بقلم: باسم الجسر* المشهد العربي - الإسلامي في العالم بات مُفجعا، من المحيط الأطلسي إلى باكستان. حرب أهلية هنا وثورات شعبية هناك وتفجيرات وعمليات إرهاب يومية في المدن وتفتيت للمجتمعات الوطنية إلى تكتلات وجماعات سياسية طائفية ومذهبية وعرقية تطالب بالحكم الذاتي أو بالانفصال عن الوطن - الدولة، أو تتقاتل رافعة شعارات تعود بالإنسان العربي أو المسلم ألف سنة إلى الوراء... وكل ذلك بعد أن صفق العالم بأسره لما سمي ب"الربيع العربي"، كأنما هذا الربيع، بدلا من أن يحرر العرب والمسلمين من الأنظمة السلطوية التي كانت تحكمهم، ألقى بهم في خضم هائج من النزاعات والتناقضات المتفجرة. لقد كان الإسلام بخير قبل أن ترفع راياته جماعات وتنظيمات تحمل أسماء "القاعدة" و"داعش" و"النصرة" و"الإخوان" و"حماس" و"حزب الله" و"طالبان" و"حرام" وسلفيو مالي والمغرب. وقبل أن تحمل هذه الجماعات والتنظيمات والأحزاب السلاح للمزايدة بعضها على بعض ولمقاتلة بعضها بعضا، كان الأزهر والجامعات الإسلامية تحفظ الدين وتخرج مئات الألوف من العلماء الذين يحافظون على الإسلام بوجه كل التحديات التي واجهت المسلمين عبر القرون السالفة. وفي العقود الأخيرة كانت المساجد والمعاهد الدينية الإسلامية تنتشر في العالم بشكل لم يعرف من قبل. وكانت نسبة الأمية تتراجع بسرعة في العالم الإسلامي. ومجتمعات عصرية إسلامية جديدة تبصر النور.. ولم يكن المسلمون بحاجة إلى رشاش من هنا وسيارة مفخخة من هناك أو إلى التطرف والتعصب والتكفير لكي يواصلوا نهضتهم وتقدمهم. إنه مشهد يوجع العقل ويمزق القلب ما تعيشه مصر وسورياوالعراق ولبنان وأفغانستان وغيرها. وأفدح ما فيه هو أنه مرشح للتمادي سنوات، بل وللتفاقم، وإن الدول الكبرى قد نفضت يدها، إلى حد ما، من هذه النزاعات "الأخوية"، وأعلنت عجزها عن حلها، بالإضافة إلى التناقضات التي تزيدها تعقيدا وصعوبة ودموية؛ فالجماعات الإسلامية المقاتلة في سوريا باتت يقاتل بعضها بعضا، وهناك دول عربية تؤيد الجماعات الإسلامية هنا وتحاربها في مكان آخر، مضيفة إلى المشهد مزيدا من الغموض والرمادية (ترى ألم يحن الوقت لمعرفة مَن، حقيقة وسرا، يمول ويسلح آلاف المجاهدين المقاتلين في العراقوسوريا وغيرهما من الدول؟). ذات يوم رفع شعار (الإسلام هو الحل). واليوم، وأمام هذا المستنقع الدامي الذي غرق فيه المسلمون، هل تحول الإسلام على يد هذه الجماعات المتقاتلة إلى مشكلة عالمية؟ إخوان يقاتلون سلفيين، وسنة يقاتلون شيعة، و"القاعدة" تحارب حزب الله.. وكل فريق يعتقد أنه يجاهد في سبيل الله، وهو في النتيجة يقتل إنسانا ومواطنا وأخا له في الدين! السؤال الحقيقي بل الوحيد المطروح هو: كيف الخروج من هذا المأزق المصيري الذي وقع فيه العرب والمسلمون؟ هل بتسليم مقاليد الحكم إلى الجماعات الإسلامية؟ ولكن لأي منها وهي تتجاوز العشرين ويقاتل بعضها بعضا؟ أم بتسليم الحكم إلى العسكر لإعادة الأمن والاستقرار على حساب الحرية؟ أم بالتخلي عن الأوهام السياسية الكبيرة واختيار الوطنية والديمقراطية والتنمية الاقتصادية سبيلا للنهضة والتقدم؟ أم بترك النزاعات والصراعات الدينية والمذهبية والعرقية تجري في أعنتها نحو تفتيت الأمة والأوطان إلى دويلات متعادية؟ أغرب ما في كل ذلك هو موقف الدول الكبرى التي أسهمت في إيصال العرب والمسلمين إلى ما وصلوا إليه من ضياع مصيري، والتي تحاول، أو تتظاهر، اليوم بالتوفيق بينهم على طاولة المفاوضات في جنيف... بينما يشد بعضها خيوط النزاعات من وراء الستار ويعطل فريق آخر مجلس الأمن الدولي. وأفدح من ذلك هو رفض عرب ومسلمين متقاتلين الجلوس إلى طاولة المفاوضات معا! لو أن التريليونات (آلاف المليارات) التي أنفقتها الدول العربية والإسلامية في الخمسين سنة الأخيرة، على شراء أسلحة، لم يستخدم إلا قليلها في محاربة إسرائيل وخصص معظمها لمقاتلة بعضها بعضا، ولا نتحدث عن التريليونات الأخرى من الخسائر الاقتصادية التي سببتها الانقلابات والحروب أو عن نزوح ملايين الخبراء والأدمغة العرب والمسلمين إلى الخارج هربا من حكم جائر أو طلبا لفرص عمل - وكان بإمكانهم النهوض ببلدانهم ومجتمعاتهم لو أتيحت لهم فرص النجاح والإبداع والنهوض بها -.. لو أن هذه الثروات المالية والبشرية لم تهدر وخصّصت للبناء والتنمية الاقتصادية والإنسانية، لما وصل العرب والمسلمون إلى هذا المأزق التاريخي المصيري الذي يعانونه اليوم، ولا يجدون باباً للخروج منه.