تحصين الدولة وتعزيز أمنها يكمن في بناء جبهة وطنية متينة    اختتام أشغال الملتقى الوطني حول أمن الذاكرة الوطنية    مجلس الأمن : السيد عطاف يترأس اجتماعا وزاريا حول القضية الفلسطينية    كرة القدم/كأس الكونفدرالية: ''مباريات مثيرة منتظرة في الدور ربع النهائي''    الصحراء الغربية : صحفيون وناشطون عرب يتبرؤون من موقف اتحاد الصحفيين العرب    تعزيز آليات التمويل وترقية الإطار التنظيمي والرقمنة والتكوين أهم توصيات الجلسات الوطنية للسينما    العاب القوى/ البطولة الافريقية 2025 لأقل من 18 و20 سنة : مدينة وهران مرشحة لاحتضان الحدث القاري    البطولة الوطنية العسكرية للعدو الريفي : تألق عناصر مديرية الإدارة والمصالح المشتركة لوزارة الدفاع    نص القانون الجديد لتسيير النفايات: تحويل مفهوم النفايات من إشكالية إلى مواد أولية قابلة للتثمين    مشروعا قانوني البلدية والولاية: صلاحيات أوسع للمنتخبين وتسيير عصري للجماعات المحلية    بورصة الجزائر: انطلاق عملية فتح رأسمال بنك التنمية المحلية ببيع 44.2 مليون سهم جديد    تلمسان.. جمع أزيد من 25 ساعة من الشهادات الحية حول الثورة التحريرية المجيدة    ممر الهيدروجين الجنوبي: السيد عرقاب يشارك غدا الثلاثاء بروما في اجتماع وزراء الطاقة المعنيين بالمشروع    الحماية المدنية: اجتماع اللجنة الثنائية المشتركة الجزائرية-تونسية بولاية الوادي    المجلس الشعبي الوطني: وفد عن البعثة الاستعلامية المؤقتة للجنة الشؤون الاجتماعية في زيارة إلى باتنة    وهران..ترحيل إحدى عشرة عائلة إلى سكنات لائقة بوادي تليلات وبئر الجير    وزير العدل يعقد اجتماعا مع الوزيرة المحافظة السامية للرقمنة    صحبي: خطاب رئيس الجمهورية التاريخي في الجلسات الوطنية للسينما يؤسس لثورة ثقافية حقيقية للفن السابع    الجوية الجزائرية: على المسافرين نحو السعودية تقديم شهادة تلقي لقاح الحمى الشوكية رباعي التكافؤ بدءا من ال10 فيفري    رئيس الجمهورية: كل رموز المقاومة والثورة التحريرية المجيدة يجب أن ينالوا حقهم من الأعمال السينمائية    منظمة أطباء بلا حدود تدعو إلى زيادة سريعة وواسعة النطاق للمساعدات الإنسانية لقطاع غزة    الجوية الجزائرية: المسافرون نحو السعودية ملزمون بتقديم شهادة تلقي لقاح الحمى الشوكية رباعي التكافؤ بداية من 10 فبراير    مشروع توسعة السد الأخضر يتقدّم..    سكان غزّة يحتفلون ببدء الهدنة    قانون المالية يخصص تدابير جبائية    فاتورة استيراد زيوت المحركات تتراجع    وقف إطلاق النار مصلحة كبرى للجميع    لا تساهل مع كل أشكال المضاربة والاحتكار    صهاينة يدنّسون الأقصى    الجزائر تخسر أمام تونس    رمضان في القصر خلال مارس    الجزائر تشهد حركة تنموية رائدة    مسابقة لتوظيف الطلبة القضاة    الطارف… الإطاحة بشبكة إجرامية تنشط في الاتجار بالمؤثرات العقلية    رئيس الجمهورية: كل رموز المقاومة والثورة التحريرية المجيدة يجب أن ينالوا حقهم من الأعمال السينمائية    سينمائيون يشيدون بعناية رئيس الجمهورية لقطاع السينما    أنشيلوتي مهدَّد بالإقالة    60 منصبا تكوينيا في طور الدكتوراه بجامعة وهران 1    عطاف في نيويورك للإشراف على اجتماعات لمجلس الأمن    تقليص مدة الاستجابة لنداءات الاستغاثة    استلام محطة تصفية المياه المستعملة السداسي الثاني من 2025    الجزائر تحقق إنجازا مهما على الساحة الدولية    تلاميذ تقرت وسطيف في ضيافة المجلس الشعبي الوطني    الأسواق الإفريقية والآسيوية وجهات واعدة للتصدير    وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ    عروض كثيرة لحاج موسى    ديدوش مراد صنع مجد الجزائر    غزة: بدء دخول شاحنات المساعدات إلى القطاع عبر معبر رفح    الجلسات الوطنية للسينما: بللو يبرز دور الدولة في ترقية المشهد الثقافي    ريان قلي يجدد عقده مع كوينز بارك رانجرز الإنجليزي    بلومي يباشر عملية التأهيل ويقترب من العودة إلى الملاعب    بلمهدي: هذا موعد أولى رحلات الحج    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع اليأس والأمل في العام الجديد
نشر في أخبار اليوم يوم 07 - 01 - 2014


بقلم: فهمي هويدي
أتوقع عاما صعبا على مصر في 2014، ولأننا سنحصد فيه ثمار ما زرعناه في عام الكراهية الذي سبقه، فإنني لا أكاد أجد بين عناوينه ما يسمح بالتفاؤل، زاعما أنه لا يمثل المستقبل وإنما هو مجرد سحابة داكنة وعابرة فيه.
