يبدو أن حكومة عبد المالك سلال لم تكرس فقط رغبة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في التغيير على مستوى الشكل، أي في تشكيلتها التي ضمت أسماء من تيارات سياسية أخرى لم تكن مشاركة من قبل في الجهاز التنفيذي، بل زادت على ذلك أن رسمت معالم التكفل بالانشغالات الاجتماعية الأكثر أهمية والمستعجلة. كان من الطبيعي جدا أن يحظى مخطط الحكومة الذي عرضه الوزير الأول عبد المالك سلال أمام نواب الغرفة السفلى للبرلمان بالأهمية التي يستحق، ويثير كل ذلك النقاش الذي رأيناه، فالظرف السياسي والاجتماعي والعوامل الداخلية أو حتى الخارجية تمنح لمخطط عمل الحكومة كل تلك القيمة، ذلك أن الجميع يترقب فإما أن تنجح حكومة سلال فيما فشلت فيه حكومة أويحيى السابقة، وإما أن تشيع الفوضى ويفسح المجال أمام كل أنواع المغامرات، خاصة في ظل وجود ما يفيد بأن مساعي جر الجزائر إلى ما يسمى ب »الربيع العربي« لا تزال متواصلة. لقد رسم عبد الملك سلال في خطابه معالم إستراتيجية تبدو قريبة من الآمال المعلقة على الطاقم الحكومي الجديد، فتركيز العمل على التكفل بالانشغالات المستعجلة على غرار السكن، خصوصا مسالة إعادة بعث برنامج السكن بصيغة البيع بالإيجار»عدل«، سوف يساهم دون أدنى شك في خفض التوترات الاجتماعية التي يشكل السكن أحد أبرز أسبابها، وهو ما أبرزه أيضا وزير السكن عبد المجيد تبون الذي تحدث عن إستراتيجية وطنية من ثلاثة محاور لمعالجة أزمة السكن واختلال التوزيع، مع الإشارة من جهة أخرى أن عرض الوزير الأول جاء فيه التأكيد بشكل خاص على معالجة مشاكل الكهرباء التي فجرت كما هو معروف احتجاجات منتصف الصائفة الماضية، وتشجيع الاستثمار كما تطرق أيضا إلى مسألة العمل المطلوب من الحكومة لمواصلة سياسة المصالحة الوطنية والتكفل بضحايا المأساة الوطنية، ليضفي بذلك طابعا اجتماعيا يكاد يكون خالصا على مخطط عمل الحكومة الذي دعمته بقوة مداخلات نواب الأفلان والأرندي وعدد من النواب المستقلين، وواجه انتقادات حادة من نواب المعارضة، سواء من نواب الأفافاس الذين اعتبروا بأن الوعود التي جاء بها مخطط الحكومة »أكذوبة وهي غير قابلة للتطبيق« ، وانتقادات نواب تكتل الجزائر الخضراء الذين نحتوا من قاموس المعارضة الذي لم يألفوه لتوجيه انتقادات لحكومة سلال، فضلا عن انتقادات وجهتها كتلة حزب العمال التي تخوفت من أن ترهن الحكومة الجديدة المكتسبات المحققة وترتكب بعض المحرمات خصوصا في قطاع المحروقات. وتبدو عين المعارضة موجهة نحو الانتخابات المحلية البلدية والولائية التي هي على الأبواب، انتخابات تراجعت فيها ظاهرة المقاطعة إلى الحدود الدنيا، وهو ما يناقض تماما كل تصريحات أحزاب المعارضة سواء في حزب العمال أو الأفافاس أو أحزاب تكتل الجزائر الخضراء التي لا تزال تطعن في نتائج التشريعيات الفارطة، ولو كانت الانتخابات السابقة مزورة لما توافدت كل هذه الأحزاب على الانتخابات المحلية. وما من شك أن التنظير لن يفيد حكومة عبد الملك سلال، وانتقادات المعارضة رغم قساوتها قد تفيدها في رسم معالم خطة عملية للتكفل فعليا بانشغالات السواد الأعظم من الجزائريين الذين أنهكتهم المسيرات والاحتجاجات في الشوارع والساحات العامة، فالمطلوب أن لا تتكرر أزمة الكهرباء في الصائفة المقبلة، والمطلوب أيضا أن تحافظ على الأقل على المستوى الحالي للأسعار التي بلغت مستويات