فيديوهات كاذبة تزرع الرعب عبر المنصات الإلكترونية    الجزائر-النيجر: آفاق واعدة لمستقبل التعاون الثنائي    عرقاب يستقبل وفدا من شركة سينوبك الصينية    مجمع "جيتكس" يطلق تشكيلته الجديدة لملابس الأطفال بأسعار تنافسية    عرض نتائج دراسة حول التحول الرقمي    برمجة تسليم خمس مناطق نشاط مُصغّرة قبل نهاية 2025    بورصة الجزائر: ارتفاع قيمة التداول ب 5ر4 % في السداسي الثاني من 2024    الاحتلال المغربي يمعن في سياسة الترهيب والانتقام    فلسطين.. حضارة التاريخ لا تباع ولا تستبدل    هل يحطم مبابي أسطورة رونالدو في الريال؟    صادي رئيساً للفاف حتّى 2029    المؤسسات الجزائرية تبرز مهاراتها    جهّز جسمك لاستقبال رمضان    تلمسان : ندوة علمية حول اللغة الأم وتعليم الكبار    رمضان: جمعية التجار والحرفيين تدعو إلى تفادي المضاربة وتبرز وفرة المنتجات    تتويج الفائرين في الطبعة الرابعة للمسابقة الوطنية للصحافة البيئية    مشاريع تنموية جديدة لفائدة بلديتي المنيعة وحاسي القارة    كيف تفوز الأسرة برمضان؟    شركة قطر فارما تبدي اهتمامها بالاستثمار في الجزائر    تنظيم انتخابات أعضاء برلمان الطفل الجزائري 2025-2027    الجيش الوطني الشعبي: القضاء على إرهابي وآخر يسلم نفسه خلال أسبوع    الجزائر تعرب عن استغرابها إزاء التدابير التقييدية على التنقل والدخول إلى الأراضي الفرنسية    رئيس الجمهورية يحل بمطار عنابة للإشراف على تدشين مصنع تحلية مياه البحر "كودية الدراوش" بالطارف    جنيف: تنديد دولي باستغلال المغرب للطاقة البديلة وقضايا المناخ لتمويل احتلاله العسكري وقمعه للمدنيين الصحراويين    مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة: خطة الكيان الصهيوني هي القضاء على الوجود الديموغرافي الفلسطيني    اختتام الجمعية العامة العادية الأولى للمجلس الأعلى للشباب للسنة الجارية    الأمم المتحدة: الوضع في غزة كارثي ويستدعي استجابة إنسانية عاجلة    كرة القدم/ تصفيات كأس إفريقيا للأمم 2026 للسيدات (الدور التصفوي الأول-إياب): الجزائر تفوز على جنوب السودان (3-0) وتبلغ الدور الثاني والأخير    إنفانتينو يُهنّئ صادي    ابنة صلاح.. ممثّلة!    اجتماعية الدولة مبدأ مقدّس    تحرير ضحيتين كانتا محتجزتين داخل منزل بعلي منجلي    فرنسا مطالبة بتحمّل مخلّفات تجاربها النووية بالجزائر    استقرار في أسعار اللحوم البيضاء في رمضان    سوناطراك توقع عقد مع "سينوبك" لاستكشاف واستغلال المحروقات بحاسي بركان-شمال    تأكيد تمسّك الجزائر بالقانون الدولي الإنساني    دراسة 19 تعديلا على مشروع قانون محكمة التنازع    افتتاح معرض تشكيلي جزائري-إيطالي بالجزائر العاصمة    اللجنة المشتركة لمتابعة إنجاز طريق تندوف - الزويرات    وزارة الشؤون الدينية والأوقاف تنشر إمساكية رمضان    سوريا ترحب بقرار الاتحاد الأوروبي    وفد من مؤسسات ناشئة جزائرية يشارك في قمة الويب بقطر    حج 2025: آخر أجل لدفع التكلفة هو يوم الجمعة المقبل على الساعة الثامنة مساء    كأس إفريقيا للأمم-2026 سيدات: المنتخب الوطني ينهي تربصه استعدادا للقاء جنوب السودان    وفرة و"رحمة" تنبّئان برمضان استثنائي    مهمة عسيرة ل"الحمراوة"    قسنطينة على صفحة نادي ليفربول    صناعة صيدلانية: شركة قطر فارما تبدي اهتمامها بالاستثمار في الجزائر    "مفدي زكريا" يستضيف فن التصميم الإيطالي    فارسي يعود لأجواء المنافسة ويريح بيتكوفيتش    المجلس الشعبي الوطني: وزير الثقافة والفنون يستعرض واقع وآفاق القطاع أمام لجنة الثقافة والاتصال والسياحة    سايحي يستقبل وفدا عن النقابة الوطنية المستقلة للقابلات الجزائريات للصحة العمومية    "طيموشة" تعود لتواصل مغامرتها في "26 حلقة"    الشوق لرمضان    سايحي يتوقع تقليص حالات العلاج بالخارج    استعمال الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع اليأس والأمل في العام الجديد
نشر في أخبار اليوم يوم 07 - 01 - 2014


بقلم: فهمي هويدي
أتوقع عاما صعبا على مصر في 2014، ولأننا سنحصد فيه ثمار ما زرعناه في عام الكراهية الذي سبقه، فإنني لا أكاد أجد بين عناوينه ما يسمح بالتفاؤل، زاعما أنه لا يمثل المستقبل وإنما هو مجرد سحابة داكنة وعابرة فيه.
