أعدت حكومة عبد الملك سلال العدة لعرض مخطط عملها أمام ممثلي الشعب في غرفتي البرلمان وهذا بعد المصادقة عليه في مجلس الوزراء الأخير، وأمام هذه الحكومة تحديات كبيرة لإخماد ثورات الغضب التي تعصف بالشارع في مختلف جهات الوطن بسبب متاعب الحياة اليومية وبسبب خيارات أخرى تتمثل في إزاحة الأسواق الفوضوية الذي يقدمه البعض كخيار لا بديل عنه لاسترجاع هيبة الدولة ومحاربة الاقتصاد الموازي. مصادقة مجلس الوزراء على مخطط الحكومة في الاجتماع الذي عقده منتصف الأسبوع المنصرم يعتبر بمثابة إعلان الانطلاقة الرسمية لحكومة عبد الملك سلال، وتشير توصيات رئيس الجمهورية لهذه الحكومة للعمل دوما على الإصغاء للمواطنين، إلى التحديات التي سوف تواجهها الحكومة الجديدة في الميدان للتصدي لحالة الغليان المتكررة التي تميز الشارع في جهات مختلفة من الوطن على خلفيات مشاكل كثيرة لها علاقة بسياسات الحكومة أو بالوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد دون إغفال المحاولات المتكررة للتحريك ولجر الجزائر إلى مستنقع ما يسمى ب »الربيع العربي«، وإن كان البعض يعتقد بان هذا »الربيع« قد انتهى زمانه ولم يعد يخيف العالم العربي بعدما ظهرت عيوبه وبدت كوارثه للعيان في دول عربية كثيرة كليبيا ومصر وحتى الجارة تونس. فرئيس المجلس الشعبي الوطني قال بأن »الربيع العربي« قد تحول في بعض البلدان العربية إلى عواصف، وكان العربي ولد الخليفة وهو يتحدث خلال ندوة نظمتها الغرفة السفلى للبرلمان بمناسبة اليوم العالمي للديمقراطية، يشير صراحة إلى حالة الفوضى والفلتان الأمني التي تميز بلدان ما يسمى ب »الربيع العربي«، وما حصل في تونس من مواجهات فجرها السلفيون وما حصل في ليبيا بعد اغتيال السفير الأمريكي رفقة ثلاثة من فريقه الدبلوماسي ببنغازي، على خلفية الفيلم الأمريكي-الصهيوني المسيء لسيد الخلق محمد »ص«، كلها نتائج لا تبشر بالخير ل »ربيع" ليس فيه من الربيع إلا الاسم، فهو شتاء قارص يعد بالأسوأ في المستقبل المنظور. لقد شدد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في مجلس الحكومة الأخير على ضرورة العمل من أجل مواجهة المشاكل التي تعيق الدخول الاجتماعي العادي والطبيعي وبتعبير آخر فإن من أوكد واجبات الحكومة الجديدة التي يرتقب أن تعرض مخططها على البرلمان بغرفتيه هو تجنيب البلاد مظاهر العنف الاجتماعي التي تميز الشارع منذ أشهر طويلة، وتحديدا منذ جانفي 2011، فهذه تعليمة للوزير الأول عبد الملك سلال وجهها لولاة الجمهورية يحثهم فيها على تأجيل كل برامج توزيع السكن الاجتماعي على المستوى الوطني، والغرض طبعا هو تفادي الانزلاقات ومظاهر العنف التي تميز الوضع في العديد من الولايات، فتوزيع السكن لم يعد نعمة، أو مناسبة تتفاخر بها الحكومة أمام المواطنين، وإنما تحديا تجعل المنتخبين وممثلو الإدارة يمسكون على بطونهم، لأن من سيقصى من الاستفادة اكبر ممن سيستفيد من السكن، وبتعبير آخر فإن الاحتجاجات تصبح أمرا حتميا ومنتظرا في كل مرة. لقد تحول السكن إلى مشكل ينغص على المسؤولين حياتهم اليومية، فكل البرامج التي تم بعثها لم تكن كافية لحل مشكل السكن، والأسباب مختلفة منها ما هو مرتبط بحجم البرامج، ومنها ما له علاقة بممارسات البزنسة التي حولت اسكن الاجتماعي والسكن بصفة اشمل إلى وسيلة للثراء والكسب السهل، ويبدو أن حكومة سلال قد وجدت في إعادة بعث برنامج سكنات عدل وسيلة لمعالجة مشكل السكن، خاصة بعد النتائج المرضية إلى حد ما التي حققتها هذه البرامج في السابق والتي تم توقيفها من دون إعطاء أسباب توقيفها مع أنها ساهمت بالقدر الكبير في تخفيف مشكل السكن خصوصا في المدن الكبرى. هناك معضلة أخرى تثير الشارع وتتعلق بمشروع إزاحة الأسواق الفوضوية، فالتقديرات تقول بأن هناك ما لا يقل عن 75 ألف تاجر غير شرعي، وقد خصصت الحكومة غلافا ماليا يصل إلى 1400 مليار سنتيم لاحتوائهم، وهناك عمل يجري لإقامة فضاءات تسمح لهؤلاء التجار بممارسة أنشطتهم، وفي بعض الأحيان إعادة تهيئة