تاريخ مجيد وبطولات ثورية لا تمحى من كتب التاريخ، وستبقى الجبال وكل مناطق الجزائر شاهدة على أروع ثورة عرفها التاريخ الحديث، صنعها أبطال قادهم إيمانهم للخروج من أقفاص العبودية والاستغلال، ومن بين هؤلاء الأبطال أردنا تقديم سيرة أحد الشهداء الأشاوس الذي رضع حب الوطن من مهده إلى لحده، وتهدف (أخبار اليوم) عبر هذه المقالات الحصرية، إلى رفع اللبس عن تاريخنا خاصة في ظل الحملة المغرضة المتكالبة على شهداء أوفوا بما عاهدوا الله عليه.. عبد القادر حمداوي قدمت مدينة عين الدفلى الكثير من البطولات خلال ثورة التحرير، فكانت شاهدة على الكثير من المعارك التي نصر فيها الله المجاهدين على عدوهم رغم قلة الوسائل، وبمناسبة ذكرى أيام إضراب الثمانية أيام المعروف، أردنا تسليط الضوء على أحد أبطال هذه المدينة الرائعة.. فالشهيد سي بلحسن يستحق التوقف عند سيرته العطرة بتضحيات وبطولات لا تعد ولا تحصى طبعت كل حياته، فهذا البطل المولود بمدينة خميس مليانة في 12 / 05 / 1925 بولاية عين الدفلى، من أسرة فلاحية متوسطة كانت تعمل بأعمال مختلفة، وفي حضن هذه العائلة المناضلة تربي وترعرع إلى أن بلغ سن الدراسة مما جعل والده يذهب به إلى مدرسة (كلوكلى حمدان)، حيث قضى سنوات وتحصل على الشهادة الابتدائية آنذاك وكان مهتما بالانخراط في صفوف الكشافة الإسلامية قبل أن ينخرط في الحركة الوطنية، وعند انخراطه أصبح مناضلا ممتازا ناشطا في الميدان. وفي سنة 1950 انظم إلى صفوف المنظمة السرية وتم اكتشافه بعد ما تابعه العدو في النشاطات التي قام بها في عين المكان وألقي عليه القبض وزج به في السجن ببرج منايل ونقل إلى البليدة، ولما أطلق سراحه عاد مرة ثانية إلى ممارسة نشاطه النضالي. وعند اندلاع الثورة التحريرية سنة 1954 كان ينتظر الفرصة المناسبة للانضمام إلى جيش التحرير الوطني، وفي سنة 1955 التحق مباشرة بصفوف جيش التحرير الوطني في جبل حيث أظهر عبقريته في ميدان العمليات العسكرية والفدائية والتخريبية لمصالح العدو بالجهة، فشارك في العمليات التي عرفتها الناحية في السنوات الأولى من الثورة، ولقد أعجب به آنذاك سي أمحمد بوقرة نظرا لشجاعته وإقدامه وإخلاصه، وتكوينه العسكري، حيث كان مقاتلا جريئا ومكافحا مقداما وخاصة بعدما لاحظ ذلك منه مسؤله في عدة معارك خاضها مع إخوانه المجاهدين وقد رقي إلى مسؤول في 56 ثم عين قائدا للمنطقة الرابعة في سنة 1957 من الولاية الرابعة واصل واجبه في الميدان بكل إخلاص وشجاعة نادرة، لقد تقلد عدة مسؤوليات عسكرية وبالتحديد الناحية الثانية والمنطقة الرابعة، الولاية الرابعة. ولعل الشيء الذي زاد من تكوين سي بلحسن سياسيا وتوسيع دائرة فكرة النضالي هو تردده على مركز التدريب بجبل بومعد في بداية الثورة مع احتكاكه بالمناضلين الصادقين العاملين في هذه المنطقة الرابعة المجاهدة، الذي كان يوصيهم بعدم الرضوخ والانصياع لسياسة الطاغية. ويصارح إخوانه ممن يشتغل لدى إدارة العدو بأنهم سبب البلاء لاعتبارهم من مصاصي الدماء بما يأخذونه من الفقراء من رشاوي وما يفرضونه عليهم من ضرائب وغرائب وعملهم على تفقير الأهالي. وعرف على أنه يعامل المناضلين معاملة حسنة ويحضر أحيانا في اجتماعاتهم وكان كثيرا ما يستدعي من طرفهم من أجل أن يستشيروه حول قضاياهم. وعند إعادة النظر في أنظمة جيش التحرير الوطني في مؤتمر الصومام 20 أوت 1956 قام بتعبئة وتأطير في الناحية الثانية والذي كلف بمهمة عسكرية في ضواحي المنطقة وذلك تحت إشراف العدق أدهيلس قائد الولاية الرابعة آنذاك، وفي يوم من الأيام من سنة 1957 قامت القيامة في المكان المسمى جبل سيدي وبدلت الأرض حيث وصلت إمدادات عسكرية على الفور ومعها ضباط من جيش العدوالذين شاركوا في حرب الفيتنام وطوقت الجهة كلها تطويقا محكما بإقامة التحصينات ونصب الرشاشات الثقيلة فوق الربى المحيطة بالجهة وفي سفوحها وشرعت عدة طائرات عمودية فوق المكان لتحصى في شأنه كل شيء عددا تم عربت الشمس وانشر الظلام فجاءت فصيلة من المجاهدين الشجعان لتحاول فك الحصار حول هذه المعركة الطاحنة وتحرير من فيها لكن أتى لهم ذلك. وبعد سبق العدو إلى النقاط الإستراتيجية وإقامة التحصينات فيها وتطويق للجهة بأعداد هائلة ورغم كل ذلك فقد وقعت المحاولة ونشبت معركة دامت عدة ساعات شاركت فيها عدة أفواج من مجاهدي الناحية تحت قيادة سي بلحسن، حيث أمطروا العدو بوابل من الطلقات النارية فأرادوهم قتلى وجرحى فكانت معركة عنيفة واشتدت ضراوة المعركة وبدأت النجدات تصل إلى عين المكان، وهكذا إلى أن نفذت العملية ودار حديث بين المجاهدين عن سبب مجيء العدو إلى المكان في ذلك اليوم فهل كان عن وشاية؟ أم كانت دورة عادية لتمشيط المنطقة فلم تكن لديهم معلومات دقيقة فاللّه وحده الذي يعلم لكن سي بلحسن ورفاقه سقطوا في ميدان الشرف سنة 1957 بالمنطقة الرابعة قرب الهواورة، حيث كان يتفقد مركزا صحيا يوجد في عين المكان. ويوجد قبره حاليا في مقبرة الشهداء ببلدية سيدي غيلاس ولاية تيبازة، فهذا المناظل الحقيقي الذي بين حبه لهذا الوطن من خلال بطولات لا تخفى على أحد في منطقته، إلا أنها تبقى في الظل بعيدة عن مدارك الشباب والجيل الذي وجد نفسه ضائعا في التبعية، بعد أن تناسى تاريخ أبطاله ولم يدخل إلى قاموسه اليومي أسماء مشرفة كالسي بلحسن..