أدري أن الخوف من الآتي المنظور يكاد يكون عنوانا للمشرق العربي، بوجه أخص في العام الجديد.. من لبنان وفلسطين إلى سوريا والعراق، مرورا بمصر والسودان واليمن.
غير أني أزعم أن لكل بلد أسبابه الخاصة الداعية إلى ذلك. ولئن كان سيناريو الانفراط والتشرذم سمة غالبة على أكثر الدول المشرقية، فإن الأمر لا ينسحب على مصر التي لا يهددها الانفراط الجغرافي، بينما تدخل مرحلةً من المواجهة قريبة من تلك التي شهدتها الولايات المتحدة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، حين أصيبت الدولة بلوثة عارمة دفعتها إلى التورط في معركة مفتوحة على الجهات الأربع ضد الإرهاب.
ومن يتابع وسائل الإعلام المصرية وحملة التعبئة المجنونة ضد الإرهاب التي يروج لها صباح مساء، والتي تحشد لها كل الرموز والطاقات، لا يدع مجالا للشك في أننا نستنسخ ما جرى في الولايات المتحدة، فالهستيريا واحدة، والكارثية لم تختلف في البلدين، وتهمة الطابور الخامس التي وجهت ضد الرافضين لموقف الحكومة تكاد تكون متطابقة عندهم وعندنا.
وما فعلته ليز تشيني ابنة ديك تشيني نائب الرئيس آنذاك، حين خصصت موقعا لتتبع وإعلان أسماء أولئك الرافضين بين أساتذة الجامعات خاصة، لا تختلف عما يفعله بعض إعلاميي الأجهزة الأمنية عندنا بحق بعض المثقفين وحتى المسؤولين في الحكومة.
وشعار (من ليس معنا فهو ضدنا) الذي أشهرته الإدارة الأميركية خارج حدودها، مرفوع عندنا في الداخل والخارج.
ومع ذلك، ثمة فوارق مهمة بين الحالتين، منها أن الحرب الأميركية انبنت على حقائق وقعت على الأرض، ودارت رحاها خارج حدود البلاد، في حين أن الحرب المصرية الراهنة انبنت على كم غير قليل من الأوهام والأغاليط وظل ميدانها الأساسي في الداخل.
منها أيضا أن الأميركيين وجهوا نيرانهم في البداية ضد هدف واضح هو معقل تنظيم القاعدة في أفغانستان، أما في مصر فإن السلطة اختارت هدفا لم يثبت أنه الفاعل الحقيقي وراء الحوادث الإرهابية، رغم أن له أخطاءه السياسية وغير السياسية التي لا تنكر.
أما أهم تلك الفوارق فإن الحرب الأميركية ضد الإرهاب كانت موجهة ضد أناس من شعوب أخرى، أما في حالتنا فسهام الحرب موجهة ضد فئة من الشعب المصري ذاته.
قلت إننا سنحصد في العام الجديد ثمار ما زرعناه في 2013 الذي سبقه، وإذا تطلعنا إلى صفحة العام المنقضية فسنجد أننا زرعنا أمورا عدة يتمثل أبرزها في ما يلي:
- إقصاء الإسلام السياسي وإخراجه من المشهد.
- اعتماد الدور السياسي للقوات المسلحة من خلال الوضع الخاص لوزير الدفاع الذي جرى تقنينه في نص الدستور والذي يحوّل قيادة القوات المسلحة إلى مركز قوة في الساحة السياسية، خصوصا في ظل الضعف المشهود للأحزاب السياسية.