أدري أن الخوف من الآتي المنظور يكاد يكون عنوانا للمشرق العربي، بوجه أخص في العام الجديد.. من لبنان وفلسطين إلى سوريا والعراق، مرورا بمصر والسودان واليمن.
غير أني أزعم أن لكل بلد أسبابه الخاصة الداعية إلى ذلك. ولئن كان سيناريو الانفراط والتشرذم سمة غالبة على أكثر الدول المشرقية، فإن الأمر لا ينسحب على مصر التي لا يهددها الانفراط الجغرافي، بينما تدخل مرحلةً من المواجهة قريبة من تلك التي شهدتها الولايات المتحدة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، حين أصيبت الدولة بلوثة عارمة دفعتها إلى التورط في معركة مفتوحة على الجهات الأربع ضد الإرهاب.
ومن يتابع وسائل الإعلام المصرية وحملة التعبئة المجنونة ضد الإرهاب التي يروج لها صباح مساء، والتي تحشد لها كل الرموز والطاقات، لا يدع مجالا للشك في أننا نستنسخ ما جرى في الولايات المتحدة، فالهستيريا واحدة، والكارثية لم تختلف في البلدين، وتهمة الطابور الخامس التي وجهت ضد الرافضين لموقف الحكومة تكاد تكون متطابقة عندهم وعندنا.
وما فعلته ليز تشيني ابنة ديك تشيني نائب الرئيس آنذاك، حين خصصت موقعا لتتبع وإعلان أسماء أولئك الرافضين بين أساتذة الجامعات خاصة، لا تختلف عما يفعله بعض إعلاميي الأجهزة الأمنية عندنا بحق بعض المثقفين وحتى المسؤولين في الحكومة.
وشعار (من ليس معنا فهو ضدنا) الذي أشهرته الإدارة الأميركية خارج حدودها، مرفوع عندنا في الداخل والخارج.
ومع ذلك، ثمة فوارق مهمة بين الحالتين، منها أن الحرب الأميركية انبنت على حقائق وقعت على الأرض، ودارت رحاها خارج حدود البلاد، في حين أن الحرب المصرية الراهنة انبنت على كم غير قليل من الأوهام والأغاليط وظل ميدانها الأساسي في الداخل.
منها أيضا أن الأميركيين وجهوا نيرانهم في البداية ضد هدف واضح هو معقل تنظيم القاعدة في أفغانستان، أما في مصر فإن السلطة اختارت هدفا لم يثبت أنه الفاعل الحقيقي وراء الحوادث الإرهابية، رغم أن له أخطاءه السياسية وغير السياسية التي لا تنكر.
أما أهم تلك الفوارق فإن الحرب الأميركية ضد الإرهاب كانت موجهة ضد أناس من شعوب أخرى، أما في حالتنا فسهام الحرب موجهة ضد فئة من الشعب المصري ذاته.
قلت إننا سنحصد في العام الجديد ثمار ما زرعناه في 2013 الذي سبقه، وإذا تطلعنا إلى صفحة العام المنقضية فسنجد أننا زرعنا أمورا عدة يتمثل أبرزها في ما يلي:
- إقصاء الإسلام السياسي وإخراجه من المشهد.
- اعتماد الدور السياسي للقوات المسلحة من خلال الوضع الخاص لوزير الدفاع الذي جرى تقنينه في نص الدستور والذي يحوّل قيادة القوات المسلحة إلى مركز قوة في الساحة السياسية، خصوصا في ظل الضعف المشهود للأحزاب السياسية.
