    الشرطة توعّي من أخطار الغاز    المنظومة القضائية محصّنة بثقة الشعب    الجزائر تدعو إلى فرض عقوبات رادعة من قبل مجلس الأمن    رسميا.. رفع المنحة الدراسية لطلبة العلوم الطبية    دروس الدعم "تجارة" تستنزف جيوب العائلات    الرئيس تبون رفع سقف الطموحات عاليا لصالح المواطن    آفاق واعدة للتعاون الاقتصادي وشراكة استراتيجية فريدة قاريا    العميد يتحدى "الكاف" في اختبار كبير    استذكار أميرة الطرب العربي وردة الجزائرية    التجريدي تخصّصي والألوان عشقي    اتفاقيات بالجملة دعما لحاملي المشاريع    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: تسليط الضوء على أدب الطفل والتحديات الرقمية الراهنة    وزارة الشؤون الدينية والأوقاف : مجلة "رسالة المسجد" تنجح في تحقيق معايير اعتماد معامل "أرسيف"    وفد طبي إيطالي في الجزائر لإجراء عمليات جراحية قلبية معقدة للاطفال    الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي : مشروع "غزة، من المسافة صفر" يفتك ثلاث جوائز    اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة: تنديد بانتهاكات المغرب ضد المرأة الصحراوية ودعوة لتطبيق الشرعية الدولية    "تسيير الارشيف في قطاع الصحة والتحول الرقمي" محور أشغال ملتقى بالعاصمة    الوادي: انتقاء عشرة أعمال للمشاركة في المسابقة الوطنية الجامعية للتنشيط على الركح    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    سيدات "الخضر" في مهمة تعبيد الطريق نحو المونديال    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور        هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين خوصصة صلاة الكسوف وعولمة هلال رمضان
نشر في أخبار اليوم يوم 17 - 11 - 2013

قبل أيام أطلّ كسوف شمسي هجين على أجزاء من أفريقيا وأوروبا الجنوبية ومناطق في أمريكا، وكالعادة فقد اهتمت المواقع الإخبارية بالحدث ورصدته الصحف وتحدث عنه المجالس، وبينما كنت أتصفح بعض الملتقيات الأفريقية على فيسبوك وعلى رأسها (ملتقى دارسي العربية من أفريقيا) تناول أحد الزملاء مسألة الكسوف من زاوية الثقافة الأفريقية وعالج بعض مفرداتها، بينما تناول زميل آخر المسألة من الزاوية الفقهية وسلط الضوء فيما إذا وقع الكسوف في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، ثم نقل فوائد فقهية عن أبي عمر ابن عبد البر في الاستذكار، وابن قدامة في المغني، وفي ثنايا قراءتي لهذه المداخلات الفيسبوكية الماتعة، خطر ببالي مسألة طريفة تتمثل في عدم تقاتلنا على عولمة الكسوف والخسوف كما تقاتلنا فقهيا على عولمة دخول شهر رمضان وخروجه!!!
وقلت أليست هذه كلها متعلقة بالفلكين (القمر والشمس) ورؤيتهما؟ أليس النص الحديثي الذي اعتمد عليه القائلون بعولمة رؤية هلال رمضان وخروجه يتشابه كثيرا مع النص الحديثي الذي ورد في مسألة الكسوف، فلماذا احتدم النقاش في الثاني دون الأول؟ ولماذا قالوا بعولمة هلال رمضان دون عولمة صلاة الكسوف؟
وقبل أن أذهب بعيدا دعوني أوضح نقاطي أكثر، فأقول: لقد ثار جدل كبير -كما لا يخفى على شريف علمكم- حول ما إذا رئي الهلال في جزر القمر أو في مالاوي أو جامايكا هل يجب على مسلمي الأرض صيام رمضان وإفطاره؟ والذين قالوا بأن رؤية المسلمين في قطر تعتبر رؤية لجميع المسلمين في جميع الأقطار استدلوا في ذلك بحديث البخاري (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته...) وقالوا بأن الخطاب هنا للمسلمين جميعا، فإذا رآه بعضهم حقيقة وحسا فقد رآه كلهم معنى واعتبارا.
