تابع المكتب الولائي للرّابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان لولاية الشلف الاحتجاجات الشعبية المتكرّرة للمواطنين في عدّة مناطق من الولاية ليستخلص بعض الجوانب المثيرة عن حياة صعبة يعيشها المحتجّون، مقدّما صورة عامّة عن أبرز أسباب الاحتجاجات في الجزائر، مشيرا إلى أن أغلبها تأتي للتعبير عن تذمّر المحتجّين من الحالة المزرية التي آلت إليها الأوضاع المعيشية وبالخصوص في المناطق المعزولة، حيث أضحى المواطن يصارع بشتى الطرق وبأكبر التكاليف من أجل حقّه في البقاء والعيش الكريم والاستفادة من التنمية المحلّية، محروما من أبسط ضروريات الحياة الكريمة من ماء وغاز ومواصلات وطرق مهيّأة، ناهيك عن افتقار شريحته الشابّة إلى فرص العمل والترفيه وما إلى ذلك ممّا تقضيه متطلّبات الشباب من زواج وتكوين للأسر. أكّد المكتب الولائي للرّابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان لولاية الشلف في تقريره السنوي الذي تحوز (أخبار اليوم) نسخة منه، أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي في الشلف أصبح يتميّز بتفاوت اجتماعي مجحف بين مختلف فئات المواطنين، حيث أن المستوى المعيشي للطبقات المتوسطة وللأجراء والعاطلين والفئات المعدمة والمحرومة أصبح متدنّيا لتدنّي القدرة الشرائية، كما تقابله فئة محدودة من الأثرياء الجدد والمحظوظين من اللوبيات تعيش أوضاعا من الترف والبذخ الفاحش. "البرارك" في مقدّمة الأسباب جاء في التقرير السنوي أن نزيف القدرة الشرائية مازال متواصلا فيما يخص الأجور التي أصبحت منذ مدّة لا تلبّي الحاجيات الأساسية لفئات واسعة من المجتمع الشلفي على الخصوص، ممّا يتطلّب اتّخاذ إجراءات فورية وإعطاء البعد الاجتماعي والاقتصادي والأولوية للحدّ من تلك الفوارق الاجتماعية العميقة والقضاء على مختلف أشكال التفقير والتهميش والإقصاء، حسب التقرير. كما أبدى المكتب الولائي استغرابه في ملف البناء الجاهز (البرارك)، حيث النكبة في عامها الثالث والثلاثين وفي أيّام قليلة تمّ استحضارا للذكرى الثالث والثلاثين لوقوع أعنف زلزال في الجزائر الذي دكّ أسوار مدينة الأصنام سابقا والشلف حاليا في العاشر أكتوبر من سنة 1980 أعادت الحديث من جديد عن مطالب سابقة ركنت إلى الوراء بعض الشيء، وهي مطالب قابلتها الوعود الرنّانة التي لم تجد طريقها إلى التطبيق واصطدمت بجدار اسمه البيروقراطية القاتلة للحيلولة دون فكّ إشكالية (البرارك) في الشلف، ليبقى الملف العالق لحدّ الآن (طابو) كما أسموه في التقرير لا يمكن التعليق عليه. وأكّد التقرير ذاته أن ما تمّ تجسيده من إنجازات داخل الولاية لا يرقى إلى طموحات المواطنين بتاتا، وقد تمّ تشييد حديقة في طور الإنجاز بتكلفة تفوق تكلفة الألف سكن، في حين تعيش باقي المرافق الحيوية كالصحّة والسكن والتعليم وما إلى ذلك ضائقة مالية كبيرة وعجز في التسيير لا تسمح بتوفير الخدمات اللاّزمة والموجّهة للمواطن. وأفاد التقرير بأن سياسة السكن الاجتماعي الذي تحاول الدولة من خلاله التخفيف من أزمة السكن لم تقلّص من حدّة هذه الأزمة، إذ لم ترق إلى المستوى المطلوب وبقيت أيادي المضاربين ومافيات العقّار طويلة في هذا المجال في الوقت الذي تفاقمت فيه ظاهرة البناء العشوائي، وتناسل أحياء الصفيح أو الزنك بواسطة (لوبيات) التي تأتي بالأشخاص المحرومين من أجل (البزنسة)، وهي لازالت تعمل دون تدخّل للدولة في محاربة هذه الآفة ونظرا لاستفحال ظاهرة البناء الفوضوي في ولاية الشلف بشكل ما يزال يطرح الكثير من التساؤلات. استفحال ظواهر خطيرة من جهة أخرى، أخذت ظاهرة الانتحار بالشلف أبعادا خطيرة خصوصا في السنة 2013، والذي تعدّت خطورته وانتشرت بشكل رهيب في وسط الشباب، حيث أكّدت أن من يقومون بهذا الفعل بولاية الشلف هم من يشعرون بالإحباط والشعور والفشل وكذلك اليأس الشديد الذي يمنع الإنسان من التفكير بالحلول والصبر نتيجة ل (الحفرة) والبيروقراطية والمحسوبية، على حد تعبيرهم. وعن جرائم القتل التي شهدت ارتفاعا مهولا في الآونة الأخيرة وحوادث السرقة التي تعدّدت حوادثها لذات الولاية اعتبر المكتب الولائي أن كلّ هذه الأمور هي مؤشّر على تحوّل الولاية من منطقة