بمناسبة مرور ألف عام على تأسيس مملكة غرناطة (1013-2013)، واحتفاء بها حاضنة لأشهر قصور بني نصر في الأندلس، وللدلالة على إنجازاتها ما بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر الميلادي وتطوّر الأشكال الفنية فيها، قام البيت العربي بمدريد بالتعاون مع مؤسسة رعاية قصر الحمراء وجنة العريف ومؤسسة التراث بتنظيم تظاهرة ثقافية نهاية شهر جانفي الماضي تضمنت أربع محاضرات، وذلك في إطار سعي هذا البيت إلى تقديم الوجه الأجمل والأهم للحضارة العربية بالمجتمع الأوروبي، ودمج مفرداتها العريقة مع حضارات شعوب الأرض. كانت أولى فعاليات الندوة الثقافية التي أقامها البيت العربي بمدريد محاضرة بعنوان (قصر الحمراء تاريخ وتراث)، وقد قدّم لها إدواردو لوبيس بوسكيتس المدير العام للبيت العربي في مدريد، مرحّبا بالمحاضريْن وهما ماريا دبل مار المديرة العامة لمؤسسة رعاية قصر الحمراء وجنة العريف وخيسوس بيرموديز مستشار التراث بالمدينة. الباحث خسيوس بيرموديز تحدّث في مداخلته عن الجانب التاريخي لقصر الحمراء، سالكا في ذلك سبيل الوصف الجمالي وموضحا في الآن ذاته الصفات المعمارية الممثّلة بطريقة بناء الحصن والأبراج ونوعية الزخارف الرشيقة المشكّلة ضمن منتظمات هندسية مثل النجمة أو المثلث، وانطلاقها من المركز ثم الاتساع الدائري الإشعاعي نحو الخارج، وكثرة الكتابات التي تغطي معظم أقواس وجدران وزوايا هذه القصور مشكلة قصر الحمراء كقصر من الكلمات له ألوان شديدة الحضور، تنتقل تموّجاتها من بهو إلى آخر. واعتبر الباحث أن كل هذا يدل على إسلامية هذه القصور وتشابهها في صفاتها مع صفات مدينه الزهراء، وأن هذه القصور تعتمد على شكل الخيمة الباقية دائما في ذهن المسلم، وذلك باعتماد المثلّثات، لكنها في قصر الحمراء تطوّرت لتحوله إلى أجمل معلم في الحضارة الإسلامية باق إلى يومنا هذا. وقد أفاد الباحث بأن أول بناء لهذا القصر يعود إلى القرن العاشر الميلادي على يد أحد ملوك الطوائف، لكن محمد بن الأحمر النصري اتخذ هذا المبنى قاعدة لمملكته الضخمة، وبعد أن بدأ القشتاليون يسيطرون على معظم الممالك العربية في أسبانيا، اتجه محمد بن الأحمر نحو غرناطة ليكمل البناء القديم، وليبني حصنه المهيب الذي امتد على معظم هضبة سبيكة، وأبراجه الضخمة التي توحي للأعداء القشتاليين بالقوة، ولعل أهم فضل يعود له هو جلب الماء الكافي لبناء قصور عائلته، ولتوظيف عدد كبير جدا من الجنود وعائلاتهم والخدم وعائلاتهم، وحاشيته كاملة، لذا فقد كان جلب الماء إلى الهضبة المرتفعة 100 متر عن النهر الذي يجري تحتها إنجازا هندسيا صعبا ورائعا عن طريق الأقنية والنواعير. وبعده جاء ولده محمد بن الأحمر، وأنشأ مباني الحصن الجديد، ثم أنشأ ولده محمد مسجدا، قامت عليه كنيسة سانتا ماريا حاليا ثم جاء بعده السلطان أبو الوليد إسماعيل، فزاد من توسعة القصر، ولعل ولده السلطان يوسف أبو الحجاج هو صاحب الفضل في بناء أجمل الأجنحة والأبهاء الملكية والإغداق عليها من روائع الفن العربي الإسلامي. وقد قدم خسيوس بيرموديز تفسيرا لتسمية القصر بقصر بالحمراء، وأرجع ذلك إلى نوع المادة الحمراء التي بني منها القصر، ثمّ عدد الأبراج الباقية حتى اليوم، وأهمها برج قماريش وبرج الأسيرة وبرج الأميرات. وأما عن الأبواب الباقية فأهمها باب الشريعة الذي يرتفع 15 مترا وقد نقش على قوسه بخط أندلسي متقن وجميل عبارة طويلة وفيها (أسعد الله به شريعة الإسلام وجعله فخرا باقيا على الأيام)، وقد حددت الكتابة تاريخ بناء الباب وهو عام 1354 م، ووراء هذا الباب هناك مصلى وفيه أيضا لوحة رخامية أشير فيها إلى حصار غرناطة وتسليمها لفرديناند وإيزابيلا عام 1492 م. وقد أشار الباحث أيضا إلى أن أجمل تحف الحمراء هي جناح الأسود، وفيه بهو الأسود، وهو أشهر فضاءات الحمراء لجماله ورشاقته وزخارفه المذهلة الشفافة، وتتوسطه بركة عليها 12 أسدا، كانت المياه تخرج من فم كل واحد منها على حدة حسب ساعات الليل والنهار، ثم القاعة الملكية وهي تحفة لا توصف من الحضور اللوني للأحمر المشرق والذهبي ثم الأخضر والأزرق الزمردي في قبتها المذهلة التي يعطي دخول الضوء والظلال فيها سحرا لم ولن يتكرر في مكان، وهو نتيجة معرفة رياضية هندسية متقدمة جدا. ثم تكلم خسيوس بيرموديز عن قصر جنة العريف، وحدائقه الخلابة التي استعملت أيضا للزراعة، وهي تبعد عن الحمراء 1000 متر. في النهاية ، أشار الباحث إلى أن الفرنسيين قد قاموا بقصف الحمراء أثناء الحرب، ما أدّى إلى تخريب جزء منها، لكنها تبقى قصرا من الجمال والسحر والكلمات. لا غالب إلا الله.. حاضرة ومستمرة ماريا دبل مار تطرّقت في مداخلتها إلى إدراك أسبانيا في منتصف القرن التاسع عشر للأهمية التراثية لقصر الحمراء، من حيث إعجازه المعماري والجمالي، لذا فقد اعترفت به اليونسكو وأدرجته ضمن التراث العالمي كمعلم ثقافي إنساني عام 1984، ومن ثمة أصبح من أهم المعالم السياحية في إسبانيا وأهم معلم إسلامي باق في الغرب، وقد أكدت الباحثة أن مؤسسة رعاية الحمراء وجنة العريف تقوم دائما بعمليات ترميم جادة للقصر، وللأبراج، كما تهتمّ بالحدائق والمزروعات والحقول لتبقي على جمالها. وهي تحافظ أيضا على وصول الماء الدائم إليها. كما أكدت الاهتمام بالجانب السياحي وتنظيم أعداد الزوار المتزايد دائما. وتكلمت عن الجانب الثقافي الذي تقيمه المؤسسة، من مهرجانات شعرية تتناول الشعر الأندلسي والشعر الأسباني على غرار مهرجان لوركا.