كانت نقطة البداية من منطقة نائية بنواحي بلدية عين الباردة حيث دلتنا بعض مصادرنا عن مكان عرافة ما زالت تمارس طقوس السحر والشعوذة بطرق تقليدية قبل أن تتغير وجهتنا 180 درجة ونكتشف بأن أغلب العرافات المشهورات يتمركزن بالأحياء الراقية وسط مدينة عنابة. اقتحمنا مجال الشعوذة وكلنا عزم على تعريته فوجدنا أنفسنا ندخل عالما مليئا بالمفاجآت والعجائب الأغرب من الخيال حيث يصل سعر المعاينة البسيطة أو قراءة البخت إلى 2000 دج وهو ضعف ما يدفعه المريض لدى العيادات الخاصة ناهيك عن باقي المصاريف التي قد تتعدى المليونين. فيما تحول شكل العرافة الساحرة من عجوز شمطاء ماكرة إلى نساء شقراوات يتزين بأبهى أنواع الحلي اتخذن من فيلات فخمة بقاعات انتظار وعاملات إستقبال مقرات لهن عوض الكوخ الحقير المخيف الذي تتبادر صورته إلى الأذهان بمجرد ذكر اسم الساحرة أو العرافة. «قاورية» لمعالجة الناس بالسحر والشعوذة اعتقدنا أول الأمر بأننا بمجرد أن نصل إلى بيت العرافة تجدها في إنتظارك لكننا تفاجأنا عندما توجهنا إلى عرافة فرنسية الأصل تتخذ من منزلها الكائن بحي البوسي جور وكرا للسحر والشعودة بطوابير لا تنتهي حيث تجمعت أكثر من مئتي فتاة وإمرأة من مختلف الأعمار بقاعة إنتظار واسعة بها جهاز تلفاز ومكيف وفي الزاوية المقابلة يوجد ما يشبه الكشك الصغير يبيع مختلف أنواع العصائر والحلويات للزبونات ناهيك عن السجائر ومشتقاتها. تقدمنا نحو القاعة لكن إحداهن دلتنا على مكتب يسجل فيه أسماء الزبونات لأخذ موعد مسبق أخبرتنا عاملة الاستقبال بأن ثمن «الشوفة» قراءة البخت قد تصل إلى 2000 دج حسب ما تختاره الزبونة فهناك الشوفة «بالكارطة» وأخرى بالسبحة مع بخور يقدم للزبونة لإبعاد العين والحسد يتم بعدها تكييف الحالة فإذا كانت سحرا فالتكاليف قد تصل إلى مليونين للعلاج وما أكثر وإذا كانت «تابعة» فسيكون على الزبونة دفع مبلغ لا يقل عن 15 ألف دينار وعليها شراء أشياء كثيرة كقميص جديد وقارورة عطر ودجاجة ونوع من العجائن كالكسكسي وغيرها يقدم قربانا كي تشفى المصابة من علتها. عندها تأكدنا أننا لن نستطيع الوصول إلى العرافة التي مرت أمامنا عندما اتجهت إلى الطابق العلوي لإحضار بعض المستحضرات التي أعدتها لزبونة كانت إمرأة جميلة شقراء ذات عيون زرقاء تتكلم الفرنسية والقليل من العربية قيل لنا أنها فرنسية وتقيم بالجزائر متزوجة ولديها ولدين وسيارة خاصة بسائق حيث نادرا ما تراها تسير بالحي وهو ما دفعنا إلى التقرب من إحدى الزبونات للسؤال عن سبب احترافها هذه المهنة بدافع الفضول حيث فاجأتنا بأنها تقول بينما هي نائمة في ليلة من ليالي الصيف سمعت نداء يقول لها «إنهضي وعالجي الناس« علما أن العرافة دخلت الإسلام قبل دخولها عالم السحر والشعوذة بحوالي 20 سنة ومنذ ذلك الحين بدأ صيتها يذاع حتى أصبحت مشهورة لدرجة أن الزبونات يقصدنها من جميع ولايات الوطن خاصة الشرقية منها واختصاصها هو إبطال السحر والحسد وطرد التابعة. وترفض العرافة حسب زبوناتها القيام بأنواع السحر التي