كانت أقرب إلى الهدوء إلى صاخبة ومزعجة ومحيّرة بسبب ارتفاع منسوب البطالة في أوساط الشباب، ناهيك عن مسلسل (العفو المستمرّ) الذي يحظى به المنحرفون في كثير من المرّات، مؤكّدا أن معظم الجرائم المرعبة التي تقع في الشلف يكون أبطالها أصحاب السوابق العدلية، وهذا ما يشجّع بعض المجرمين على ارتكاب الجرائم مرّة تلو الأخرى رغم دخولهم السجن والخروج منه مرّات عديدة. أمّا عن الأوضاع العامّة في السجون فإن المكتب الولائي للدفاع عن الحقوق الإنسان لولاية الشلف تلقّى شكوى. كما لاحظ المكتب ذاته ازدياد نقاط بيع خمور غير مرخّصة لبيع المشروبات الكحولية، والتي صارت معروفة بتوزيع سموم المخدّرات وتمارس فيها مختلف طقوس الرذيلة ويتاجر فيها مافيا الجريمة بالعرض في مناطق عديدة منها الزبوجة، سيدي عكاشة، الشقة، وادي الفضّة، الشطّية، الشرفة، سنجاس. ومن جانب آخر، سجّل المكتب الولائي الشلف حسب تقريره السنوي لهذه السنة ظاهرة البيروقراطية، أين يقضي المواطنون معظم أوقاتهم في الرّكض وراء استخراج الأوراق الإدارية وتشكيل الملفات الثقيلة في عملية أضحت هاجسا مرعبا لأصحابها الذين ينتهي بهم الأمر في أغلب الأحيان إمّا إلى الإصابة بالضغط الدم أو بأزمات قلبية نتيجة تنقّلهم من مصلحة إلى مصلحة ومن دائرة إلى أخرى في رحلة استخراج أوراق لا تنتهي. أمّا فيما يتعلّق بالحقّ في التجمّع والتظاهر فقد تمّ خلال هذه السنة منع العديد من التظاهرات وقمع الكثير من الوقفات باللّجوء إلى اعتقال أحيانا بهذا الصدد ومن ضمنها على سبيل المثال لا الحصر ما وقع في بلدية الزبوجة يوم 23 و24 أكتوبر 2013، حيث تمّ توقيف مايقارب ال 40 شابّا وإيداع تسعة منهم رهن الحبس المؤقّت بغرض تقديمهم للمحاكمة. أين الحقّ في الصحّة؟ عن الحقّ في الصحّة يتساءل التقرير ذاته عن سبب ندرة اللقاحات في ولاية الشلف الذي يظهر إلى الوجود في كلّ مرّة دون تحديد الأطراف المسؤولة، عنه ويوجّه المكتب الولائي الشلف الاتّهامات لسوء التسيير والتوزيع، والذي نجم عنه غياب إحصائيات دقيقة لحجم الحاجيات، فيما يبقى الآلاف من الأطفال محرومين من التطعيم، محمّلا وزارة الصحّة حسبه مسؤولية توفير العدد الكافي لتلقيح جميع الأطفال في إطار الرزنامة المحدّدة عالميا، والتي تمّ وضعها وفق أسس علمية بحتة من أجل ضمان تعقيم جسم الطفل ضد الفيروسات والأمراض، لأن التأخير قد يؤدّي إلى نتائج سلبية. كما سجّل المكتب الولائي الشلف ضعف التمويل العمومي للصحّة وارتفاع نصيب النفقات الذاتية من جيوب الأسر الشلفوية بما يعادل 48 بالمائة من النفقات الإجمالية على الرعاية الصحّية وفشل في نظام المساعدة الطبّية لذوي الدخل المحدود، إلى جانب تراجع الخدمات الصحّية الوقائية والرعاية الصحّية الأوّلية والتربية الصحّية لصالح نظام العلاجات الثلاثية المكلّفة والباهظة التكلفة، بالإضافة إلى تردّي الأوضاع داخل المستشفيات العمومية بفعل عدّة عوامل مالية، بشرية ولوجستيكية واستمرار غلاء ونقص الأدوية، وكذا سوء التسيير والتدبير، حيث تمّ تسجيل اختلالات كبرى في التدبير المالي للمراكز الاستشفائية وقاعات الصحّية. وعبّر التقرير عن أسفه لحالة واقع الطفولة بولاية الشلف الذي لا زال متردّيا وحالات تعاطي المسكرات والاعتداء الجنسي على الأطفال واستغلالهم في العمل تنتشر. وفي شقّ آخر، عرفت الولاية توتّرا في الإضراب عن العمل بالنّسبة للعمال في العديد من القطاعات العمومية وشبه العمومية ضد سياسة التجاهل والتماطل التي تنتهجها الحكومة في مواجهة مطالب المضربين واعتمادها أسلوب الاقتطاع كأسلوب وحيد للردّ على تلك المطالب، في خرق سافر للحقوق والحرّيات النقابية وضرب صريح لحقّ مكتسب. وأبرز التقرير أن هناك انتهاكات عديدة للحقوق البيئية للمواطنين، سواء كان هذا في مياه الشرب أو تدهور حالة الهواء أو تدمير التربة الزراعية والثروة الغابوية، هذا بالإضافة إلى سوء تدبير النفايات الصلبة المنزلية وعدم وجود إدارة حقيقية للنفايات الطبّية الخطيرة، الأمر الذي يؤدّي إلى انتهاكات خطيرة تؤثّر على حالة الموارد البيئية من ناحية وعلى حياة المواطنين من ناحية أخرى، سواء بانخفاض فرص المواطنين للحصول على قوت حياتهم أو بصحّتهم ذاتها.