- إضعاف دور الحراك الأهلي ومنظمات المجتمع المدني، في ظل القانون الذي صدر باسم تنظيم التظاهر، وتضمن قيودا عدة على ممارسة ذلك الحق، الأمر الذي استخلص منه الجميع أنه أريد به منع التظاهر لا تنظيمه.
- تسييس القضاء ودفعه كي يصبح طرفا في الصراع الدائر عبر إخضاع إجراءات التحقيق والضبط ونظر القضايا أو حفظ البلاغات وكذلك أحكام القضاء، لمتطلبات وملاءمات السياسة الأمنية.
- استعادة السياسة الأمنية التي كانت متبعة في مرحلة ما قبل ثورة 25 يناير 2011، بما استصحبته من ممارسات شكلت انتهاكات لحقوق الإنسان، وأعادت إلى الأذهان ما ظن الجميع أن الثورة تجاوزته وطوت صفحته. وقد أسهم في ذلك قرار إعادة العناصر الأمنية التي سبق استبعادها لارتباطها بمرحلة مبارك والعادلي، إلى وظائفهم السابقة.
- فتح الأبواب للتشكيك في ثورة 25 يناير من خلال تجريح الحدث وتلويث سمعة المشاركين فيه، لتأسيس شرعية جديدة لما سميت بثورة 30 يونيو 2013.
وبينما بذل البعض جهده للقطيعة مع ثورة يناير، لاحت قرائن عدة في الأفق المصري الجديد مشيرة إلى التصالح مع نظام مبارك الذي انتفض ضده ثوار يناير.
وكان ظهور رموز وأبواق عصر مبارك في الساحة الإعلامية من تلك القرائن التي كان بينها أيضا إسهام أثرياء ذلك العصر في مساندة معارضي نظام الدكتور محمد مرسي والدعوة إلى إسقاطه.
- إذكاء وتأجيج الخصومة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة، وفي الوقت نفسه ممارسة درجة ملحوظة من التهدئة مع إسرائيل، حتى بدا أن ضغوط النظام المصري موجهة بشكل أساسي ضد الفلسطينيين الذين يسكنون القطاع (تمثلت في هدم الأنفاق وتكرار إغلاق معبر رفح إلى جانب حملات التشهير الإعلامية).
- الانخراط في محور (الاعتدال) العربي الأكثر ارتباطا بالسياسة الأميركية، والاعتماد شبه الكامل على دعم ذلك المحور ومساندته في التعامل مع الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر.
ربما لاحظت أني لم أتعرض للسياسات الاقتصادية التي أحسب أن لأهل الاختصاص في شأنها كلاما كثيرا يضيف مسحة إضافية من التشاؤم إزاء سيناريوهات السنة الجديدة، وهو أمر لا غرابة فيه لأن جزءا كبيرا من النشاط الاقتصادي يرتبط باستقرار الأوضاع السياسية وهدوئها.
ولأنني آثرت أن أترك تناول الشأن الاقتصادي لأهله، فسأكتفي هنا باستعراض الحصاد المفترض لما تم زرعه في الساحتين السياسية والاجتماعية، وهو ما ألخصه في النقاط التالية:
- مصير الحريات العامة في العام الجديد محفوف بالمخاطر، لسبب جوهري يتمثل في الضعف الشديد للمجتمع المدني، والفراغ المؤرق المخيم على الفضاء السياسي. ذلك أن مصر خرجت من العام المنصرم وقد توزعت على معسكرين:
- أحدهما متغلب قابض على السلطة يضم تحالفا عريضا تقوده المؤسسة العسكرية والأمنية ويضم أغلب الكيانات السياسية (الليبرالية واليسارية) ومعها فلول نظام مبارك، إضافة إلى القضاء والإعلام.
- والثاني مغلوب ومهشم يضم جماعة الإخوان ومعها بقية الكيانات المنخرطة في التحالف من أجل دعم الشرعية. وقد التحق بالمعسكر المغلوب مؤخرا عدد محدود من المنظمات الحقوقية.
ذلك المعسكر المتغلب لم يكن لديه مشروع للوطن، ولكنه اجتمع على هدف إسقاط حكم الإخوان، وإن تحقق ذلك فإن الاستمرار في السلطة سيصبح هدف المرحلة المقبلة التي تم التمهيد لها برفع أسهم المؤسسة العسكرية ومعها القضاء العسكري، وإصدار قانون منع التظاهر وإنشاء محاكم خاصة للإرهاب.