تجعل الزوج يفترق عن زوجته أو تبعد الابن عن والدته وغيرها من أنواع السحر التي تحدث الأذى لأشخاص آخرين مؤكدة أنها تلبي نداء الصوت الذي سمعته والذي أمرها بمعالجة الناس. علما أن حي البوسي جور الراقي الواقع وسط مدينة عنابة يضم أكثر من فيلا تتخذ منهن صاحباتها وكرا للشعودة والسحر وكلهن يشهدن إقبالا غير مسبوق ولكل واحدة منهن اختصاصها. الشعوذة حسب الاختصاص وفيلات فخمة تتحول إلى عيادات خاصة غير بعيد عن حي البوسي جور توجهنا إلى فيلا أخرى «بالمونجا» سنكلو حيث تعالج عرافتان كما تدعيان جميع أنواع السحر وفك الربط وغيرها الأولى تونسية والأخرى جزائرية. للوصول إليهما عليك المرور بمكتب الاستقبال حيث تطلب منك العاملة بالمكتب المجهز بجميع أنواع المعدات التي تجعلك تظن بأنك تدخل مكتبا بالبلدية أو إحدى الإدارات العمومية إسمك وإذا كنت قد توجهت فيما قبل عند عرافة أم لا لتوجهك حسب ما تعانيه إلى إحدى العرافتين فإذا كانت فتاة تريد الزواج توجهها إلى العرافة التونسية وإذا كان الأمر سحرا بين زوجين فإنها توجهك للعرافة الأخرى فلكل واحد اختصاصها ومبلغ الشوفة لا يختلف عن الثمن الذي تطلبه العرافة الأخرى إلا أن الأمر مختلف فهناك قاعتان للإنتظار ويتم قبول 20 زبونة فقط كل يوم خاصة إذا كان لدى العرافتين حالات إبطال السحر والتي تتم عن طريق ما يسمى «بالخفيف» الذي يكون بإذابة مادة الرصاص (البلون) ووضعه بالمهراس. «الزفت» لكشف الطالع إلى جانب الكارطة» والسبحة والرمل من أشهر أنواع كشف السحر وقراءة الطالع هي «الكارطة» والسبحة، الخفيف وكذا الرمل وحتى «الزفت» الذي يستعمل في تعبيد الطرقات وهو أول ما تقوم به العرافة في أول مرة حيث تسألك عن إسم والدتك ووالدك أو اسم الزوج أو الزوجة قبل أن تقوم بخلط بعض الأوراق وتلفها حول رأس الزبون سبع مرات نفس ما يفعل بواسطة السبحة وتبدأ بعدها في إخبار الزبون عن حاضره لتنتقل بعدها إلى المستقبل وأغلب الزبونات زوجات يشتكين من خيانة أزواجهن أو فتيات يبحثن عن أزواج بعدما فاتهن قطار الزواج والغريب في الأمر وحسب ما لا حظناه خلال زيارتنا لبعض العرافات هو أن معظم الباحثات عن أزواج هن فتيات لا تتعدى أعمارهن 25 سنة مما جعلنا نستغرب الأمر، والجدير بالذكر أن زبونات العرافات نساء المجتمع الراقي حيث أنه من السهل اكتشاف ذلك من خلال ملابسهن وكذا السيارات التي يقدنها. قصة «التابعة» التي تسرق أشياء الزبائن من أغرب القصص التي صادفتنا ونحن نجلس في قاعة انتظار عرافة فرنسية أخرى تملك فيلا بالسانكلو هي قصة التابعة التي تسرق أشياء الزبائن حيث أن العرافة أخبرت إحدى الزبونات بأن أشياءها ضاعت منها وعليها العودة في يوم آخر لتأخذها علما أن الزبونة قيل لها بأنها تعاني من «التابعة» وهو نوع من العين يتحول مع الزمن إلى تابعة والتابعة إمرأة شمطاء حسب نفس المصادر تقف عائقا أمام نجاحات المصاب بها كما تمنع الفتاة من الزواج. وتؤكد الزبونة بأنها عادت مرة أخرى لكنها سمعت نفس الشيء وعندما بدت عليها علامات التذمر