لم تعرفها في السابق، وعليها أيضا العمل من أجل خفض مستويات البطالة من خلال تشجيع الاستثمار الوطني والخارجي ومواجهة داء البيروقراطية الذي يقف حاجزا أمام الاستثمار المنتج الذي يمتص اليد العاملة، وأما في ميدان السكن فإن الانجاز وحده لا يكفي مادام التوزيع هو بيد بارونات السكن وسماسرة العقار الذين يتاجرون به، ولاشك أن من أوكد واجبات الحكومة هو أن تبحث عن مخارج للآلاف بل الملايين من الشباب العاطل، فجميل أن تزيح الأسواق الفوضوية التي عكرت صفو حياة المواطنين وتسببت في الفوضى، لكن الأجمل هو أن تجد الحكومة بديلا للبطالين من خلال منحهم فرصة عمل دائم. مهمة الحكومة أن تردع كل أنواع التطاول على القانون، وينتظرها عمل كبير في الأسواق التي تحولت إلى فضاءات تفلت من الرقابة، فمع اقتراب موعد عيد الأضحى بدأت آلة المضاربة تشتغل بشكل يوحي بأن أسعار الأضاحي سوف تلتهب، وهذا رئيس الاتحادية الوطنية للجزارين يكشف بأن بارونات الأسواق شرعوا فعلا في الاستعداد لإغراق السوق بمواشي مريضة يتم تسمينها بالهرمونات، منبها إلى كارثة صحية قد تنجم عن هذا السلوك. وفي الشأن الأمني يرتقب أن يشكل الاجتماع الذي عقد حول مالي على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة منعرجا هاما وحاسما في أزمة مالي، فهذا اللقاء مكن فرنسا على ما يبدو من جمع المزيد من الدعم لسياستها الساعية إلى التدخل العسكري، وإقناع أعضاء مجلس الأمن ال 15 بضرورة التسريع بهذا التدخل باسم المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، لكنه عمليا سيكون تدخلا في المنطقة لقوى كبرى على غرار فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية. لقد اتهم مصدر مقرب من الرئيس المؤقت في مالي الجزائر بتشكيل حلف معادي للتدخل الخارجي وقال بأن هذا الحلف يضم كلا من موريتانيا والنيجر، وأكد في المقابل بأن فرنسا ستواصل سعيها لإقناع مجلس الأمن الدولي بالتدخل، ولم يخطئ هذا المصدر الذي رفض الكشف عن هويته وهو يتحدث لوكالة الأنباء الفرنسية، فباريس بدأت تعد العدة لغزو شمال مالي وقد أرسلت معدات عسكرية إلى بوركينافاسو أي إلى مناطق قريبة من مالي لدعم القوات الإفريقية التي ستدخل المعركة على الأرض، فيما كشفت مصادر أخرى بأن قوات خاصة فرنسية تم إرسالها إلى مالي للمشاركة في مهام محددة في شمال البلاد، ويجري الحديث عن عمل عسكري مكثف تقوم به قوات تابعة ل »ايواكس« يتم خلاله السيطرة على المدن والتجمعات السكنية في شمال مالي، وتكون هذه القوى مسنودة من طيران فرنسي وربما أمريكي أيضا يقوم بعمليات ضد مواقع للمجموعات الجهادية التى تسيطر على شمال مالي. باماكو أصبحت تريد هذا التدخل العسكري بأي ثمن فما يهم حكام مالي الجدد هو أن تخلصهم فرنسا وأمريكا من مجموعات القاعدة، وبعدها لكل حادث حديث كما يقال، فهؤلاء لم يحسبوا حسابهم للمتمردين التوارق الذين يتحينون الفرصة لاستعادة السيطرة على شمال مالي، علما أنهم هم أول من سيطر على المنطقة وطرد الجيش المالي منها، ولا يردون الالتفاتة اليوم لما سيترتب عن التدخل العسكري في شمال مالي من آثار إنسانية كارثية وآثار أمنية ربما تكون اخطر تضع منطقة الساحل برمتها على كف عفريت فتحولها إلى ساحة للمواجهة مع الغرب ومع دول المنطقة، فالتدخل الخارجي سيوحد حتما كل المتطرفين على حد قول الكثير من المحللين الأمنيين.