- إضعاف دور الحراك الأهلي ومنظمات المجتمع المدني، في ظل القانون الذي صدر باسم تنظيم التظاهر، وتضمن قيودا عدة على ممارسة ذلك الحق، الأمر الذي استخلص منه الجميع أنه أريد به منع التظاهر لا تنظيمه.
- تسييس القضاء ودفعه كي يصبح طرفا في الصراع الدائر عبر إخضاع إجراءات التحقيق والضبط ونظر القضايا أو حفظ البلاغات وكذلك أحكام القضاء، لمتطلبات وملاءمات السياسة الأمنية.
- استعادة السياسة الأمنية التي كانت متبعة في مرحلة ما قبل ثورة 25 يناير 2011، بما استصحبته من ممارسات شكلت انتهاكات لحقوق الإنسان، وأعادت إلى الأذهان ما ظن الجميع أن الثورة تجاوزته وطوت صفحته. وقد أسهم في ذلك قرار إعادة العناصر الأمنية التي سبق استبعادها لارتباطها بمرحلة مبارك والعادلي، إلى وظائفهم السابقة.
- فتح الأبواب للتشكيك في ثورة 25 يناير من خلال تجريح الحدث وتلويث سمعة المشاركين فيه، لتأسيس شرعية جديدة لما سميت بثورة 30 يونيو 2013.
وبينما بذل البعض جهده للقطيعة مع ثورة يناير، لاحت قرائن عدة في الأفق المصري الجديد مشيرة إلى التصالح مع نظام مبارك الذي انتفض ضده ثوار يناير.
وكان ظهور رموز وأبواق عصر مبارك في الساحة الإعلامية من تلك القرائن التي كان بينها أيضا إسهام أثرياء ذلك العصر في مساندة معارضي نظام الدكتور محمد مرسي والدعوة إلى إسقاطه.
- إذكاء وتأجيج الخصومة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة، وفي الوقت نفسه ممارسة درجة ملحوظة من التهدئة مع إسرائيل، حتى بدا أن ضغوط النظام المصري موجهة بشكل أساسي ضد الفلسطينيين الذين يسكنون القطاع (تمثلت في هدم الأنفاق وتكرار إغلاق معبر رفح إلى جانب حملات التشهير الإعلامية).
- الانخراط في محور (الاعتدال) العربي الأكثر ارتباطا بالسياسة الأميركية، والاعتماد شبه الكامل على دعم ذلك المحور ومساندته في التعامل مع الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر.
ربما لاحظت أني لم أتعرض للسياسات الاقتصادية التي أحسب أن لأهل الاختصاص في شأنها كلاما كثيرا يضيف مسحة إضافية من التشاؤم إزاء سيناريوهات السنة الجديدة، وهو أمر لا غرابة فيه لأن جزءا كبيرا من النشاط الاقتصادي يرتبط باستقرار الأوضاع السياسية وهدوئها.
ولأنني آثرت أن أترك تناول الشأن الاقتصادي لأهله، فسأكتفي هنا باستعراض الحصاد المفترض لما تم زرعه في الساحتين السياسية والاجتماعية، وهو ما ألخصه في النقاط التالية:
- مصير الحريات العامة في العام الجديد محفوف بالمخاطر، لسبب جوهري يتمثل في الضعف الشديد للمجتمع المدني، والفراغ المؤرق المخيم على الفضاء السياسي. ذلك أن مصر خرجت من العام المنصرم وقد توزعت على معسكرين:
- أحدهما متغلب قابض على السلطة يضم تحالفا عريضا تقوده المؤسسة العسكرية والأمنية ويضم أغلب الكيانات السياسية (الليبرالية واليسارية) ومعها فلول نظام مبارك، إضافة إلى القضاء والإعلام.
- والثاني مغلوب ومهشم يضم جماعة الإخوان ومعها بقية الكيانات المنخرطة في التحالف من أجل دعم الشرعية. وقد التحق بالمعسكر المغلوب مؤخرا عدد محدود من المنظمات الحقوقية.
ذلك المعسكر المتغلب لم يكن لديه مشروع للوطن، ولكنه اجتمع على هدف إسقاط حكم الإخوان، وإن تحقق ذلك فإن الاستمرار في السلطة سيصبح هدف المرحلة المقبلة التي تم التمهيد لها برفع أسهم المؤسسة العسكرية ومعها القضاء العسكري، وإصدار قانون منع التظاهر وإنشاء محاكم خاصة للإرهاب.