أخبرتها العرافة بأن التابعة هي التي أقدمت على إخفاء أشيائها كي تبقى تسيطر عليها وتمنعها من الشفاء. علما أن العرافة طالبت الفتاة بإحضار أشياء مكلفة كملابس جديدة وحنة وبعض المواد كالكمون وبخور وقارورة عطر إلى جانب عشاء كامل. قرابين تقدم للجن مقابل الشفاء من السحر تتمادى الشوافات أو العرافات ببعض الطلبات أحيانا ليصل الأمر لتقديم عنزة سوداء أو كبش في حين يقتصر الأمر في أغلب الأحيان على ديك أسود أو أحمر يتم ذبحه وإعداد وليمة من لحمه مع إلزام الزبائن بإحضار جميع مستلزمات العشاء من الزيت إلى الكسكسي وحتى الملح والفلفل الأسود وعند إعداد الوليمة يتم وضع الزبونة أو الزبون وسط غرفة مظلمة يدور حوله مجموعة من النساء يرددن تعويذات غير مفهومة يحملن بنديرا في يدهن حتى يغمى على المصابة بالمس عندها يتم إخبارها بعدما تعود إلى وعيها بأنها قد شفيت لتدفع مبالغ ضخمة تصل إلى خمسة ملايين إلى جانب كل ما صرفته على العشاء قبل منحها تعويذات مكتوبة بجلود الحيوانات تضعها معها أو أشياء غريبة لتمنع عنها السحر والمس مرة أخرى وللمس حسب هؤلاء أنواع فالمس القديم الذي مضى عليه سنوات يضطر المصاب عندها إحضار كبش أو عنزة سوداء بدل الديك. للإشارة فإن العشاء يختفي بعد أن يستعيد المصاب وعيه فلا وجود لقصعة الكسكسي أو التليتلي وتختفي معه مختلف أنواع المشروبات وحتى الفواكه ويقال حينها للزبونة بأن الجن أخذها. سياسيون وفنانون وحتى رياضيين من أشهر زبائن العرافات لا تقتصر زيارة العرافات على النساء أو الرجال غير المعروفين حيث يوجد العديد من المشاهير الذين يتنقلون من ولايات بعيدة كالعاصمة ليقصدوا عرافات مشهورات بعنابة وعلى رأسهم فنانون معروفون على الساحة الفنية إلى جانب بعض لاعبي كرة القدم يبحثون عن قراءة الطالع و معرفة مستقبل مشوارهم الكروي إلى جانب تحصين أنفسهم بحجابات وتعاويذ تبقيهم دائما في مرتبة الريادة ناهيك عن بعض المسؤولين السياسيين الذين يحجون مع اقتراب كل موعد انتخابي خاصة إلى بيوت العرافات علهم يتمكنون من معرفة نتائج الانتخابات مسبقا و كذا الحصول على دعم العرافة التي تمنحهم مستحضرات تضمن لهم البقاء بمناصبهم أو الظفر بمناصب أكبر و أغلب السياسيين لا يتجهون للعرافات بطريقة مباشرة حيث يختارون الحصول على «حروز» وبخور عن طريق زوجاتهن مقابل مبالغ ضخمة علما أن بعض العرافات يقضين حاجيات زبائنهن من خلال أولئك المسؤولين خاصة فيما يتعلق الحصول على مناصب شغل وغيرها وقد تصل إلى الحصول على سكنات. وتجدر الإشارة إلى أن إيمان بعض المسؤولين بما تقوله العرافات لهن كبير لدرجة أنهم يبنون عليه آمالا كبيرة خاصة إذا حدث وأن تحققت بعض التوقعات. الممرضات وعاملات التنظيف من أكثر العرافات مكرا وخطورة من أكثر العرافات خطورة ومكرا هن بعض اللواتي يشتغلن بالمستشفيات سواء عاملات نظافة أو الممرضات كونهن يصلن إلى الموتى بسهولة وأصعب أنواع السحر هي تلك التي تدفن مع الميت أو توضع داخل قبره حيث لا يمكن فكها أو شفاء المسحور إلا في حالة