رفض التونسيون الاستجابة الى الوقفة الاحتجاجية التي دعت لها التيارات والتشكيلات السياسية الإسلامية، من اجل ما أسمته “ الدفاع عن المقدسات “ والتنديد بعرض لوحات اعتبرت “مسيئة” للدين الإسلامي خلال مهرجان ثقافي الأحد الماضي في المرسى شمال العاصمة، حيث اعتبر التونسيون أن الوقت الراهن غير ملائم لمثل هذه الاحتجاجات التي تضرب لا محال الاستقرار الأمني في بلادهم.وكانت جماعات سلفية متشددة وحركة النهضة الإسلامية أعلنت ليلة امس الأول وفي ساعات متأخرة عن إلغاء المظاهرات التي كانوا قد دعوا إلى تنظيمها بعد صلاة الجمعة، وجاءت هذه القرارات بعد أن رفضت وزارة الداخلية التونسية منح تراخيص لأية مسيرة أو مظاهرة.وفي الساعات الاولى من صباح أمس كانت أكبر شوارع العاصمة التونسية مكتظة، حيث تعيش البلاد اليوم ما قبل الاخير من امتحانات البكالوريا، كما أن الجمعة هنا ليست عطلة نهاية أسبوع، فكل الادارات والشركات والبنوك عملت بشكل عادي، كما أن المقاهي والمطاعم والفنادق استقبلت زبائنها عاديا، فيما اعتبر اخرون أن الأغلبية سيستمعون لقرار وصايتهم مشيرا لحزب النهضة التونسي، الذي ألغى الوقفة التنديدية. وفي حدود الساعة الواحدة وربع بعد نهاية صلاة الجمعة هنا بالعاصمة تونس، صعدت “اخر ساعة” شوارع “السويقة”، في جو كان عاديا نسبيا، وكنا نراقب بعض الملتحين الذين وكأنهم لا يبالون بما يحدث، كانوا يتسوقون أو جالسون في المقاهي والمطاعم ب«باب السويقة”، لنطل أخيرا بعد حوالي 10 دقائق من المشي على الأقدام على جامع الزيتونة، المتواجد بمحاذاة ساحة التحرير، هناك رأينا بعض التحركات الغريبة نوعا ما، مواطنون يركضون، وأفراد الأمن متجمعين بمحاذاة المسجد العريق، فسمعنا صوت أحد المواطنين يقول باللهجة التونسية “ما ثما شيء”، ويقصد بذلك الغاء هذه الوقفة التي كانت تخيف السلطة التونسية الى حد فرض حظر تجول بالعاصمة والمدن التونسية الكبرى، لتظهر لنا أخيرا ساحة التحرير التي يسمونها العاصميون هنا “القصبة” شبه فارغة، لا نرى سوى أفراد الأمن ومصالح الجيش التونسي، والعشرات من الصحافيين الذين انتقلوا بوسائلهم اللوجيستيكية لتغطية الحدث، الذي تحول بفضل وعي الشعب التونسي الى “لا حدث”. فاتخذنا صورا للساحة التي كان مزمع التنظيم فيها أحد اكبر التجمعات الاحتجاجية في تاريخ تونس ما بعد الثورة، وتحدثنا مع بعض الاعلاميين الذين انتقلوا هناك ورصدنا بعد الحقوقيين والمعارضين الذين لم يرفض الحديث مع الجريدة الجزائرية التي انتقلت الى هناك لنقل الأحداث، علما أن العديد من الحقوقيين حذروا من مخاطر هذه المسيرة التي يريد لها أنصار النهضة أن تكون مليونية، وأكد طيب محمد حقوقي ينشط في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في حديثه مع “اخر ساعة” إن خروج عشرات الآلاف من الناس إلى الشارع مدفوعين بالحماس الديني سوف يخلق مشاكل لا تحصى، سوف تحدث تجاوزات كثيرة في حق الفنانين والفضاءات الفنية والحقوق المدنية عامة. واعتبر الناشط أن هذه المسيرة ليست سوى استعراض قوة من حركة النهضة وحلفائها من السلفيين ضد خصومهم وضد كل من يدعو إلى تغليب وحماية حرية التعبير، وأن هذه المسيرة تهديد واضح لكل من يعارض المتشددين، سواء كانوا في النهضة أم من السلفيين.