الروح الإنسانية روح مقدسة سواء باسم القوانين والدساتير أو باسم الأديان والعقائد، يكفي أنها تمثل فرصة العيش فوق أرض هذا الكوكب وتحت سمائه. لذلك حينما يصل الأمر بالبعض إلى سلب هذه الروح وسرقتها من الجسد تعسفا وظلما وقهرا، يستطيع أي شخص أن يدرك أن الظروف بلغت من الصعوبة ما بلغت بحيث دفعت الشباب إلى اختيار الهروب بصمت والمشي في طريق الموت. لعل من بين أكثر ما يؤسفني هو الطريقة التي اختارها بعض الشباب نظرا للمشاكل التي يعانون منها، مشاكل لم تسمح لصاحبها بالعيش كريما وفق ما أراده وطبقا للنمط الذي دائما ما حلم به وتمناه، حينما ترى شابا في مقتبل العمر يغتسل بالبنزين ثم يضرم في نفسه النار فيعاني لأيام تحت وطأة آلام الحروق ثم يغادر نادما إلى مثواه الأخير تدرك أن الأمر أصعب مما نراه، وأصعب مما نتخيله.. خيار الانتحار هو خيار لا يكون إلا حين تنقطع كل السبل فيرى صاحبه أنه أفضل وأسهل حل. قبل أن نكفر من يختار هذه الطريقة، وقبل أن نلومه، قبل أن نطلق العنان لألسنتنا وأقلامنا لتسب هذا الإنسان الذي اختار إنهاء حياته بيده.. قبل كل هذا، يجب تفحص المشاكل التي أدت إلى مثل هذه التصرفات، الواقع ليس جميلا فلا داعي لإلباسه ثوب الجمال، الجرح عميق للغاية ولا يمكن مداواته بمجموعة من التنهدات والأسف، الدواء يكمن في إيجاد الحلول. الشاب حين يختار الانتحار فهو في الغالب لا يفكر بعقله، وبعيدا عن الدين والحكم الشرعي، فالشاب لا يرى غير هذا الحل أمامه لأنه كره، كره من الظلم والتعسف، كره من التهميش وضياع عمره، كره من الاعتذارات والوعود.. كره من كل شيء. الشاب يريد فقط بيتا يأويه وعائلة تضمه بحنانها وعملا يمنع عنه شفقة وتذمر الناس، الشاب بحاجة لكرامته التي سلبت، ليس بحاجة لخطب تندد بالانتحار، ليس بحاجة إلى دعاة يكفرونه ويهددونه بالنار إن أقدم هو على سلب روحه، ليس بحاجة إلى سارق يضحك في وجهه معتبرا إياه عبدا لا عمل له في الدنيا إلا الوقوف بجانب الحائط. يجب أن نستمع إلى مشاكل الشباب، أن نعطيهم حلولا عوض لومهم، أن نزرع فيهم حب الحياة عوض دفعهم إلى الموت. الشاب هو إنسان قبل كل شيء، ولديه مشاعر وأحاسيس.. حتى وإن كان رجلا فلا يزال بداخله جوف وقلب يتألم في صمت. لا أريد إلباس الانتحار ثوب الفضيلة ولا اعتباره خيارا صحيحا. مهما يكن، ومهما تكن الظروف، الروح مقدسة وسلبها لا يعني أبدا أنك انتهيت من المشاكل بل يعني أنك أضفت لأزماتك أزمة أخرى. أنا أعلم أن المشاكل حينما تكثر فالإنسان يحس كأن الحياة تعانده والقدر يعاقبه والزمن قد توقف، أعلم أن رؤية المستقبل وهو بعيد وأنت لا تدري هل يمكنك اللحاق به أم أن القطار قد فات أمر صعب للغاية، أعلم كذلك أن التمييز الذي حصل في هذا المجتمع سواء باسم المعتقد أو المنهج أو الفكر أو المبدأ قد جعلك تفكر هل قدري أن أعيش بين جدران التسلط؟ أدرك جيدا شعورك وأنت تشاهد عمرك يذهب دون أن تفعل به شيئا وأتخيل محنتك حينما ترى صديقك الذي لم يدرس أبدا يمتلك اليوم مصانع وشركات ضخمة، لكن أيها القارئ، لكن أيها الأخ، لكن أيها الصديق.. انتحارك يعني استسلامك لمن ظلمك، يعني أنك لا تريد أن تحظى بحقوقك، يعني أنك تسمح لمن همشك بمواصلة حياته بشكل طبيعي.. لا تفكر في نفسك وانتهاء عذابك، بل فكر في أمك التي ربتك حين تراك معلقا بحبل وروحك تصعد ببطء، فكر في أبيك وهو يشعر أن حياته ضاعت هباء، فكر في من أحبك يوما وهو يرى الإنسان الذي أحبه وتعلق به قد غادر الحياة دون أن يقول وداعا.. فكر في كل هذا قبل أن تقدم على تصرفك، واعلم.. اعلم جيدا أن لا يأس مع الحياة. مساهمة: غبولي زين العابدين