فالسؤال الذي يطرحه خاطري على سادة هذا القول هو: لماذا لم تقولوا بنفس القول في الكسوف والخسوف؟ لماذا لم تقولوا بأن خسوف دكار وسريلنكا وألبانيا يعتبر خسوفا للمسلمين كلهم؟ ألم يستخدم النبي (صلى الله عليه وسلم) نفس الأسلوب الخطابي هنا تماما مثل ما استخدمه في قضية رؤية هلال شهر رمضان؟ ألم يقل النبي (صلى الله عليه وسلم) كما في البخاري (إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم فصلوا وادعوا الله) لاحظوا يا السادة نفس لفظ (الرؤية) في كلا الحديثين، ونفس أسلوب الخطاب الجمعي (صوموا) جمع مذكر بصيغة الطلب، (فصلوا وادعوا) جمع مذكر بصيغة الطلب أيضا، إذا فما الذي اختلف هنا يا السادة؟!!!
طبعا سأحاول أن أجد لكم بعض المخارج:
المخرج الأول: أنكم أعجبتكم عولمة الفرح والسرور كما أعجبتكم خصخصة الخوف والذهول، أقصد أن دخول رمضان يمثل إيذانا بموسم الخيرات والبركات والطاعات وغفران الذنوب والعتق من النيران، وخروجه يمثل فرحا وسرورا وبهجة وجمالا، أما كسوف الشمس أو خسوف القمر فإنه يمثل الخوف والذهول، ولذلك مرة خرج النبي (صلى الله عليه وسلم) كما في البخاري يجر إزاره إلى صلاة الكسوف، مما يدل على أن الأمر يتطلب السرعة والمبادرة واستدعاء الرأي العام واستجلاب الذهنية الجمعوية لتدارك الموقف واحتواؤه بذكر الله والصلاة والدعاء. وفي قوله (فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وتصدقوا وصلّوا) ينبئ بأن الحادثة تحتاج إلى توبة وإرضاء الله وذكره كثيرا حتى يذهب الوضع وينصرف.
أقول: إنه وبالنظر إلى هذه الزاوية فأنتم تريدون أن يشترك المسلمون في الفرح والسرور جميعا ويستشعروا كلهم فرحة اليوم وغبطته، ويكون شعارا لوحدتهم وتلاقحهم. أما مناسبة الحزن والخوف فأردتم تحجيره وتضييق دائرته فلم يكن بودكم أن تعولموه وتكوكبوه.
المخرج الثاني: أنكم اعتبرتم عامل الوقت والزمن، وذلك أنه ولقصر عمر الكسوف والخسوف الذي قد لا يأخذ أحيانا أكثر من نصف ساعة أو ساعة أو أقل أو أكثر فإن الأمر يصعب تصديره وإعطاؤه الطابع العالمي، فالأخبار مهما كانت متسارعة في يومنا هذا، ومع وجود الشبكة العنكبوتية والأقمار الصناعية فإنه يصعب رصد بداية الكسوف الحادث في القاهرة مثلا ووقت انجلائه هناك من أهل الرياض وباريس وغيرها، فلو قلنا بعولمة الكسوف أو الخسوف لانكشف القمر دون أن يعرفه الآخرون في الأقطار الأخرى فيستمروا في الصلاة والدعاء مع أن الأمر قد انجلى في موقع الحدث، أما هلال شهر رمضان وخروجه فإنه يعتبر حادثا متعلقا بشهر كامل وبعبادة كاملة وبأمور جوهرية تأخذ حيزا كبيرا من الاستعداد ونشر المعلومات وتبادل الأخبار والاهتمام من جميع الشرائح. فقد اعتبرتم عامل الوقت والزمن هنا.
وقد يقول قائل بأن علماء الفلك في هذه الأيام يحددون بالضبط متى يبدأ الخسوف ومتى ينتهي، فلا يوجد مشكلة في معرفة وقت الصلاة في أي قطر في العالم، فأقول بأن هذا فيه صعوبة التوقيت ومعرفة تقاطع المواقيت وحساب الفروقات بينها مع الأقطار الأخرى. إضافة إلى أن الحسابات الفلكية على رغم دقتها فليست قطعية.