أسواق الفلاح القديمة لاستيعاب نشاطات هؤلاء، وتعتقد الحكومة بان إزاحة الأسواق الفوضوية سيتيح لها التحكم في السوق الموازية، وتعتقد أيضا بأن هيبة الدولة قد يتم استرجاعها من هذا الباب أيضا، والحقيقة أن إزاحة هذه السواق مفيد للاقتصاد ومفيد للمجتمع أيضا، بل مفيد حتى للمحيط المعيشي الذي تأثر كثير بفعل الفوضى والازدحام وأكوام الزبالة التي تخلفها هذه الأسواق ناهيك عن الآثار الصحية للمنتجات المتداولة في هذه السواق غير المراقبة وللجريمة التي تتطور بداخلها أو في محيطها، لكن السؤال هو هل الحل في بناء فضاءات رسمية تسمح لهؤلاء الشباب بممارسة نشاطاتهم؟ والإجابة هي أن مثل هذه الحلول تساهم في توسع النشاطات الطفيلية التي لن تفيد الاقتصاد الوطني، ثم إن التكفل ب 75 ألف تاجر غير شرعي اليوم قد يشكل حافزا للآلاف، بل ملايين الشباب البطال ليجرب حظه هو الأخر ويغزو الشوارع لعله يظفر بدكاكين أو مساحات داخل الأسواق الرسمية، مع أن الخيار العقلاني يكمن في دمج هؤلاء الشباب في عالم الشغل ، وجلب الاستثمار المنتج الذي يوظف اليد العاملة الوطنية، وتفادي تحويل الجزائري إلى شخص يعول فقط على الريع، يحلب من الدولة، من منطلق معتقد متداول يقول بأن الثروة الوطنية يجب أن توزع وبطريقة بدائية كما كان عليه الحال في بعض البلدان العربية النفطية. وإذا كانت حكومة سلال منشغلة هذه الأيام بالأسواق الفوضوية وبحركات وسكنات الشارع، ومنشغلة أيضا بالقمامات التي تحول رفعها إلى مشروع يتجند له الولاة بطريقة كاريكاتورية، فإن العديد من التشكيلات السياسية قد بدأت تحزم أمتعتها استعدادا للانتخابات المحلية المقبلة، فسواء تعلق الأمر بالمشاركة، أو بتفصيل القوائم فإن التحدي كبير جدا، خاصة في ظل الصراعات التي تقسم ظهر الكثير من التشكيلات السياسية. فحركة حمس التي تدفع هذه الأيام ضريبة نفاقها السياسي على مر العقود الماضية، هاهي اليوم تتفرج على النزيف الذي أصابها في المقتل، وبعد انشقاق وزير الأشغال العمومية عمار غول رفقة عدد كبير من قيادات والمناضلين، تحدثت مصادر أخرى عن قرب الإعلان عن تأسيس حركة جديدة ستولد من رحم حركة الراحل محفوظ نحناح تسمى حركة البناء الوطني وستتسبب هذه الحركة من دون شك في انشقاق قيادات أخرى كثيرة، وسيمتد الانشقاق أيضا إلى القواعد التي أصبحت في حالة غير مسبوقة من الحيرة وهي ترى ارث الراحل الشيخ محفوظ نحناح تمزقه الانشقاقات. وكان حزب »تجمع أمل الجزائر« المعروف اختصارا باسم »تاج« قد عقد مؤتمره التأسيسي نهاية الأسبوع المنصرم، وظهر صاحبه عمار غول بصورة الزعيم الجديد وقد أحاط نفسه بعدد كبير من القيادات الحماسية التي انشقت عن سلطاني والتحقت بالحزب الوليد، وبشخصيات أخرى من عدة أحزاب، حتى يخيل للمرء بأن »تاج« ما هو إلا تنظيم وجد لجمع شتات المتمردين عن أحزابهم، والغاضبين على زعمائهم، حزب وطني بلون سحري قريب من لون التجمع الوطني الديمقراطي في سابق عهده، إذا ما نظرنا للظروف التي ظهر فيها ولطبيعة الخلق الذي التحق به، وللقوة التي اكتسبها في لمح البصر. ولا يزال الوضع الأمني في منطقة الساحل الصحراوي يتصدر سلم الأولويات، فلا يمر يوم واحد إلا وأعلنت مصالح الأمن عن إفشال محاولات لتهريب أسلحة ليبية إلى الجزائر أو عبرها،آخرها كان في تمنراست أين تم حجز أسلحة ومتفجرات وتوقيف عدة أشخاص متورطين في القضية، وهذا في وقت يتواصل فيها النقاش بخصوص التدخل العسكري المحتمل في شمال مالي بين أعضاء مجموعة دول غرب إفريقيا »الايواكس«، في وقت عادت فيه مسالة الإختطاف إلى الواجهة، فوزير الخارجية مراد مدلسي أعلن مؤخرا بان الجزائر لا تتوفر على أدلة حقيقية تؤكد أو تنفي اغتيال نائب قنصل الجزائر بغاو، الطاهر تواتي، وفرنسا أعلنت من جهتها عبر خارجيتها بأنها ستعمل ما في وسعها لتحرير رهائنها الأربعة الذين لا يزال يحتجزهم تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي الذي هدد مؤخرا بتصفيتهم في حالة مشاركة فرنسا في أي تدخل عسكري في شمال مالي.