الغرب بحكوماته ونخبه الإعلامية والسياسية يغض الطرف عن الإساءة إلى الإسلام ويركز على رد الفعل الذي أثارته تلك الإساءة، فقد قوبلت الهجمات التي تعرضت لها السفارات الأمريكية بحملة واسعة من التنديد، ووصفت ألمانيا حرق السفارات، ومن ضمنها سفارتها في السودان، بأنه عمل غوغائي، وهؤلاء جميعا لا يعيرون أي اهتمام للأذى الذي ألحقه الفيلم المسيء للإسلام بأكثر من مليار وخمسمائة مليون من البشر. حرية التعبير لا تطال إلا الإسلام والمسلمين، فهناك قضايا أصبحت خارج النقاش ولا أحد يعترض على ذلك، والتشكيك في المحرقة التي تعرض لها اليهود، أو حتى طرح أسئلة حول مصداقية الأرقام التي يتم تداولها يعاقب عليه القانون بشدة في أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية، وهذا قد يدفع إلى التساؤل عن السر الذي يجعل الغرب يحصن اليهود بقوانين، مثلما حصن الفرنسيون الأرمن بقانون يجرم إبادتهم ومن ينكرها، لكنه لا يفعل شيئا من أجل منع تكرار الإساءة إلى الإسلام وأديان أخرى، بما فيها المسيحية، رغم ما تثيره هذه الإساءات من ردود فعل غاضبة تترك آثارا سلبية على العلاقات بين الدول والشعوب أيضا. لقد تضامنت نخب الغرب مع رسامي الكاريكاتير في الدنمارك عندما أساؤوا إلى الرسول – ص- لكنهم لم يفعلوا شيئا من أجل الدفاع عن حق الملايين في أن تحترم عقائدهم، والمسألة هنا تتجاوز المواقف الرسمية، بل إن الإدانة الرسمية الأمريكية للفيلم المسيء إلى الإسلام تتجاوز بكثير المواقف المنافقة للنخب الغربية التي تغذي هذه الكراهية بين الشعوب وتدفعها إلى المواجهة. إن الرسائل التي يتم إطلاقها من الغرب في اتجاه المسلمين تحمل إشارة واحدة، وهي أن الكراهية قاعدة لا يمكن أن تغيرها الخطابات الفارغة من قبيل ذلك الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في القاهرة بعيد انتخابه رئيسا لأمريكا قبل أربع سنوات، وإرث الحقد والكراهية الذي تغذيه دماء الملايين من ضحايا السياسات العدوانية الغربية سيستدرج قوى الاستكبار من حيث لا يشعرون.