المخرج الثالث: أنكم راعيتم مبدأ رفع الحرج عن الأمة. وبيان ذلك أن صيام رمضان وخروجه متعلق بخروج الليل ودخول النهار في جميع الأقطار، فبالإجماع أنه لا يجوز ابتداء الصيام في لحظة رؤية الهلال، وإنما يبدأ الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، بمعنى آخر أن رمضان لا يشكل حرجا للناس إذا قلنا أن يصوموا معا، لأن العبرة بخروج الليل ودخول النهار في كل قطر من أقطار العالم، فلو رأينا القمر في غانا مثلا فإنهم قد يبدؤون الصوم بعد عشر ساعات مثلا، وآخرون يبدؤونه بعد ثلاث عشرة ساعة، فالشروع المباشر في عبادة الصيام أو خروج شهر رمضان ليس متعلقا بنفس اللحظة التي يرى فيها الهلال، وإنما بتوقيت آخر وهو طلوع الفجر. وبهذا فإن القول بوحدة الصيام والإفطار في العالم كله لا يشكل حرجا ما دام هناك فجوة من الوقت يستطيع كل واحد فيها أن يجهز نفسه للعبادة واستقبال الشهر.
أما بالنسبة للكسوف والخسوف فإن الأمر متعلق بنفس لحظة الحدوث، بمعنى أنه عندما يبدأ الخسوف في زيمبابوي بتمام الساعة العاشرة ليلا، فإن على مسلمي غواتيمالا أن يبدؤوا الصلاة في نفس اللحظة وإلا لفاتهم الوقت، فلو صلوا بعد خسوف زيمبابوي فإنه لا يعتبر صلاة خسوف، ولا يجوز لهم الإدعاء بأنهم يحاسبون فارق التوقيت بين البلدين. وعلى هذا يقع الحرج والمشقة عليهم، فوجب التفريق بين ما يجب في اللحظة وما يجب بعد فترات متفاوتة على حسب البلدان.
المخرج الرابع: لعلكم استحضرتم العالمية الذاتية في هلال رمضان والخصخصة الذاتية في الكسوف، بمعنى أنكم اعتبرتم أن الهلال يطلع في كل مطلع من مطالع القمر، وفي كل قطر من أقطار العالم وإن تفاوت وقت ظهوره ورؤيته في الساعات والأيام لكنه سيواصل طلوعه في الأقطار المختلفة تباعا وبالضرورة، أما الكسوف فليس له طابع عالمي ذاتي، بمعنى أن الكسوف قد يقع اليوم في غينيا وليس بالضرورة أن يقع بعد ذلك بساعات في ليبيا، وبعده بيوم في تركيا ثم بعده في الصين. فهو يأتي لقطر معين في فترة معينة ثم يغيب وينتهي. وما ليس له طابع عالمي في ذاته فليس جديرا أن يعطى طابعا عالميا في استقباله والترحيب به.
المخرج الخامس: أنكم مصيبون إذا قلتم بأن حق القاعدة العامة أن تعمم، وحق الاستثناء أن يبقى محصورا في زاويته، فتعميم الاستثناء إجحاف في حق من لا يقع تحت حكم الاستثناء، وبيان هذا أن طلوع الهلال في بداية كل شهر قاعدة عامة طبيعية جرت به سنة الله الكونية، أما الكسوف فهو استثناء من القاعدة العامة، فالشمس ليس من طبيعتها أن تكسف، والقمر ليس من طبيعته أيضا أن تخسف، فالأمران استثناء للفلكين، فإذا كانت الحادثة استثناء فالمنطق يقتضي قصر حكم الاستثناء على المستثنى ولا ندخل فيه غيرهم. فصسلاة الكسوف عبادة استثنائية لحادثة استثنائية لبلاد مستثنى من النمط العادي في تلك اللحظة، فليس من المعقول أن ندخل معهم غيرهم من أصحاب الحالات العادية.
لا أدري هل تشفع لكم هذه المخارج يا السادة، فإن شفعت فالحمد لله، وإلا فإنه جهد الغيور على الفقه وأهله والذي أحرجه أن يراكم في موقف محرج كهذا!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.