وستكون الأجهزة الأمنية هي الحارسة لكل ذلك، خصوصا في ظل استمرار مسلسل اجتثاث الإخوان وإقصائهم من الحياة السياسية. وإذا كان الوضع المستجد لم يحتمل في بداياته حلقة واحدة من البرنامج الساخر الذي كان يقدمه باسم يوسف، فلنا أن نتصور مقدار الحساسية إزاء حرية التعبير بعد تمكينه.
- إذا كانت جولة إخراج الإخوان من السلطة قد حسمت في 2013، فإن العام الجديد يفترض أن يشهد الجولة الأهم التي سيتم بمقتضاها إخراجهم من السياسة.
ذلك أن كل القضايا التي أعلن عنها في العام السابق سيحسم أمرها خلال السنة الجديدة. وحسب المعلومات المتاحة فإن عدد الذين أحالتهم النيابة إلى القضاء من الإخوان وحدهم يقدر عددهم الآن بنحو 1800 شخص، وهناك مئات آخرون وجهت إليهم الاتهامات بالتحريض على العنف وتعطيل الدستور وغير ذلك، ولم يتم تحديد مصيرهم بعد، وهذا فضلا عن المعتقلين الذين تقدر المصادر الإخوانية عددهم بأكثر من 14 ألفا يفترض أن يحسم أمرهم أيضا هذا العام.
- إضافة إلى ما سبق فإن جراح العام الماضي ستظل معلقة على جدران العام الجديد، ولا أحد يعرف كيف ستعبر عن نفسها.
أخطر تلك الجراح ما تعلق منها بضحايا فض الاعتصامات الذين يتفق الجميع على أن العدد الأدنى لقتلاهم هو نحو ألف شخص (مصادر الإخوان تتحدث عن ثلاثة آلاف)، وذلك بخلاف المصابين والمعاقين، وهو الملف الذي لا يزال مغلقا ولم يُبذل أيُّ جهد لمداواته وامتصاص مراراته، ناهيك عن إعلان الحقيقة فيه.
وأخشى ما أخشاه -إذا ما استمر ذلك الوضع- أن يؤدي إلى موجة جديدة من العنف الذي ينطلق من الثأر وتصفية الحساب، خصوصا أن الضحايا لم يكونوا من الإخوان فقط، بل بينهم أناس ينتمون إلى جماعات إسلامية أخرى. والعنف في هذه الحالة قد لا يستهدف مؤسسات النظام فقط، ولكنه قد يستهدف أيضا ضرب نقاط الضعف في المجتمع (الأقباط مثلا) والاقتصاد (السياحة أقرب مثال).
- بينما شهدت سنة حكم الرئيس مرسي انخراط كل التجمعات الإسلامية في العمل السياسي العلني والسلمي بمن فيهم الجهاديون والسلفيون والمتصوفة، يُخشى أن تشهد مرحلة الإقصاء والاجتثاث المقبلة عودة التنظيمات السرية بأفكارها الخطرة وتداعياتها التي تهدد الاستقرار والأمن.
- في العام المنقضي توجهت أصابع الاتهام إلى حركة حماس في غزة بالضلوع في تهديد الأمن القومي المصري، وفي العام ذاته برزت سيناء باعتبارها بؤرة ومعقلا للجماعات الإرهابية والتكفيرية، وفي وسائل الإعلام المصرية محاولات للربط بين حماس وتلك الجماعات، رغم أن عام 2012 شهد إنشاء غرفة عمليات اشترك فيها ممثلو حماس مع الجهات المصرية المختصة للتعامل مع الوضع في سيناء...
العنصر الذي لا ينبغي أن يغيب عن البال هو أن مصر أكبر من الطرفين المتصارعين، الغالب منهما والمغلوب، ذلك أن ثمة مساحة وسطا تحتلها كتلة جماهيرية حية لا تنتمي إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
ومن رحم تلك الكتلة خرج المجهولون الذين فجروا ثورة 25 يناير وأعادوا إلى المجتمع حلمه المغيب وبلده المغتصب والمنهوب، ولم يتحقق ذلك بالمجان، ولكن الشباب القادم من المجهول دفعوا ثمنه من دمائهم...
لست أرى في السحابات الداكنة التي تلوح في الأفق نهاية المطاف، وأقاوم بشدة فكرة ضياع الحلم والاستسلام لليأس من المستقبل، لأننا عشناه ولمسناه في لحظة خاطفة. ولأنه كان، فذلك يعني أنه ممكن وأنه سيكون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.