كما تحدث آخرون عن احتمال حدوث تجاوزات وفوضى بحكم الحماس الديني الذي تم تجييشه في الأيام الأخيرة، وأن تحدث مصادمات أو هجومات على محلات عمومية أو ممتلكات عامة. حقوقيون يؤكدون ل«اخر ساعة” ان الفنون التشكيلية لم تمس المقدسات الاسلامية لوحات معرض قصر العبدلية الحقيقة والمغالطة ما تزال حادثة معرض قصر العبدلية محل جدل واسع ليس لكونها أصل البلية كما يروج لها منذ نهاية الأسبوع الماضي وهو ما أدى إلى أحداث العنف والتخريب الأخيرة التي شهدتها مختلف الولاياتالتونسية، وإنما لحقيقة ما جرى في هذه الحادثة وخصوصا حقيقة اللوحات والرسوم التي يتحدث عنها دعاة حماية الدين والمقدسات . وخلافا لما يروج منذ الأحد الماضي سواء على صفحات التواصل الاجتماعي أو في بعض وسائل الاعلام حول عرض لوحات تسيء للرسول الأعظم والمقدسات الإسلامية في معرض قصر العبدلية فإن ما حدث حسب ما نقل في العديد من الصحف التونسية يوم أمس، وفي حديث العديد من الحقوقيين على غرار “هشام طيب” عضو منظمة الدفاع عن حقوق الانسان الذي التقت به “اخر ساعة” بساحة التحرير، هو أن مجموعة من الأشخاص توجهت يوم الأحد 10 جوان 2012 إلى قصر العبدلية حيث معرض ربيع الفنون التشكيلية وكانت المجموعة مرفوقة بعدل تنفيذ استقدمته لتسجيل محضر معاينة لما يقدم في المعرض وبعد معاينة المعرض طلبت المجموعة من مسؤول المنظمة المقيمة للتظاهرة إزالة لوحات رأوا فيها إساءة ومسّا للمقدسات الاسلامية وهددوا بالعودة بعد سويعات للتثبت من نزعها في الأثناء قام عدل التنفيذ الذي حضر لمعاينة المعرض بنشر نص على موقع التواصل الاجتماعي “فايس بوك” كتب فيه “في المرسى اعتداء على الذات الإلهية وتطاول على المقدسات الدينية الاسلامية”. وعقب الوقفة الاحتجاجية التي نظمها المحتجون بولايات تونس وسوسة وجندوبة وغيرها تناقلت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الحادثة مكررة ما جاء في نص عدل التنفيذ من اعتداء على الذات الإلهية وتطاول على المقدسات الدينية الاسلامية في معرض للصور واللوحات الفنية بقصر العبدلية بالمرسى،كما تناقلت بعض وسائل الاعلام الحادثة من نفس الزاوية دون التثبت في مضمون اللوحات والرسوم ما إذا كان فيها فعلا مس من المقدسات الاسلامية وعقب ذلك تصريح وزير الشؤون الدينية الذي لم يطلع بدوره على حقيقة ما في اللوحات ومع ذلك قام بإدانة أصحابها داعيا الى حماية المقدسات الاسلامية وكأنها دنست فعلا او لحقتها إساءة.في الأثناء تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي لوحات فنية لإثبات المس من المقدسات الاسلامية تبيّن فيما بعد انها غريبة عن المعرض ولم تقدّم فيه على الاطلاق. وبتأمل لوحات المعرض وخصوصا التي صوّرها عدل التنفيذ ونشرها في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «فايس بوك» تبيّن ان كل ما أورده في النص المرافق للصور وخصوصا في ما يتعلق بتهمة الاعتداء على الذات الإلهية لا أساس له من الصحة وفيه مغالطة واضحة للرأي العام ودعوة الي إثارة الفتنة بينه وبين المبدعين، وحتى اللوحة التي تضمنت رسم كلمة «سبحان اللّه» بالنمل، واصفا إياها بالاعتداء على الذات الالهية، فيها مرجعية دينية (سورة النمل) ودلالة فنية على عظمة اللّه. وتبيّن أن النمل ذاته، كأصغر الكائنات يسبّح باسم اللّه.