وستكون الأجهزة الأمنية هي الحارسة لكل ذلك، خصوصا في ظل استمرار مسلسل اجتثاث الإخوان وإقصائهم من الحياة السياسية. وإذا كان الوضع المستجد لم يحتمل في بداياته حلقة واحدة من البرنامج الساخر الذي كان يقدمه باسم يوسف، فلنا أن نتصور مقدار الحساسية إزاء حرية التعبير بعد تمكينه.
- إذا كانت جولة إخراج الإخوان من السلطة قد حسمت في 2013، فإن العام الجديد يفترض أن يشهد الجولة الأهم التي سيتم بمقتضاها إخراجهم من السياسة.
ذلك أن كل القضايا التي أعلن عنها في العام السابق سيحسم أمرها خلال السنة الجديدة. وحسب المعلومات المتاحة فإن عدد الذين أحالتهم النيابة إلى القضاء من الإخوان وحدهم يقدر عددهم الآن بنحو 1800 شخص، وهناك مئات آخرون وجهت إليهم الاتهامات بالتحريض على العنف وتعطيل الدستور وغير ذلك، ولم يتم تحديد مصيرهم بعد، وهذا فضلا عن المعتقلين الذين تقدر المصادر الإخوانية عددهم بأكثر من 14 ألفا يفترض أن يحسم أمرهم أيضا هذا العام.
- إضافة إلى ما سبق فإن جراح العام الماضي ستظل معلقة على جدران العام الجديد، ولا أحد يعرف كيف ستعبر عن نفسها.
أخطر تلك الجراح ما تعلق منها بضحايا فض الاعتصامات الذين يتفق الجميع على أن العدد الأدنى لقتلاهم هو نحو ألف شخص (مصادر الإخوان تتحدث عن ثلاثة آلاف)، وذلك بخلاف المصابين والمعاقين، وهو الملف الذي لا يزال مغلقا ولم يُبذل أيُّ جهد لمداواته وامتصاص مراراته، ناهيك عن إعلان الحقيقة فيه.
وأخشى ما أخشاه -إذا ما استمر ذلك الوضع- أن يؤدي إلى موجة جديدة من العنف الذي ينطلق من الثأر وتصفية الحساب، خصوصا أن الضحايا لم يكونوا من الإخوان فقط، بل بينهم أناس ينتمون إلى جماعات إسلامية أخرى. والعنف في هذه الحالة قد لا يستهدف مؤسسات النظام فقط، ولكنه قد يستهدف أيضا ضرب نقاط الضعف في المجتمع (الأقباط مثلا) والاقتصاد (السياحة أقرب مثال).
- بينما شهدت سنة حكم الرئيس مرسي انخراط كل التجمعات الإسلامية في العمل السياسي العلني والسلمي بمن فيهم الجهاديون والسلفيون والمتصوفة، يُخشى أن تشهد مرحلة الإقصاء والاجتثاث المقبلة عودة التنظيمات السرية بأفكارها الخطرة وتداعياتها التي تهدد الاستقرار والأمن.
- في العام المنقضي توجهت أصابع الاتهام إلى حركة حماس في غزة بالضلوع في تهديد الأمن القومي المصري، وفي العام ذاته برزت سيناء باعتبارها بؤرة ومعقلا للجماعات الإرهابية والتكفيرية، وفي وسائل الإعلام المصرية محاولات للربط بين حماس وتلك الجماعات، رغم أن عام 2012 شهد إنشاء غرفة عمليات اشترك فيها ممثلو حماس مع الجهات المصرية المختصة للتعامل مع الوضع في سيناء...
العنصر الذي لا ينبغي أن يغيب عن البال هو أن مصر أكبر من الطرفين المتصارعين، الغالب منهما والمغلوب، ذلك أن ثمة مساحة وسطا تحتلها كتلة جماهيرية حية لا تنتمي إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
ومن رحم تلك الكتلة خرج المجهولون الذين فجروا ثورة 25 يناير وأعادوا إلى المجتمع حلمه المغيب وبلده المغتصب والمنهوب، ولم يتحقق ذلك بالمجان، ولكن الشباب القادم من المجهول دفعوا ثمنه من دمائهم...
لست أرى في السحابات الداكنة التي تلوح في الأفق نهاية المطاف، وأقاوم بشدة فكرة ضياع الحلم والاستسلام لليأس من المستقبل، لأننا عشناه ولمسناه في لحظة خاطفة. ولأنه كان، فذلك يعني أنه ممكن وأنه سيكون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.