فتح قبر الميت وإخراج السحر. وغالبا ما تتمكن تلك الساحرات من الوصول إلى مرادهن مقابل مبالغ خيالية تعد بالملايين خاصة إذا تحقق مراد الساحر. حيث تعيش بعض عاملات النظافة وحتى بعض الممرضات على الدخل الذي يكسبنه من السحر والشعوذة وقراءة الطالع ولا يكتفين بذلك بل يصل بهن الأمر إلى ممارسة طقوس السحر تلبية لرغبات الزبائن داخل مغسل الموتى أو حتى الثلاجة علما أنهن يتسللن لوضع تعاويذ السحر داخل كفن الميت عندما لا ينجحن في وضعه في فم الميت وعلما أن العديد من العائلات اكتشفت بعد إصرار عائلة الميت على فتح الكفن والكشف على وجهه لإلقاء النظرة الأخيرة عليه أن فم فقيدهم مخاط بالخيط. تستخرج منه بعدها صورة فتاة أو شاب وهو أخطر أنواع السحر إلى جانب السحر الذي يدفن بقبر منسي بمقبرة بعيدة وهو نوع آخر يصعب الشفاء منه إلى جانب السحر بجزء من ثياب المراد سحره. عرافة تزوج زوجها بأخرى وسحرها لم يمكنها من كشف الحقيقة من طرائف عالم العرافات أنهن يوهمن زبائنهن بأنهن قادرات على تغيير المستقبل وقراءة علم الغيب لكنهن في الواقع لا يفعلن ذلك مع أنفسهن حيث أن عرافة مشهورة تزوج زوجها من امرأة أخرى وكانت من إحدى زبوناتها والتي بقيت تتردد عليها لمدة خمس سنوات لكنها لم تكتشف ذلك والغريب في الأمر أنها كانت تخبرها بأن زوجها لا يحب سواها وبأنه لا يخونها أبدا دون أن تكتشف بأنها ضرتها وهو ما جعل تلك المرأة تتأكد بأن ما تقوم به العرافات هو مجرد سحر وشعوذة لا غير فإذا كن قادرات على قراءة المستقبل وكشف الغيب فالأولى كشف ما يقوم به زوج تلك العرافة فيما تمارس عرافة أخرى طقوس السحر لزبائنها بمهارة وتكسب من ورائه مبالغ ضخمة يقوم زوجها أخر اليوم بأخذها منها و التوجه للسهر و اللهو مع النساء وهي تعلم بذلك دون أن تستطيع فعل شيء فيما لا تستطع أن تمنع أذاه عندما يغضب منها ويضربها عندما تقل الأرباح عن المعتاد إلى جانب عرافة أخرى لم تستطع منع الأذى عن أخيها فكيف تستطيع النساء أو حتى الرجال الوثوق بعرافة لا تستطيع أن تصلح حياتها و حياة أسرتها. رجال يمتهنون السحر و بيوت بعض العرافات تتحول إلى أوكار للرذيلة دائما يكون اسم العرافة مؤنثا لكن الواقع عكس ذلك حيث يوجد رجال وعددهم قد يضاهي عدد العرافات لكنهم أقل شهرة يمارسون السحر ويتاجرون بآيات الله عن طريق ما يسمى ‘'بالديمياتي'' وهو عالم قائم بذاته يتمكن البعض من خلاله شل الشخص الذي يقف أمامهم وجعله تحت تصرفهم عن طريق جعله ينظر في عيونهم وهم يتلون سورة من القرآن الكريم بالمقلوب وقد تمكن من خلاله العديد من المشعوذين الاعتداء على العديد من الفتيات فيما استطاعوا الزواج من التي يريدونها زواج المتعة ‘'بالفاتحة'' أو ما يعرف بالزواج العرفي بعد الإيقاع بإحدى الزبونات و أغلب المشعوذين الرجال يعتدون أو يغتصبون زبوناتهم بعدما يجعلهن يستسلمن لهم علما أن بعض العرافات يعملن على إقامة علاقات غرامية مع زبائنهن من الرجال كما أن بعض منازل العرافات قدرتتحول في كثير من الأحيان إلى بيوت دعارة .